مملكة الدراويش، خريطة الطرق الصوفية الكبرى فى بر مصر، أبرزها البدوية والشاذلية والرفاعية، عدد المنتمين للطرق الصوفية تجاوز الـ 20 مليون مواطن
بعد سنوات طويلة من الابتعاد عن الأضواء، عادت الطرق الصوفية إلى صدارة المشهد فى مصر، مع تفجر قضية الشيخ صلاح التيجانى أحد مشايخ الطريقة التيجانية، والذى طالته اتهامات بالتحرش بإحدى الفتيات، ما دفع الطريقة إلى نفى صلته بها، لكن ما حدث لفت الأنظار بقوة إلى عالم الطرق الصوفية، العالم المليء بالأسرار والحكايات الغامضة، عشرات الطرق بعضها شرعى يعمل تحت ولاية المجلس الأعلى للطرق الصوفية والبعض الآخر مجرد كيانات صغيرة تمارس طقوسها بعيدا عن الأعين.
انتقادات حادة توجه إلى الصوفية والمتصوفين فى مصر، ورغم ذلك تعج الطرق بعشرات من المشاهير وقادة الرأى الذين تحولوا إلى مريدين، يسيرون معصوبى الأعين خلف المشايخ، ما يفتح بابا واسعا من الجدل حول سيطرة الطرق الصوفية على عقول وقلوب ملايين المصريين، وسط اتهامات بـ “الدروشة” و“نشر الخرافات” تلاحق كثيرين ممن يوصفون بأنهم قادة تلك الطرق.
فى السطور التالية نفتح ملف الطرق الصوفية فى مصر.. ونرصد أماكن انتشارها وأبرز أفكارها ومعتقداتها ونلقى الضوء على أبرز مشايخها فى مصر ومهام المجلس الأعلى للطرق الصوفية ومتى أنشيء ومدى ولايته على الطرق.
الطرق الصوفية من الظواهر الاجتماعية التى تضرب بجذورها داخل المجتمع المصرى منذ القرنين الثالث والرابع الهجرى، لتنتشر فى كافة ربوع مصر لدرجة أن أتباع الطرق الصوفية تجاوزوا 20 مليون مواطن.
الطرق الصوفية فى مصر تتشابه بدرجة كبيرة فى المنهج والأدوار والأدوات إلى درجة تكاد تذوب فيها الفوارق بينها، حيث تتشابه جميعها فى شروط الانتساب، والمواصفات المطلوبة فى الشيخ، وآلية تولى خلافة الطريقة، وحتى فى الأوراد.
وتتواجد 68 طريقة صوفية فى مصر تتفرع معظمها عن 6 طرق صوفية كبرى دخلت جميعها فى القرن الثالث الهجري، وتحاول هذه الخريطة المعلوماتية تقديم جوانب توثيقية عن الطرق الصوفية فى مصر من خلال التعرض لكبريات الطرق الصوفية، وأهم أفكارها، ومستويات انتشارها، وحجم عضويتها، وأهم رموزها وأعلامها.
الطريقة البدوية
وتنسب الطريقة البدوية إلى الشيخ أحمد بن على البدوى المولود فى مدينة فاس بالمغرب سنة 596هـ (1199م)؛ حيث تذكر كتب البدوية أنه نزل مع أسرته مهاجرا من المغرب إلى مكة، إلا أنه أقام بمصر، وتوفى البدوى فى مدينة طنطا بمصر سنة 675هـ (1276م)، وهو يعد أحد الأقطاب الأربعة (إضافة إلى الجيلاني، والرفاعي، والدسوقي)، وطريقته من أكبر الطرق الصوفية فى مصر، ولها فروع كثيرة، وشارة الطريقة هى العمامة الحمراء، والعلم.
ومنهج الطريقة يقوم على تمسك المريد بكتاب الله وسنة النبي، وأن يكون دائم الطهارة، وراضيا عن الله، وأن يترك ما فى أيدى الناس، ويتحمل أذاهم، وأن يكون عالما بأن الشيطان عدوه كما أخبره، وتنتشر الطريقة البدوية فى جميع أنحاء مصر، وعدد مريديها يتجاوز المليونين.
