صالح عبد الحي مطرب الملوك والأمراء.. أحيا المسرح الغنائي.. أبرز أغانيه «ليه يا بنفسج» و«على خده يا ناس 100 وردة».. ورحل فقيرا لا يجد قوت يومه
صالح عبد الحى، من أشهر الوجوه الغنائية فى القرن العشرين، سمى بفارس الغناء التقليدي لتمسكه بثوابت المدرسة القديمة فى الغناء البعيدة عن التأثر بالغرب ، قدم جميع ألوان الطرب الطقطوقة والـموشح والقصيدة والـموال والـمونولوج وكذلك الديالوج والدور، من أول المطربين الذي أحيا ليالي الصهبجية وهم الصييتة الذين يغنون خلف المغني، جمع بين أساطين المدرسة القديمة في الغناء عبده الحامولي وسلامة حجازي وبين المدرسة الجديدة التي تزعمها سيد درويش والقصبجي.
ولد صالح عبد الجواد خليل الشهير بـ صالح عبد الحي ــ في مثل هذا اليوم 16 أغسطس من عام 1896، بحارة درب الحلوانى بالسيدة زينب، منتميا لأسرة موسيقية فقد كان خاله عبد الحي حلمي أحد أشهر الموسيقيين والمغنيين في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وقد أخذ اسمه الفني من خاله الذي تبناه فنيا منذ البداية نظرًا لعذوبة صوته وتمسكه بتقاليد الغناء الشرقي الأصيل،حتى انه تتبعه فى كل وصلاته الغنائية التى قدمها على المقاهى في منطقة المغربلين، أخذ طريق الشهرة فى الغناء مع بداية القرن العشرين فى البداية بالاغانى التى غناها خاله، ومن بعده تتلمذ على ايدى الشيخ سلامة حجازي.
إحياء المسرح الغنائي
يرجع الى صالح عبد الحي الفضل في إحياء المسرح الغنائى فى عشرينات القرن الماضى بعد رحيل سيد درويش فكون فرقته المسرحية عام 1929، التي تكونت من كورس وتخت موسيقي خاص، وقامت الفرقة بإنشاد الموشحات والأدوار أثناء عرض المسرحيات التي كانت تتكون من فواصل درامية بسيطة، وتخصص فى الغناء بين الفواصل بمسرحيات على الكسار ومنيرة المهدية، ولذلك نراه يحل بديلا لعبد الوهاب في مسرحية "كليوباترا ومارك أنطونيو"، حينما احتدم الخلاف بين عبد الوهاب وسلطانة الطرب منيرة المهدية فقام بدور انطونيو.
امتاز صالح عبد الحى بعذوبة الصوت وقوته مما حقق له جماهيرية واسعة فلمع اسمه كواحد من أبرز النجوم في عالم الطرب خلال النصف الأول من القرن العشرين داخل البلاد وخارجها، وكان من أعلى النجوم أجرًا خلال رحلته الفنية التي بدأت مع بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914، وذلك بالغناء في أحد الأفراح الشعبية بالقاهرة، واشتهر بأغنيته "ليه يا بنفسج" كلمات بيرم التونسى وألحان رياض السنباطى وكان يتقاضى 300 جنيه في الحفلة الواحدة، وحين غنى في حفل حضره الزعيم سعد زغلول تقاضى أجره 100 جنيه ذهبًا.
غنى بدون مكبرات صوت
كان صالح عبد الحي يغني دون مكبرات صوت ــ ميكروفون ــ ولم يقبل به إلا خلال تسجيل الأسطوانات، أو آداء الأغاني في الإذاعات الأهلية خلال العشرينيات، وحين تأسست الإذاعة المصرية عام 1934، كان عبد الحي أول روادها، فانطلق صوته عبر الهواء فى اليوم الأول للإذاعة، وخصصت له الفقرات، كما أذيعت حفلاته الساهرة.
لمع اسمه في بداية القرن الماضي واشتهر صالح عبد الحى بأغنية "ليه يا بنفسج بتبكي وأنت زهر حزين" التي استمر يغنيها أكثر من خمسين عامًا كعلامة على الطرب فسمى بفارس الطرب الأصيل، ونجم الغناء التقليدي.
الاجتماع مع العامة فى الصهبجية
تعرف صالح عبد الحى على مجموعة فنية تطلق على نفسها اسم "الصهبجية" وهم صحبة كانت تحيى حفلاتها الفنية ليلة الجمعة من كل أسبوع، وأفرادها من الذين يعملون في مهن أخرى طوال أيام الأسبوع فمنهم الترزى والمكوجى والحداد والنجار و الخضري والجزار.
