الحكومة تسقط فى اختبار الدواء.. نقص واختفاء وغلاء الأدوية مستمر رغم الوعود المتكررة بحل الأزمة.. صيادلة يكشفون الحقيقة.. واستمرار زيادة الأسعار حتى نهاية العام
بين تصريحات حكومية عن انفراجة جزئية وحل نهائى قريب، وبين واقع مرير مغاير لهذه التصريحات، تفاقمت أزمة نقص الأدوية فى الصيدليات، وهى الأزمة المستمرة منذ أكثر من عام وازدادت على وقع تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار قبل عدة أشهر أو ما يطلق عليه «التعويم».
وبالرغم من وصول أزمة نقص الدواء واختفاء بعضها إلى أدوية شديدة الأهمية مثل أدوية السكر والقلب إلا أن الحكومة لم تستطع حل الأزمة حتى الآن، بل إن الطوابير أمام صيدليات الإسعاف وشكاوى المرضى من رحلة المعاناة والعذاب فى محاولة للحصول على الدواء كاشفة، وذلك فى الوقت الذى أكد فيه رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى أن الحكومة بذلت جهودًا حثيثة خلال الأشهر الماضية من أجل إتاحة الأدوية عبر تيسير الإفراج الجمركى عن هذه الأدوية وكذا الإفراج عن المواد الخام اللازمة لعملية التصنيع، وهو ما أسهم فى تلبية احتياجات السوق من الأدوية.
أطلقت الحكومة ممثلة فى وزارة الصحة وعودا فى نوفمبر 2023 بحل الأزمة من خلال تفعيل لجنة مختصة بأولويات استيراد الشحنات والمستلزمات الطبية وتكررت الوعود مع تفاقم الأزمة خلال الشهور الأخيرة، ولم تفلح زيادة أسعار الدواء بشكل كبير فى حلها، وبدا واضحا أن حجم الإنجاز الحكومى فى هذا الملف الحيوى يتضاءل أمام صرخات المرضى وشكاوى المواطنين وطوابير تبحث عن علاج.
ما هى أسباب هذه الأزمة؟ ومن المسئول عنها؟.. ولما لم تنجح الحكومة حتى الآن فى وضع حد وحل لها بشكل جاد؟.. أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات فى سياق هذا الملف الذى ترصد فيه «فيتو» كافة أبعاد الأزمة من خلال أطرافها سواء المرضى أو هيئة الدواء أو البرلمان، فإلى التفاصيل:
هل شهد السوق المصرى انفراجة فى توفير الدواء، وهل توفرت جميع الأدوية، هل نجحت هيئة الدواء المصرية فى القضاء على الأزمة، تساؤلات طرحتها فيتو على خبراء سوق الدواء للكشف عن الحقيقة.
فى هذا السياق قال الصيدلى ربيع الدندراوى، عضو مجلس نقابة الصيادلة، إن الكميات التى تم الإفراج عنها من الأدوية لا تكفى الـ80 ألف صيدلية الموجودين بمصر، موضحًا أن شركات الأدوية خدعت هيئة الدواء المصرية، حيث قامت برفع الأسعار، ولكن لم يتم طرح البضائع، لأن الأدوية التى يتم توفرها بالصيدليات حاليًا بتواريخ إنتاج عام 2023، والذى يدل على أنها كانت موجودة بالفعل فى مخازن المصانع ومغلق عليها الأبواب بدون أن ترى النور أو تصل للمرضي، وعند تطبيق السعر الجديد قاموا بطباعته على العبوات وضخه للسوق.
وأكد “الدندراوي” أنه بالرغم من هذه اللعبة من المصانع وعدم تكبدهم أى تكاليف جديدة فى ما يخص الإنتاج، إلا أن ما تم طرحه فى الأسواق تعد كميات قليلة للغاية، ما يعنى أن المرضى سينتظرون حتى تتم عملية صناعة الدواء من جديد، من شراء المواد الخام من الخارج والصناعة والإنتاج، مضيفًا أنه لا يوجد حاليًا عدد كبير من الأدوية الحيوية مثل المضادات الحيوية أو تلك المستخدمة فى علاج البرد، وذلك برغم ارتفاع أسعارها فقد وصل احد أدوية البرد لـ 210 جنيهات بعد أن كان بـ49 جنيها، هذا بالإضافة لأدوية الضغط التى يوجد بها نقص، فبرغم ضخها بالصيدليات إلا أن المريض يدخل إلى عدد من الصيدليات حتى يجد علبة واحدة.
وأضاف أن إحدى المشكلات الكبرى فى معضلة نقص الدواء هى حلقة الوصل الموجودة بين شركات الدواء والصيدليات هى شركات التوزيع والتى تقوم بتخزين الدواء فى مخازنها الخاصة، ويبدأ يفرج عنها بطرح شروطه الخاصة فيقول للصيدلى إذا أردت صنف معين سيكون بخصم 2% أو 3% وذلك فى حين أنه فى الماضى كانت تصل الخصومات إلى 25% و30%، والذى يجعل العديد من الصيادلة يمتنعون عن شراء بعض الأصناف لعدم تحقيق ربح بمثل هذه الخصومات.
