رئيس التحرير
عصام كامل

الشرق الأوسط على شفا حرب شاملة.. محاولة تكرار سيناريو غزة في جنوب لبنان يشعل الصراع.. العدوان الإسرائيلي مستمر.. ولا صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في عهد بايدن

لبنان
لبنان

بين مؤيد ومعارض لحماس تفكك الشارع العربي، هناك من تحامل على المقاومة واعتبرها جرت غزة والمنطقة إلى صراع مفتوح، بينما يرى المؤيدون لطوفان الأقصى ولديهم ما يكفى من المبررات المنطقية، أنها جاءت بعد صبر إستراتيجى للمواطن الفلسطينى الذى يرى كل يوم تدنيس مقدساته بعينه على يد “بن غفير” و”سموتريتش” ومن على شاكلتهما، علاوة على إرهاب المستوطنين بحق السكان الأصليين وأصحاب الحق فى الأرض المحتلة.


مشهد طائرة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، التى حطت فى مطار بن جوريون، صبيحة 18 أكتوبر الماضي، لتقديم التعازى للقاتل، لم يغادر الأذهان، فمنذ حينها استباحت إسرائيل الدم العربى وتغولت على حقوق الجميع، واعتبرت الزيارة الرفيعة بمثابة رخصة وضوء أخضر يمنحها الحق فى القتل والعربدة بجميع أرض العرب.


آلاف الشهداء فى غزة، يفضل عدم ذكرهم بالتدقيق، لقناعتنا بأن العدد سوف يزداد حتى خلال كتابة الحروف وليس الكلمات، فلم يعد هناك رادع يخشاه محتل غاشم، منحته بريطانيا أرضا لا يملكها فى الماضى من خلال رئيس وزرائها، آرثر جيمس بلفور، وتشمله أمريكا برعايتها منذ اعتلاء البيت الأبيض إدارة كوكب الأرض سياسيا وعسكريا.


أنا صهيونى والعرب طيبون


«أنا صهيونى والعرب طيبون».. جملة لخص بها الرئيس الأمريكى بايدن المشهد العبثي، الجزء الأول منها عكس دعمه لليهود فى الخفاء بعيدا عن البيانات والتصريحات الملتوية، والجزء الثانى عبر عن مدى قياس أجهزة الاستخبارات الغربية والعبرية لمدى رد فعل أمة دهسها التاريخ، رد فعلها على القتل لا يتعدى الدعوات إلى الله بالانتقام من قوم «القردة والخنازير»، اتضح جليا عدم إعدادهم ما يكفى من القوة ورباط الخيل، رغم ثرواتهم الطائلة التى منحها لهم الله من تحت الأرجل، واكتفوا باستخراج كنوز الأرض المباركة التى شهدت بداية وسوف تشهد نهاية العالم، لإنفاقها على صناعة الترفيه.


الحديث عن غزة، وما جرى فى الشهور الماضية التى مرت على النفس البشرية عقودا لما تحمله من أهوال، لا تكفى صفحة أو صحيفة كاملة لسردها، لكن النقطة الجوهرية التى تحتاج التوقف عندها ودراستها بعناية هو مستقبل هذا الإقليم الذى وضع على عجلة الحركة السريعة، خاصة مع تطور العدوان الإسرائيلى ونقل مركز ثقل المجازر إلى الجبهة الشمالية، على أمل القضاء على حزب الله اللبناني، وتحويل الضاحية الجنوبية لبيروت إلى غزة جديدة.


حديث الحرب الشاملة، على ما يبدو أنه سوف يتحول من مجرد تحذيرات، وسط أوهام أمريكا خلال الشهور الماضية بالسيطرة على الأوضاع، واشنطن التى ضمنت غياب رد الفعل العربى لما يحدث بالقطاع، ولم يتوقف هاتف بايدن وإدارته عن الاتصالات بالعواصم العربية لضمان ترك القاتل المطلوق بدون ضوابط بدون عقاب أو حساب، وعولت على سياسة من تحت الطاولة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتثنيها عن الرد على اغتيال (الشهيد) إسماعيل هنية، قائد حماس، فوق أراضيها، ظنت أنها تملك أوراق اللعبة، حتى رد طهران السابق على استهداف قنصليتها فى سوريا، رسمته على طريقة أفلام هوليوود، لم ينطلِ على طفل عربى أو يقتنع به.


