رئيس التحرير
عصام كامل

الحكومة تسقط فى اختبار الدواء، نقص الإنسولين يهدد حياة 8 ملايين مريض سكر فى مصر.. طوابير أمام صيدلية الإسعاف، والاحتكار ينذر بكارثة

الأنسولين
الأنسولين

بين تصريحات حكومية عن انفراجة جزئية وحل نهائى قريب، وبين واقع مرير مغاير لهذه التصريحات، تفاقمت أزمة نقص الأدوية فى الصيدليات، وهى الأزمة المستمرة منذ أكثر من عام وازدادت على وقع تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار قبل عدة أشهر أو ما يطلق عليه «التعويم».

وبالرغم من وصول أزمة نقص الدواء واختفاء بعضها إلى أدوية شديدة الأهمية مثل أدوية السكر والقلب إلا أن الحكومة لم تستطع حل الأزمة حتى الآن، بل إن الطوابير أمام صيدليات الإسعاف وشكاوى المرضى من رحلة المعاناة والعذاب فى محاولة للحصول على الدواء كاشفة، وذلك فى الوقت الذى أكد فيه رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى  أن الحكومة بذلت جهودًا حثيثة خلال الأشهر الماضية من أجل إتاحة الأدوية عبر تيسير الإفراج الجمركى عن هذه الأدوية وكذا الإفراج عن المواد الخام اللازمة لعملية التصنيع، وهو ما أسهم فى تلبية احتياجات السوق من الأدوية.

أطلقت الحكومة ممثلة فى وزارة الصحة وعودا فى نوفمبر 2023 بحل الأزمة من خلال تفعيل لجنة مختصة بأولويات استيراد الشحنات والمستلزمات الطبية وتكررت الوعود مع تفاقم الأزمة خلال الشهور الأخيرة، ولم تفلح زيادة أسعار الدواء بشكل كبير فى حلها، وبدا واضحا أن حجم الإنجاز الحكومى فى هذا الملف الحيوى يتضاءل أمام صرخات المرضى وشكاوى المواطنين وطوابير تبحث عن علاج.

ما هى أسباب هذه الأزمة؟ ومن المسئول عنها؟.. ولما لم تنحج الحكومة حتى الآن فى وضع حد وحل لها بشكل جاد؟.. أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات فى سياق هذا الملف الذى ترصد فيه «فيتو» كافة أبعاد الأزمة من خلال أطرافها سواء المرضى أو هيئة الدواء أو البرلمان، فإلى التفاصيل:

 

الأنسولين من الأدوية المهمة والحيوية لمرضى السكر البالغ عددهم فى مصر أكثر من 8 ملايين مريض، وبدون هذا الدوء تتحوّل حياة كل هؤلاء إلى جحيم، ناهيك عن المضاعفات وخطورتها.

وتعرضت سوق الدواء المصرى خلال الشهور الأخيرة لنقص حاد فى أنواع الأنسولين، خاصة المستورد، ما أدى إلى أزمة كبيرة حاول المسئولون حلها بالإعلان مؤخرًا عن ضخ كميات جديدة من الأنسولين للتخفيف عن آلاف المرضى.

وفى هذا السياق، قال الدكتور خليفة محمود، أستاذ أمراض الباطنة والسكر بكلية طب جامعة الإسكندرية: إن الأنسولين تم توفيره لكن الكميات غير كافية للسوق، ومعظم الموجود حاليًا مستورد،وذلك لأن المصانع لم تطرح إنتاجها الجديد حتى الآن، وما تم ضخه كان متواجدا فى المخازن أو تم الإفراج عنه من الخارج.

وأوضح “خليفة”، أن الفرق الوحيد بين الأنسولين المصرى والمستورد هو أن الشركات المصرية لا تنتج جميع الأنواع، ونصف المرضى المصريين يستخدمون النوع المستورد الذى تقوم الحكومة بدعمه، مضيفًا أن المهم حل المشكلة فى أسرع وقت، فسعر الأنسولين الموجود فى السوق مرتفع، ولا يستطيع مرضى السكر تحملها بشكل يومى، وفى نفس الوقت لا يمكن لهم الاستغناء مطلقًا عن الدواء ولا حتى ليوم واحد.

واتفق مع تلك الرؤية “حازم عشماوي” أستاذ السكر والغدد الصماء بكلية الطب جامعة الزقازيق، مؤكدًا أن نقص الأنسولين فى الأسواق مازال مستمرا، والضخ قاصر على الصيدليات الحكومية مثل صيدلية الإسعاف التى يقف أمامها طوابير طويلة، ويكون الصرف بالرقم القومى والروشتة الطبية، وهذا دليل أن المتوفر محدود للغاية.

وتابع: إن أنواع الأنسولين الموجودة فى الأسواق حاليًا، والتى كانت موجودة حتى فى ذروة الأزمة، وهى التى تعرف بأقلام الأنسولين، أسعارها مرتفعة للغاية، ولا يستطيع  معظم مرضى السكر فى مصر تحمل شرائها يوميًا، ويوجد من الأنسولين نوعان أحدهم التقليدى أو المخلوط الموجود منذ زمن طويل، وهذا هو النوع الذى يستخدمه معظم المرضي، والذى يوجد به نقص كبير فى الفترات الأخيرة، ويوجد كذلك أنواع مستحدثة مرتفعة الثمن.

