يوم وفاء النيل.. حكاية أقدم عيد شعبي في العالم.. المصريون خلدوه على جدران معابدهم قبل 7 آلاف عام.. وهذا نص شهادة نعمات أحمد فؤاد
يبدأ اليوم الخامس عشر من أغسطس الاحتفال بعيد وفاء النيل الذى يعتبر أقدم عيد شعبى فى العالم وتستمر الاحتفالات حتى منتصف سبتمبر، وهو من الأعياد المصرية التى ترجع إلى أكثر من 7 آلاف سنة وقد سجل المصريون القدماء أحداثه على جدران معابدهم، وجاءت الاحتفالات احتفالا بفيضان النيل وزيادة الطمي الناتج عنه حتى أنهم خصصوا اجمل فتاة ليلقوها فيه.
فليس النيل مجرد ممر مائى أو مرفق رى عملاق بل انه نهر حضارة يرتبط بحياة الناس وصنع مستقبلهم، فهو مسيرة حياة بشر وكما قال الشاعر الإغريقي القديم مصر هبة النيل، فما من نهر فى الدنيا قامت بينه وبين الناس الذين يعيشون على ضفافه علاقة حميمة كنهر النيل، وهذه العلاقة بين البشر والنهر كانت ذات طابع حضارى رفيع هو الوفاء المتبادل من البشر الى النهر ومن النهر الى البشر فكان النهر هو معلم البشر الاول خاصة شمال الوادى فى مصر والحضارة المصرية دالة على ذلك
إهداء عروس النيل
وجاءت احتفالات وفاء النيل ابتهاجا بفيضان النيل وزيادة خصوبة الماء المتدفق لدرجة كان القدماء يخصصون أجمل الفتيات البكر فى البلاد ليلقونها فى النهر يوم وفاء النيل قربانا إلى النهر وشكرا كما تقول الأساطير.
وظلت حكايات إهداء عروس النيل كل عام فى عيد وفاء النيل راسخة فى الأذهان حتى أنها استبدلت فى بعض الفترات بعروس خشبية تلقى فى النيل تفاديا لمقتل فتاة كل عام.
وكما يقول المؤرخ المصرى مختار السويفى أنه اكتشف فى نهر النيل دميات من الفخار ومعنى هذا ان إلقاء العروس كانت خرافة، وذلك لأن الحضارة المصرية راقية، مشيرا الى ان النيل نفسه كان محل تقديس لدى القدماء حتى انهم منحوه صفة الألوهية وأسمه "حابى " ويتخذ صورة رجل ذي جسم ممتلئ تظهر فيه سمات النيل له بطن كبيرة وثدى يتدفق منه الماء وهو يحمل صفات الأنوثة والذكورة فى آن واحد الا انها اسطورة عاشت فى وجدان المصريين تتجدد سيرتها كل عام وتقام من اجلها الاحتفالات فى المحافظات من القاهرة إلى قنا بإقامة المهرجانات التى تتزين فيها الفتيات بالورود فى موكب كبير يضم الرقص والغناء.
بنت الملك الجميلة
ومن أهم الأساطير المرتبطة بعيد وفاء النيل، هي أن المصريين القدماء كانوا يقدمون للنيل "الإله حعبي" في عيده فتاة جميلة وكان يتم تزيينها وإلقاؤها في النيل كقربان له، وتتزوج الفتاة بالإله "حعبي" في العالم الآخر إلا أنه في إحدى السنين لم يبق من الفتيات سوى بنت الملك الجميلة فحزن الملك حزنا شديدا على ابنته، ولكن خادمتها أخفتها وصنعت عروسة من الخشب تشبهها، وفي الحفل ألقتها في النيل دون أن يتحقق أحد من الأمر، وبعد ذلك أعادتها إلى الملك الذي أصابه الحزن الشديد والمرض على فراق ابنته.
ووفقا للأسطورة، جرت العادة على إلقاء عروسة خشبية إلى إله الفيضان كل عام في عيد وفاء النيل، مؤكدا أنه لا يوجد نص صريح في التاريخ يروي أن المصري القديم كان يقدم قربانا بشريا "عروس النيل" احتفالا بوفاء النيل، ويعتقد أنها أسطورة نسجها الخيال المبدع للمصري القديم تقديرا منه لمكانة النيل، ورغم ذلك عاشت تلك الأسطورة في خيال ووجدان المصريين وتناولها الأدباء والكتاب والسينما، وما زالت تتردد حتى الآن كواقع.