الطريقة الرفاعية
تنسب الطريقة الرفاعية إلى الشيخ أحمد الرفاعى المولود فى قرية حسن بالبطائح فى العراق، واسمه الحقيقى أبو العباس أحمد بن أبى الحسن البطائحى المنسوب إلى الإمام موسى الكاظم، أما الرفاعى الموجود فى مصر فيقول مريدو الطريقة إنه من نسله، لكنه ليس أول من بشر بالطريقة فى مصر، وإن أول من بشر بها هو الشيخ أبو الفتح الوسطى الذى وفد على مصر من العراق وأقام بالإسكندرية. وزى الرفاعية الأسمر، وقد اشتهر عن أتباع الرفاعى القيام بأفعال يستغربها الكثير كاللعب بالثعابين، وركوب الأُسود، والدخول فى النيران المشتعلة دون أن تحرقهم أو تؤثر فيهم، وغيرها.
ومنهج الطريقة يرتكز على الالتزام بالكتاب والسنة، وعدم مجاراة موتى القلوب، وموافقة السلف على ما هم عليه، وترك الدنيا، ومجاهدة النفس، والصبر على البلاء والاستسلام له.
وقد ورد فى كتب نسبت إلى مشايخ ورموز هذه الطريقة أمور جعلت البعض يخرجهم عن الملة ويتهمهم بالشرك، كادعائهم مثلا قدرة شيخهم الرفاعى على علم الغيب والرزق والموت والحياة، وشيخ الطريقة الموجود حاليا هو الشيخ طارق الرفاعى، وتنتشر الطريقة الرفاعية فى جميع أنحاء مصر ويوجد اتباعها بكثرة فى محافظات الصعيد وتحديدا اسوان وسوهاج والمنيا ويبلغ عدد مريديها حوالى 6 ملايين مريد.
وتقسم مراتب العضوية فى الطريقة إلى مريدين، ولكل مجموعة من المريدين شيخ، ولكل مجموعة من الشيوخ شيخ سلك الطريق من قبل يوجههم ويسمى خليفة الخلفاء، ولكل مجموعة من الخلفاء خليفة.
وتبدأ طقوس الانضمام إلى الرفاعية بالبيعة التى يؤديها المريد للشيخ على السجادة، لاصقا ركبتيه ويقرأ الفاتحة، كما يقرأ عليه الشيخ البيعة، ويطلب منه الاستغفار والتوبة، ويردد المريد خلفه الرضا بمشيخته وإرشاده بطريقة الرفاعي، ويقيمه المرشد مريدا على هذا العهد، ثم يجلسه ويوصيه بتقوى الله، ويلقنه كلمة التوحيد، ويعلمه الذكر بلا إله إلا الله، ثم يضع جبهته على جبهته، ويده على صدره، ويدعو له بالتوفيق والإخلاص والبركة، ويختم دعاءه بالفاتحة، ويقوم مع المريد إلى القبلة ويصليان على النبى (أول الخلق)! وخاتم الرسل والأنبياء أجمعين، ثم يثنيان بالفاتحة.
كما تشترط الطريقة أن يكون المريد صاحب أدب وخشوع وخضوع، وعارفا بمقدار شيخه، منقادا له، لا يعترض عليه، ولا يصاحب له عدوا، ولا يباعد له صديقا، ولا يزور أحدا من صالحى الوقت بغير أمره وإذنه، ويكون بين يدى شيخه كالميت بين يدى المغسل.
الطريقة القادرية الجيلانية
مؤسس الطريقة القادرية هو عبد القادر بن موسى، المعروف بالشيخ عبد القادر الجيلانى أو الجيلي، ولد سنة 471هـ (1077م) بجيلان، وهى منطقة فى بلاد فارس.. ويعتبر الصوفيون الجيلانى هو أول من نادى بالطرق الصوفية وأسسها، وشيخ الطريقة الحالى فى مصر: حسين أحمد على القادري، والطريقة الشرعية: واشتق اسمها من استخدام شيخها عبد المنعم القادرى للفظة “الشرعية” فى بعض مؤلفاته، مثل: الركائز الإيمانية فى أصول مجلس ذكر طريقة السادة القادرية الشرعية، والطريقة النيازية: واشتقت اسمها من الشيخ عبد الرحمن نيازى المتوفى سنة 1311هـ، والذى قدم من تركيا إلى مصر واستوطن بها، وأقام فى مدينة الإسكندرية، وهى الآن مقر هذه الطريقة.
يتجاوز عدد منتسبيها حوالى مليون مريد- حسب مصادر فى الطريقة- ولا يكتسب المريد فى الطريقة الجيلانية هذه الصفة إلا بعد اللقاء، وهو الطقس الرئيسى من طقوس هذه الطريقة، فلابد أن يكون هناك لقاء أول بين الشيخ وبين المريد، ويتضمن هذا اللقاء خمسة أركان هي: العهد، والاستغفار، والتوبة، والطاعة، والذكر.