وشدد “عشماوي” أن مريض السكر لا يستطيع الاستغناء عن الأنسولين بأى شكل أو فى أى حالة، ولا ننسى أن من ضمن هؤلاء المرضى أطفالا ورضع وكبار السن، لا يستطيعون الحياة يوما واحدا فقط بدون أنسولين، وبالتحديد النوع الأول من مرضى السكرى الذى يعد الأنسولين جزءا من حياتهم، بالإضافة إلى السيدات الحوامل من النوع الثاني، فهؤلاء المرضى لا تأتى أقراص الدواء معهم بنتيجة، على عكس مرضى النوع الثانى غير الحوامل الذين تحدث عندهم اضطراب فى السكر ولكنهم يستطيعون الحياة بدون الأنسولين.

واضاف، أن سبب الأزمة يكمن فى عدم إنتاج المصانع للكميات الكافية من الأنسولين، وذلك نتيجة نقص المواد الخام التى يتم استيرادها من الخارج، هذا بالإضافة إلى مشكلة التسعيرة، حيث بدأت هيئة الدواء المصرية بالسماح بتحريك الأسعار، ولكن المعضلة هى أن هيئة الأدوية تقرر هذا التحريك لشركة بعينها أو على حدة وليس بشكل عام، ما يسبب تعطل الشركات التى لم ترفع أسعارها بعد وتتوقف عن الانتاج مما يزيد من الأزمة.

بدورها، قالت إيناس شلتوت، أستاذ أمراض السكر بكلية الطب فى قصر العيني: إنه من المبكر قول إن هناك انفراجة فى أزمة الأنسولين، موضحة تأييد فكرة التعامل بالرقم القومى والروشتة التى تطبقها صيدلية الإسعاف حاليًا، وذلك لتجنب السوق السوداء، فهذه هى الطريقة التى تتعامل بها الدول بالخارج وفى الخليج، ولكن هنا بمصر يقوم أى شخص بشراء الكميات التى يرغب بها والذى بالطبع يؤدى إلى حدوث النقص.

وأضافت ان المشكلة التى تواجه مرضى السكر حاليًا بجانب النقص هو توافر الدواء فى مكان واحد فقط وهو صيدلية الإسعاف بمنطقة وسط البلد، ما يمثل عبئا على مريض السكر الذى لا يستطيع تحمل الزحام والطوابير، وهذا لأن مريض السكر فى معظم الأحيان يعانى من ضغط وقلب وجلطات وقدم سكري، فليس من المعقول أن أجبره على الوقوف وتكبد كل هذه المعاناة من أجل الحصول على الدواء.

بينما قال الدكتور محفوظ رمزي، رئيس لجنة التصنيع بنقابة الصيادلة: إن ضخ الأنسولين فى السوق بدأ بالفعل عن طريق بعض شركات التوزيع، ولكن بشكل محدود، ويرجع هذا لأن شركة التوزيع تقوم بنظام يعرف بـ”الكوتة” حيث تقوم بطرح عبوة أو اثنتين من الأنسولين كل أسبوع للصيدلية الواحدة، وذلك لضمان استمرار التعامل مع الصيدلية استغلالًا للأزمة، والذى ينافى كل معايير الإنسانية، خاصة أن استهلاك مصر الشهرى من الأنسولين يصل لأكثر من 500 أو 600 ألف علبة.

وأوضح أن كمية من الأنسولين بدأت تطرح بالصيدليات الصغيرة بشكل عام، ولكن السيطرة الأكبر تكون للصيدليات الكبيرة التى يتم إمدادها بكميات كبيرة، والمشكلة الرئيسية هى استغلال بعض مخازن الأدوية للأزمة، فيتم طرح الأدوية بلا خصومات، بالإضافة إلى ما يعرف بنظام التحميل الذى تقوم بعض شركات التوزيع بتطبيقه، مثل “فى مقابل أن يعطى الصيدلى عبوة واحدة من الأنسولين أو الأدوية الأخرى التى يوجد بها عجز يجب عليه شراء طلبية بسعر معين”.

وأكد الدكتور محفوظ أن مشكلة الأنسولين سوف تحل فى غضون شهرين، وهذا لأن هذه هى الفترة التى تستغرقها دائرة التصنيع وحتى الوصول إلى الصيدلية، مضيفًا أن المصانع بدأت بالفعل فى الإنتاج، لذلك فى نهاية العام ستكون هذه الأزمة بدأت تنفرج بشكل نهائي، بجانب ضخ بعض أنواع الأنسولين إلى السوق من الموردين فى الخارج التى تم الإفراج عنها، حيث تم توريد أكثر من 900 ألف عبوة لشركات التوزيع، ولكن تحتفظ هذه الشركات بجزء منها، وتقوم بتوزيع جزء آخر للحفاظ على استمرار التوزيع مع الصيدليات.

الجريدة الرسمية