السيطرة الأمريكية المزعومة، وتصريحات إدارة بايدن اليومية، التى تجرى على لسان وزير خارجيته أنتونى بليكين، ومتحدثى البيت الأبيض، حول اقتراب عقد الصفقة، تبخرت الأسبوع الماضى، وظهر جليا فقدان الولايات المتحدة زمام الأمور وانفلاتها بدون ضوابط.


لا صفقة فى عهد بايدن


ما كان مشكوكا فى أمرها حول عجز الرئيس الأمريكى (العجوز) عن ممارسة ضغوطات على «بيبى العالم» نتنياهو، بات أمرا واقعا، وحسمه مسئولو رفيعو المستوى، استبعدوا بشكل كامل  إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة بين إسرائيل وحماس قبل نهاية ولايته فى يناير 2025.


حسم موقف الصفقة، جاء على لسان مسؤولين رفيعى المستوى فى البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع «البنتاغون» تحدثوا لصحيفة «وول سترييت جورنال» التى لم تكشف بدورها عنهم حسب قولهم، إنه لا تزال هناك فجوات تتعلق بالوجود الإسرائيلى فى محور فيلادلفيا على حدود مصر، وتفاصيل إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل.


محور فيلادلفيا


سيناريوهات الحرب الشاملة، وفق دوائر أمريكية وإن كانت لا تتحدث للإعلام، وإن كانت القاهرة نفسها كدولة تعلم دورها الإقليمى، وتمارس سياسة رشيدة، لكن فى نهاية المطاف تبقى تلك المنطقة -فيلادلفيا- من المسببات الكافية للحرب الإقليمية الشاملة، وتجلت صورة ممارسة مصر أقصى درجات ضبط النفس، أمام مناكفات نتنياهو حول المحور، صدرت بيانات عدة عن «مصدر رفيع» تدق جرس الإنذار من الخطر فى أذن حكومة نتنياهو حول عدم سماحها بتمرير المخططات المرسومة فى الموساد والشاباك.


ومطلع أغسطس الماضى، أثناء لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، لوزير خارجية تركيا هاكان فيدان، مرر الرئيس رسالة تحذير دبلوماسية حول خطورة الأوضاع فى الشرق الأوسط، لترتقى التحذيرات المصرية من المصدر إلى المطلع إلى رأس الدولة شخصيا.


وقتها أكد السيسي، أن الشرق الأوسط يمر بمنعطف شديد الدقة والخطورة، بما يستوجب أعلى درجات ضبط النفس وإعلاء صوت التعقل والحكمة.


قناعة واشنطن بالسيطرة على مجريات، وتورطها فى رسم سيناريوهات حول بقاء إسرائيل على محور فيلادلفيا بـ«خطة أبراج المراقبة» جلعها تتناسى أن الحرب الإقليمية الشاملة مرهونة بطلقة تصدر من جيش نظامى فى الإقليم، حينها سوف تندفع دول أخرى لاستغلال الفرصة والانتقام التاريخى من أحفاد «هرتزل».


الضغط على إيران


يعد الجيش الإيراني، على قائمة جيوش محتمل تحركها، فى حال خروج الطلقة الأولى النظامية، بعيدا عن مناوشات المقاومة المتواضعة التى تنعتها إسرائيل بـ «الميلشيات» فممارسات الضغوطات على الجمهورية الإسلامية منذ عقود فائتة، وتنفيذ عمليات اغتيال فوق أراضيها، واستهدافها بالاختراقات السيبرانية، واستغلال ملفها النووى لجلعها كـ«قميص عثمان» فى القتل والتدمير، قد يدفعها لرد انتقامى حال استشعرت فتح الجبهات على إسرائيل.


صحيح أن الجيوش الإقليمية بما فيها إيران، تدرك كلفة الحروب وارتباطها باتفاقات دولية تجعها تمارس صبرا استراتيجيا أمام عناد اليمين الإسرائيلي، لكن كتاب التاريخ يدلل على أن محرك الحرب دائما يأتى من مستصغر الشرر، وهناك من المعارك ما اندلع لأتفه الأسباب فما بالنا بتوفر أسباب جوهرية تتعلق بسيادة الدول ومقدراتها الوطنية.


ولدى طهران ما يكفى من أسباب جوهرية قد يدفعها، لإطلاق الصواريخ والمسيرات الواقعية وليست التمثيلية، فهناك فاتورة دم باهظة بين الطرفين ورغم عدم دخولهما فى حرب مباشرة، والتطور الأخير الحادث مع حزب الله اللبناني، كاف لتحركها فى حال اندلاع فوضى الرصاص فى الإقليم.


