كورسك تقلب الموازين وتهدد بحرب عالمية ثالثة.. أوكرانيا تنفذ عملية انتحارية داخل الأراضى الروسية.. وبوتين يتوعد بالرد.. الناتو يدعم كييف بمعلومات استخباراتية.. والنووى الروسى غير مستبعد
أول هجوم داخل الأراضى الروسية منذ الحرب العالمية الثانية، هكذا وصفت الصحف العالمية التوغل المباغت الذى نفذته القوات الأوكرانية داخل منطقة كورسك الحدودية، ما شكّل صدمة لموسكو التى انشغلت خلال الأشهر الأخيرة بالتقدم داخل الأراضى الأوكرانية على أكثر من جِهة.
لكن فى ظل الدعم العسكرى الكبير الذى قدمته الولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو لأوكرانيا، أطلقت أوكرانيا خلال الأيام القليلة الماضية عملية واسعة النطاق غير مسبوقة فى منطقة كورسك الحدودية الروسية، سمحت لقواتها بالتوغل، حتى عمق 35 كيلومترًا على الأقل، والسيطرة على نحو 80 بلدة وقرية روسية بمساحة إجمالية تزيد على 1000 كيلومتر.
وتدفقت القوات الأوكرانية إلى منطقة كورسك من اتجاهات عدة، وسرعان ما اجتاحت عددا قليلا من نقاط التفتيش والتحصينات الميدانية التى يحرسها حرس الحدود الروس المسلحون تسليحا خفيفا.
وتخطّت القوات الأوكرانية كذلك وحدات المشاة الروسية على حدود المنطقة الروسية التى يبلغ طولها 245 كيلومترا مع أوكرانيا.
وما زال الهدف النهائى من عملية كورسك غير واضح تمامًا، رغم الخطوات الأوكرانية على الأرض، بما فى ذلك الحديث عن إعلان منطقة عسكرية وفتح ممرات إنسانية لخروج المدنيين، أو الخطة التى تكلمت عن إنشاء منطقة عازلة فى كورسك لتخفيف الضغط المدفعى والصاروخى الروسى على المناطق الأوكرانية المحاذية للحدود.
وبفضل الدعم الكبير الذى حصلت عليه أوكرانيا من دول الناتو نجحت قواتها فى تحقيق تقدم سريع فى كورسك تحقَّق وساعد على ذلك معدات حرب إلكترونية قطعت الاتصالات الروسية، وسمحت بتقدم سريع للآليات داخل المناطق الروسية، مدعومة بهجمات من الطائرات المسيرة وحماية الدفاع الجوي.
واستهدفت أوكرانيا من وراء هجومها عدة رسائل، أولها تغيير مقولة “ الانتصار الروسى المؤلم ولكن المحتوم” والتى بدأت تأخذ رواجا كبيرا فى الغرب ودول الناتو، فنفذت عملية كورسك لتقلب موازين القوى، وتضع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أمام إحراج غير مسبوق منذ اندلاع الحرب قبل ثلاثين شهرًا.
كما استهدفت كييف توجيه ضربة موجعة لبوتين، حين سلطت الضوء على فشله فى حماية أراضى روسيا وحطّمت رواية القيصر فى أن موسكو غير متأثرة بالأعمال الحربية على الجبهات البعيدة، كذلك أراد زيلينسكى إرسال رسالة قوية إلى الغرب مفادها أن الجيش الأوكرانى يمكن أن ينتزع زمام المبادرة ويلحق هزيمة ولو محدودة بالجيش الروسي، وهذه رسالة مهمة بشكل خاص قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وفى إطار السجالات الغربية المتزايدة حول آفاق دعم أوكرانيا وتداعيات الحرب المتواصلة على البلدان الأوروبية.
بدورها، أوضحت نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمتخصصة فى الشأن الروسي، أن عملية كورسك يمكن أن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة بين روسيا ودول الناتو خاصة أن هذه العملية تعتبر استهدافا مباشرا للأراضى الروسية وهذا تطور غير مسبوق منذ بداية الحرب.
وأضافت، أن هناك بؤرتين فى العالم من الممكن أن يتحولا إلى حرب عالمية ثالثة لأنهما يمثلان نقطتى تصادم قويتين بين الدول العظمى، وهما أوكرانيا وتايوان، وتعتبر عملية كورسك خطيرة بسبب الدعم القوى من أمريكا والناتو، خاصة الدعم الاستخباراتى لاختراق العمق الروسي، وهو ما تعتبره موسكو اعتداء مباشرا على أراضيها من قبل الغرب، الأمر الذى سيصعد من حدة الصدام.