وقبل البدء يصلى المنتسب أو المريد ركعتين نفلا، ويقرأ الفاتحة للنبى صلى الله عليه وسلم ولإخوانه المرسلين والنبيين، وبعد الصلاة وقراءة الفاتحة يجلس المريد بين يدي.
الطريقة الشاذلية
الطريقة الشاذلية هى أكبر الطرق المعروفة فى مصر، وتنتسب إلى أبى الحسن على بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي، المولود سنة 591هـ فى غمارة، بالقرب من مدينة سبتة المغربية، ثم انتقل أبو الحسن الشاذلى من شاذلة إلى تونس، فترك تونس وتوجّه إلى مصر ونزل الإسكندرية، وأخذ يدعو إلى التصوف إلى أن مات سنة 656هـ، فى صحراء عيذاب شرقى مصر.
مركز الشاذلى الأول هو مدينة الإسكندرية، وطنطا بمحافظة الغربية، ودسوق بمحافظة كفر الشيخ، وأهم فروعها الحامدية ويرأسها إبراهيم حامد سلامة الراضي، والهاشمية ويرأسها مصطفى الطاهر الهاشمي، والفيضية ويرأسها محمود أبو الفيض، والجازولية ويرأسها سالم جابر الجازولي، والجوهرية ويرأسها عيسى عبد الرحيم الجوهري.
وتقول الشاذلية إن أصول طريقتهم تتمثل فى تعاليم خمسة: تقوى الله فى السر والعلانية، واتباع السنة فى الأقوال والأفعال، والإعراض عن الخلق فى الإقبال والإدبار، والرضا عن الله فى القليل والكثير، والرجوع إلى الله تعالى فى السراء والضراء.
ويبلغ عدد منتسبيها مليونين وبضعة آلاف.
الطريقة الدسوقية البرهامية
الدسوقيّة إحدى الطرق الصوفية التى تنتشر بشكل خاص فى مصر، وتسمى أيضا “البرهامية”، وقد تفرعت إلى فروع عديدة، وينتسب الدسوقيون إلى برهان الدين إبراهيم بن أبى المجد المعروف بالدسوقي، وهو عند الصوفية أحد الأقطاب ويزعم أتباعها أنها خاتمة الطرق الصوفية وأكثرها انتشارا فى جميع أرجاء العالم، ولد الدسوقى فى شعبان سنة 633هـ، وتوفى فى مصر سنة 676هـ، وهو كبقية شيوخ الصوفية ينسب نفسه إلى آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم،
يدور منهج هذه المدرسة حول عدة نقاط أهمها: التوبة: يبدأ بها السالك إلى الله، والنية.
مركز الدسوقية فى مصر مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، ومن فروعها فى مصر الشرنوبية وشيخها محمد عبد المجيد الشرنوبي، والسعيدية الشرنوبية وشيخها حمدى إبراهيم الشرنوبي، والشهاوية وشيخها محمد أبو المجد الشهاوي، والمجاهدية وشيخها عبد القادر أحمد مجاهد.
ولم تحدد لنا مصادر الطريقة عددا معينا لأعضائها إلا أنها قالت إنه يتجاوز الخمسين ألفا، أما طريقة الانضمام لها فتتشابه طقوس الانضمام إليها بطقوس الانضمام إلى الطريقة
الطريقة الخلوتية
قيل إنها تُنسب إلى الشيخ محمد بن أحمد الخلوتى الذى نشأ فى بيت المقدس، ولكنه رحل منذ صغره إلى أقطار أخرى كثيرة ليبشر بدعوته، ويُقال إن الخلوتى كان من أتباع الطريقة السهروردية، وأخذ التصوف عن إبراهيم الزاهد، ثم استقل بطريقته، وتفرغ لجمع الأتباع وتعليم المريدين، ولهذا سميت بالخلوتية نسبة إلى مشايخ الطريقة
تذكر مصادر الطريقة أن منهجها هو التطبيق العملى للشرع قولا وعملا وأخلاقا،.
وللطريقة الخلوتية أركان سبعة هي: الحب والامتثال والذكر والفكر والصمت والعزلة ( الخلوة ) والصوم والجوع.