سوريا قنبلة موقوتة


مع صلف حكومة إسرائيل، واعتياد طيرانه الحربى الفسحة فى أجواء سوريا دون رادع، تملك نتنياهو وجيشه قناعة حول تحييد جبهة عسكرية كلفت كيانه الكثير فى حرب أكتوبر 1973، صحيح أن الظرف السياسى الداخلى منذ 2011 معقد، وانهكت الدولة فى حروب داخلية مع ميلشيات وتنظيمات إرهابية، الأمر الذى بث الطمأنينة فى قلوب الإسرائيليين تجاه تلك الجبهة، لكن الحرب الشاملة ستكون محركا ومشجعا لفعل الكثير، على الأقل من خلال إطلاق العنان لعناصر إيران وحزب الله المتواجدين بالداخل السورى وجعل المنطقة جغرافيا نقطة إرباك للعدو.


صراع البحر الأحمر


خلال الشهور الماضية، وعلى الرغم من  تواضع التسليح الواقع بحوزة جماعة أنصار الله (الحوثي) اليمنية، اعترفت إسرائيل والعالم بتأثير عملياتها فى البحر الأحمر، وكبدت اقتصاد تل أبيب خسائر جمة، نتيجة شلل حركة التجارة منها وإليها.


التصعيد الإسرائيلى على الجبهة الشمالية مع حزب الله، من المؤكد أنه سيكون محفز أكبر لزيادة الاستهدافات من اليمن للممر الملاحى -البحر الأحمر- وإطلاق المزيد من الصواريخ الباليستية والمسيرات التى باتت تصل إلى حيفا وإيلات وتل أبيب.


ومن المؤكد أنه مع حدوث سيناريوهات تصعيدية فى الإقليم، أو انخراط أحد الجيوش النظامية فى المعركة، لم تفوت الجماعة اليمينة الفرصة للانخراط فى القتال عن بعد بكل ما أوتيت من قوة، سواء بدوافع قومية كجزء من أمة يشاهدون منذ عام مشاهد المجازر بحق الأطفال والنساء والشيوخ، أوحتى بدافع عقائدى كمكون من مذهب شيعى يتعرض أحد أضلاعه حاليا لعدوان غاشم من نفس القاتل، يكرر معه نفس الخطاب الدموى الذى يردده منذ نحو عام تجاه شعب غزة الأعزل.


مؤامرة التهجير للأردن


صحيح أن العاهل الأردنى الثاني، الملك عبد الله الثاني، منذ اعتلائه عرش المملكة، جنب بلاده الدخول فى ويلات ويحافظ على اتفاقات عمان للسلام مع الاحتلال بهدف فرض الاستقرار، لكنه بالرغم من دبلوماسيته الهادئة لم يسلم من مخططات واستفزازات الاحتلال، بداية من تخطيط نتنياهو والرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، لنزع الوصاية الهاشمية على المقدسات فى القدس، وترتيب انقلاب حكم داخلى بهدف التخلص منه.


وحاليا كشف الوجوه حول خطة تستهدف تهجير سكان الضفة الغربية إلى الأراضى الأردنية، على غرار ما رتب تجاه سيناء المصرية لتفريغ سكان قطاع غزة وتصفية القضية الفلسطينية برمتها.


تراكم الأحداث الإسرائيلية تجاه المملكة، والاصرار على جرها من منطقة السلام إلى جبهة الخصوم، يجعل منها نقطة ساخنة مفتوحة على كافة السيناريوهات أمام وضع متآزم يدفع الجميع تجاه الحرب بدون حسابات.


تربص المعسكر الشرقى


إلى هنا ومع رصد الدول الواقعة فى خطوط التماس مع الاحتلال الإسرائيلي، لم نتحدث عن روسيا والصين، وقناعة الدولتين بأن التقرب من الشرق، مفتاحه دعم بلدانه ضد واشنطن وتل أبيب، حتى وإن كانت جيوش هذه الدول سوف تلتزم الحياد، لكن فى الحروب الدعم اللوجيستى والسياسى من الفناء الخلفى للمعارك يعوض استهلاك الرصاص على الجبهات.


خاصة أن الذاكرة العربية باتت مشحونة بتصريحات أمريكا والغرب الاستفزازية، حول حماية كيان زرع فى قلب الإقليم بالقوة الجبرية، واستغل حال دوله لينصب نفسه حاميا للشرق ويدعو من يخشى على مصالحه من قادته لالتزام الصمت والتحالف معه فى الحرب على حماس وأخواتها.

الجريدة الرسمية