وتابعت “نورهان”، هناك احتمال أن تلجأ أوكرانيا إلى استخدام قنبلة نووية داخل الأراضى الروسية لضرب الجنود الروس خلال الهجوم المضاد لاستعادة مدينة كورسك، وروسيا حذرة جدا فى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية لأنها تعلم جيدا مدى الآثار المدمرة لاستخدام هذه الأسلحة، خاصة فى حال استخدامها ضد أهداف مدنية فى كييف، ولكن القوات الروسية نجحت فى أحتواء الهجوم الأوكرانى على كورسك ومنع تقدمه فى مناطق أخرى، ومنعه من السيطرة على محطة كورسك النووية.
وأكملت، بعد نجاح القوات الروسية فى إيقاف التقدم الأوكراني، بدأت تتجهز لهجوم مضاد لتصفية القوات الأوكرانية التى دخلت كورسك، وسيكون هناك رد روسى قاس لكن على المدن الأوكرانية وليس ضد دول الناتو، وذلك لمنع نشوب حرب عالمية ثالثة.
ولكن هناك أساليب أخرى ستلجأ لها روسيا للرد على الغرب، والحديث ما زال لأستاذة العلوم السياسية التى أشارت إلى احتمالية استهدف روسى سيبرانى للشركات والوزارات والمطارات والبنية التحتية فى دول الناتو، والتى من شأنها تسبب خسائر مادية كبيرة لهذه الدول.
واختتمت نورهان الشيخ حديثها: ”إن هذه العملية تأتى دعما لموقف كامالا هاريس فى الانتخابات الأمريكية وإثبات أن الدعم العسكرى الذى أرسلته واشنطن لأوكرانيا حقق نتائج على الأرض”.
فى السياق ذاته قال سفير مصر السابق بروسيا، عزت سعد، إن أوكرانيا حققت تقدما لحظيا أو إعلاميا فى عملية كورسك ولا يمكن وصف هذه العملية بأنها اختراق عسكري، وذلك لأنها تعرضت فيما بعد لكارثة كبرى وانتكاسة وخسرت عددا كبيرا من الجنود والآليات وهى عملية أشبه بالانتحار.
وأوضح، أن كورسك لن تؤثر على مسار العمليات الروسية فى أوكرانيا، والدليل أن موسكو لم تسحب قواتها المتواجدة فى محاور القتال بأوكرانيا أو حتى تبطئ وتيرة عملياتها فى الدونباس، وليس بالضرورة أن تؤدى عملية كورسك وتدخل دول الناتو فى العملية إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة بين روسيا والغرب.
وهناك تقديرات تقول إنها عملية رمزية ومن السهل التغلب عليها وتصفية القوات الأوكرانية المتواجدة هناك، وهذه العملية تؤكد أن هناك انخراطا واضحا فى النشاط العسكرى الأوكرانى ضد روسيا، والروس مدركون لهذا منذ البداية ويتعاملون مع هذا الموقف من خلال ضرب المساعدات العسكرية التى يرسلها الغرب لكييف.
واختتم عزت سعد حديثه: “إن أعداد الجنود والمعدات التى أدخلتها أوكرانيا إلى كورسك ضعيفة، ولكن منذ اليوم الأول لهذه الحرب كان ولا يزال هناك دعم معلوماتى واستخباراتى كبير من الغرب لكييف”.
وفى سياق متصل، قال نصر سالم الخبير العسكرى والمحلل الاستراتيجي، إن القوات الأوكرانية تهدف لنقل الحرب إلى الأراضى الروسية من خلال عملية كورسك، وهذه العملية ليست سهلة بالنسبة لأوكرانيا، كما أن موسكو قادرة على تصفيتها فى الضربة المضادة.
وأوضح، أن حلف الناتو يدفع بأوكرانيا إلى المواجهة مع روسيا بغض النظر عن تحقيق نصر أو لا، ولكن الحلف يريد إنهاك الروس فى حروب مفتوحة وإبعادهم عن التدخل فى بؤر أخرى فى العالم مثل الشرق الأوسط أو حتى إفريقيا لتبقى الهيمنة أمريكية غربية.
وتابع، أن روسيا تستعد لهجوم مضاد، من خلال ضرب مناطق داخل أوكرانيا تجبر كييف على الانسحاب، أو من خلال هجوم أرضى كبير بالمدرعات والدبابات وحرمان أوكرانيا من غطائها الجوى الأمر الذى يجعل قوات كييف صيدا سهلا أمام الجنود الروس.