على خده ياناس 100 وردة
ترك صالح عبد الحي رصيدا غنائيًا تنوع بين الأغاني والأدوار والموشحات، ومن أشهرها "ليه يا ينفسج، موال البخت والقسمة، وأبوها راضي وأنا راضي، دور على خده يا ناس 100 وردة، موشح يا شادي الألحان، وصباح الخير، وعصر الهوى"، وغيرها الكثير.
من القصائد التى قدمها صالح عبد الحى بصوته: "أراك عصي الدمع"، "كم بعثنا مع النسيم سلامًا"، و"عجبت لسعي الدهر"، و"فتكات لحظك أم سيوف أبيك"، و"غيري على السلوان قادر"، و"قرطبة الغراء"، ومن الأدوار التى قام بأدائها.
"جددي يا نفس حظك" و"بستان جمالك" و"أد ما أحبك زعلان منك" و"ياما أنت واحشني" و"في البعد ياما كنت أنوح" و"عهد الأخوة نحفظه" و"على روحي أنا الجاني". و"قدك أمير الأغصان " وغيرها.
عاش صالح عبد الحي حياة الأمراء والملوك، وكان صديقًا للملك فؤاد في سهراته، وسكن قصرًا على النيل وعمل لديه خمسة من الخدم وكان له حراس في جولاته ويسير في عربة تجرها الخيول لزوم الأبهة، ومثَّل في السينما مرتين الأولى بالغناء في فيلم "عاصفة على الريف" إخراج أحمد بدرخان، ثم قام بالتمثيل والغناء في فيلم "البؤساء" إخراج كمال سليم.
لكن كان صالح عبد الحي في أواخر حياته مثل خاله مزاجي الطّبع وحيدا لم يتزوج هائما كثير الإنفاق محبا للخمر والملذات والسهر حتى الصباح، فجاء تقديمه لأغانيه عشوائيا غير ملتزم بالنص متلاعبا بالقصيدة التى يغنيها مرتجلا الكلمات فى اغانيه لكنه فى نفس الوقت محافظا على التراث العربى الاصيل فى الموسيقى ولحن له زكريا أحمد ومحمد القصبجي، مع مجئ الخرب العالمية الثانية كان قد انتهى المسرح الغنائي مع ظهور الكباريهات والعوالم، وبدأت الأزمة الاقتصادية العالمية تؤثر على الاقتصاد المصري، فتدهور المسرح الغنائي وانتهت فرقة صالح عبد الحي المسرحية
الإذاعة تقرر منع أغانيه
ابتعد عن أضواء الشهرة مع نهاية الخمسينيات من القرن الماضي بعد أن امتلأت الإذاعة بأصوات جديدة، وتبدَّل الذوق العام في المجتمع المصري وقررت الإذاعة منع تسجيل أغانيه واصبح لا يجد قوت يومه، ليدخل في حالة من العزلة بعد أن اشتد عليه المرض، ورحل منتصف عام 1962.
كيف رثاه كامل الشناوى بكلماته
وقد علق الشاعر كامل الشناوى على ما وصل إليه صالح عبد الحى صاحب الصوت القوى الذي انفضت حوله الملايين فى أحد مقالاته، اعترتنى رجفة شديدة وأنا أصغى إلى قصة صالح عبد الحى، هذا الفنان الذي ظل 40 عاما يغنى ويسيطر بصوته القوى على إعجاب الملايين من عشاق الغناء القديم قد أصبح بعدما قررت الإذاعة حرمانه من تسجيل أغانيه لا يجد قوت يومه، حتى أصبح شبحا مريضا يعيش حياة الفقر ويشعر بالمذلة والانكسار.
العقاد يرى أنه افضل من استوى على التخت
وفى كلمة رثاء بعد رحيل صالح عبد الحي كتب الأديب عباس محمود العقاد يقول: كان هو الصلة الأخيرة بين عهدين منفصلين من عهود النهضة المجددة في فنون الغناء والموسيقى والتلحين، وهما: عهد عبده الحامولي ومحمد عثمان، وعهد أم كلثوم وعبد الوهاب، كان صوته كالماء العذب النقي يأخذ من كل إناء لونه كما يأخذ من كل إناء شكله، واستطاع بهذا الصوت الغني القوى المثالي أن يحاكي عبده، والمنيلاوي، وعبد الحي حلمي، وسلامة حجازي، وزملاءهم أبناء المدرسة السابقة، فلم يقصر عن واحد منهم بحلاوة النغمة، وامتداد النفس، وطمأنينة المعلم المرتاح في جلسته وإشارته، ولا أذكر أنني رأيت مغنيًا قط يستوي على التخت مثل استوائه، ويمتزج بأعضاء التخت الآخرين مثل امتزاجه معهم.