تنتشر فى معظم محافظات مصر ومن فروعها «السمانية» و«الضيفية» و«الغنيمية» و«السباعية» و«الحدادية» و«الحبيبية» و«المروانية» و«المسلمية» و«المصيلحية» و«الصاوية» و«الهاشمية» و«القصبية». و”الشبراوية” و”المحمدية” “والجنيدية” و”العمرانية” و”القبيسية” و”المغازية” و”الهراوية الحفنية” و”المروانية” و”الصاوية” و”العلوانية” و”الدومية “ و”القاياتية” و”البكرية” و”الجودية” و”البهوتية “ و”الدمرداشية”.:
تشبه طقوس الانضمام إلى الطريقة الخلوتية غيرها فى باقى الطرق الصوفية
الطريقة العزمية
أسسها محمد ماضى أبو العزائم، الذى ولد يوم الاثنين 27 رجب 1276 هـ الموافق 2/11/1869 بمسجد زغلول برشيد، لأب حسينى وأم حسنية.
ويقولون عن منهج طريقتهم - كما فى صدر مجلتهم التى يصدرونها تحت عنوان “ الإسلام وطن “: “ دعوتنا أفق أعلى للدعوة الإسلامية، وآية صادقة لهدى السلف الصـالح، ودعوة وسطية، لا تتبع سبيل الخوارج البغاة”.
والعزمية من الطرق حديثة النشأة بدأت بأبى العزائم ( محمد ماضى )، ولا وجود لها قبله بحسب المصادر التى تعدد أصول الطرق وفروعها وبيوتها وتنتشر الطريقة العزمية فى محافظات مصر إلا أن مركز ثقلها الرئيسى فى العاصمة القاهرة بالاضافة الى محافظة البحيرة التى يوجد به مقام ومسجد شيخها السابق عز الدين ماضى أبو العزائم وتقول مصادر الطريقة إن أعضاءها مليون مريد فى مصر وحدها.
والعضوية فى الطريقة مثلها مثل معظم الطرق الصوفية الأخرى يكون بالبيعة لله ورسوله ولشيخ الطريقة العزمية، وتبدأ بالصلاة على النبى والتوبة ثم بالبيعة إلى السيد محمد ماضى أبا العزائم، وذلك فى شخص الخليفة القائم السيد علاء الدين ماضى أبى العزائم.
انتقادات حادة بسبب فوضى المولد والمشايخ يتبرأون منها
وطالت الطرق الصوفية انتقادات نتيجة الفوضى وبعض الممارسات المسيئة التى تشهدها الموالد، مثل الرقص والغناء والكلام الذى يحمل معانى باطلة مشينة، وهو ما يتنافى مع مبادئ الصوفية القائمة على الزهد والورع وعدم المبالغة فى الاحتفالات.
وتبرأ مشايخ الصوفية من هذه التجاوزات، مؤكدين أن مرتكبى هذه الأعمال المخالفة لا ينتمون للصوفية والتصوف، وأن هناك من يحاول إلصاق الاتهام بالصوفية مثل السلفيين، فضلا عن أن إقامة خيام الموالد من اختصاص الأحياء التى تمنح الترخيص مقابل الرسوم وليس الصوفية.
أبرزها صورة المتصوفة المنتشرة عبر الموالد، والتى طالب بتنقيتها بالتعاون مع مختلف أجهزة الدولة.
الصوفية منهج
أما الشيخ عبد الخالق الشبراوى، شيخ الطريقة الشبراوية البرهامية، أوضح أن الصوفية ليست فكرا وإنما منهاج ومذهب من الله ورسوله، وبالتالى احتفالات الصوفية بالموالد هو إحياء لذكرى هؤلاء القدوة وإقامة الأذكار وتلاوة القرآن، ومخالفات الموالد مثل إقامة حلقات الرقص أو البيع والشراء والمقاهى فهؤلاء لا ينتمون للصوفية أو الطرق الصوفية المشهورة، وإنما بعض الناس تذهب للأحياء ويقومون بدفع الرسوم لإقامة خيمة خلال المولد ويتم الموافقة لهم.
وأكد “الشبراوي”، أن الصوفية لهم الساحة والمسجد لإقامة حلقات الذكر والعبادة والمآثر النبوية وحلقات ومجالس العلم لجمع الشمل وبث روح الصوفية، والإسلام الصحيح لبناء الإنسان القويم لوطنه، مؤكدًا أن المشيخة العامة للطرق الصوفية تحدد مجموعة من الضوابط للاحتفال فى الموالد وأى مخالفة من جانب أى طريقة يتم حسابها.
وأضاف، أن الدولة يجب أن تحمى الصوفية التى تضم خمس وزارات، هى الأزهر والأوقاف والداخلية والثقافة والحكم المحلى من حملات التشويه التى يقودها السلفيون والمتشددون للنيل من الطرق الصوفية، خاصة وأن المنهج الصوفى يتلائم مع المتغيرات التى تجرى فى المجتمع لأن صحيح الدين واحد وأساسه الرحمة.