وأوضح أن بعض الأدوية مثل الأنسولين المستورد مقتصر على صيدلية الإسعاف فقط، بينما النوع المصرى بدأ يتم طرحه بشكل طبيعى بالصيدليات المختلفة، ولكن بالسعر الجديد، وحاليًا فى انتظار زيادة سعر النوع المستورد كذلك، مؤكدًا أنه من حيث الكفاءة أو التركيبة لا يوجد فرق بين المصرى والمستورد، وإذا استمرت الأسعار فى الارتفاع فمن المؤكد أنه ستغلق عدد خطوط الإنتاج التى لن تتمكن من تحمل هذه الأعباء وبالتالى زيادة الأزمة لوضع لا يمكن احتماله.
فى نفس السياق، قال ياسر خاطر، مدير ملف الدواء والصيدليات بالمركز المصرى للحق فى الدواء، إن هناك انفراجة جزئية بالفترة السابقة نتيجة الإفراج الجمركى عن المواد الخام وعدد كبير من الأدوية المستوردة، وبرغم ذلك ما زال السوق يعاني، وهذا بسبب النقص فى عدد كبير من الأدوية، وكذلك نشأة ظاهرة غريبة وهى أن النقص يكون فى مجموعات كاملة من الأدوية.
وتابع بأن المريض فى الوقت الحالى لا يستطيع العثور على مجموعة المضادات الحيوية، سواء كريم أو أقراص، وهو ما لم يشهده السوق المصرى من قبل، بالإضافة لمجموعة الضغط كلها بشكل كامل، فمادة “Vonoprazan” التى تنتجها أكثر من ثلاث شركات مع ذلك ناقصة من الصيدليات.
وأوضح الدكتور ياسر أن مجموعات الدواء تعنى أن صندوق ترخيص الدواء يحتوى على الدواء الرئيسي، بالإضافة إلى 12 مثيلا له، وفى الأزمات السابقة كان يحدث النقص فى نوع أو اثنين، فيتبقى 10 أدوية أخرى يستطيع المريض أن يتناولها كبديل، ولكن الآن يحدث النقص فى المجموعة كلها، فلا يجده المواطن بكل الشركات التى تقوم بتصنيعه، لا الدواء الأصلى أو بدائله.
وأضاف، السبب خلف هذه الظاهرة قد يرجع لاتفاقات ضمنية بين شركات الأدوية غايتها الإخلال بهامش ربح الصيادلة والتآمر على سوق الدواء المصرى وتوجيهه إلى اتجاه معين، وذلك لإحداث مزيد من الضغط لتحقيق مكاسب أكثر، فالأنسولين لم يتوفر والطوابير التى تمتد للكيلومترات أمام صيدلية الإسعاف تشهد على ذلك، وإذا توفر يتم صرف عبوة أو اثنين لكل مريض بروشتة ومعاناة كبيرة جدًا والذى يعد غير أدمى وغير منطقى بالمرة أن يتعرض له مريض السكر.
وتابع مدير ملف الدواء والصيدليات بالمركز المصرى للحق فى الدواء، أن جزء من الأزمة سببها سوء تصرف هيئة الدواء المصرية، فمن المفترض أن يتم توزيع الأنسولين على الصيدليات الأهلية تخفيفًا على المرضى، ولكن يتم تكديس وتخزين الأدوية والاكتفاء بصيدلية واحدة فقط وهى صيدلية الإسعاف بوسط البلد.
وأكمل، هذا بالإضافة لعدم اتخاذ قرار زيادة أسعار الأدوية بالتزامن مع زيادة سعر الدولار فى شهر فبراير الماضى دفعة واحدة مع وضع اشتراطات لإعادة إنتاج الأدوية مرة أخرى وضخ المزيد منها بالسوق، حيث تم رفع سعر الدولار من 32 إلى 48 جنيها، مؤكدًا أن اعتماد الزيادة على 6 أشهر كما فعلت هيئة الدواء لم يكن له أى مردود بالسوق سوى زيادة الأزمة وزيادة مدة معاناة المرضى، حيث تم خلق فجوة بين الأدوية التى ارتفعت أسعارها والأخرى التى تنتظر الزيادة، وهذا ما سبب الأزمة حتى الآن، أما الأدوية التى لم ترتفع أسعارها حينها توقفت أو خفضت المصانع إنتاجها برغم كونها أدوية حيوية.
واستبعد الدكتور ياسر، أن احتكار صيدلية الإسعاف للنواقص يعود للخوف من السوق السوداء، مؤكدًا أنه توجد أدوية أغلى بكثير من الإنسولين وتعد حيوية كذلك ليستهدفها تجار هذه الأسواق، هذا بالإضافة لأن كل صيدلية تمتلك فى الغالب 5 عبوات فقط من هذه الأدوية بسبب نقصها فى السوق فلن يستطيع هؤلاء الأشخاص الاستفادة منها أو اكتنازها للإتجار بها لاحقًا، لذلك فلا يوجد مبرر لاحتكار الإسعاف للنواقص.
وأضاف أن الهيئة تقوم كل أسبوع برفع أسعار 5 أصناف لكل شركة، والذى يجعل سوق الدواء فى حالة من عدم استقرار الأسعار المستمرة حيث يرتفع ما لا يقل عن 300 إلى 400 صنف كل اسبوع، لذلك فإن زيادة أسعار الأدوية بشكل عام مستمرة ولن تقف.