إلا أنه فى عهد الاسلام الاول لما فتح عمرو ابن العاص مصر أتى أهلها وقالوا " يا أمير المؤمنين ان لنيلنا سنة لا يجرى النهر إلا بها وهى أنه بعد مرور 12 يوما من شهر بؤونة نأتى بجارية بكر ونرضى أبويها ونلبسها أبهى الحلى والثياب ونلقى بها فى النيل " فقال لهم عمرو ان هذا لا يكون فى الإسلام وإن الإسلام يهدم ما قبله، ومر ثلاثة اشهر جف فيها النهر ولم يفيض وجدبت المحاصيل وحدثت المجاعة، في كتب عمرو بن العاص الى عمر ابن الخطاب وكان أميرا للمؤمنين بذلك، فبعث ابن الخطاب له برسالة وقال له ألقها فى النيل، ولما أتت الرسالة فتحها عمرو فإذا بأمير المؤمنين يقول فيها (من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد فإن كنت تجرى من قبلك ــ بإرادتك ــ فلا تجر ـ أما اذا كان الواحد القهار يجريك فنسأل الواحد القهار أن يجريك).
حكمة أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب
عندما ألقى عمرو ابن العاص الرسالة فى النهر أجرى الله تعالى النيل وارتفع منسوبه وبذلك رفض كل من عمرو وأمير المؤمنين عمر ابن الخطاب الخرافة واعتمدوا على رب النيل بالدعوات ففاض النيل.
وقد كتبت المفكرة الراحلة أستاذ علم الحضارة الدكتورة نعمات أحمد فؤاد التى سميت بعروس النيل فى كتابها "كتبت يوما فى الأدب والنقد والفكر والفن" فصلا عن عظمة النيل وتميزه واحتفالات وفاء النيل فى مصر،فهى التى حصلت على الدكتوراه فى النيل وصاحبة أشهر الكتابات عنه تقول: سجل إدوارد لين فى كتابه (المصريون المحدثون وعاداتهم وتقاليدهم) كما سجله المؤرخون الإسلاميون الذين كانوا يؤرخون للنيل فى نهاية كل سنة حيث الزيادة والنقصان فى منسوب المياه كحدث جليل من الاحداث الهامة الكبرى ولم يظفر بهذا فى التاريخ الاسلامى نهر غيره ومن اهم من كتب عنه الراحل أمين باشا سامى الذى انفق عمره وماله فى تسجيل وتأريخ مظاهر الاحتفال بالنيل.
وأضافت الدكتورة نعمات: حتى الأديان أقامت من أجل زيادة مياهه الصلوات فى الكنيسة "أوشية المياه" وفى المسجد "ابتهالات “وعلى ضفاف النيل التقينا معا فى صلاة الاستسقاء.. وما المقياس القائم فى الروضة إلا صلاة استسقاء معمارية، كما عقدت من أجل النيل المؤتمرات، وجمع المجمع المصرى للثقافة العلمية كتاب باسمه عام 1952، بل احتفل بوفاء النيل الأدب الإنجليزى فى ثلاث قصائد نظمها كيتس، شلى، لى هنت، بل احتفل بوفاء النيل الشاعر الرومانى تيبولوس، وشاعر الرومان ” فرجيل".
غاب الوفاء للنيل
واستكملت الدكتورة نعمات:وحين كتبت رسالتى عن النيل سعيت إلى دار الإفتاء لأقف على أقدم حجة وفاء للنيل فكان أقصى ما وصلت إليه حجة وفاء النيل عام 1915 من دار المحكمة العليا الشرعية، وقد سجلتها فى كتابى، كما صورت حجة وفاء النيل عام 1956 من مضبطة الإشهادات، وآخر حجة وفاء كتبت له عام 1958، بعد هذا غاب الوفاء.. وفاؤنا للنيل ووفاء الاحتفال به، وإذا كان السد العالى قد امتص اللهفة على الزيادة، والقلق من النقصان، فالسد صنعة النيل ولذلك وبكل المقاييس يحق للنيل الاحتفال بوفائه، فليس أعمق فى وجدان الشعب من اثنين الدين والنيل،
نقوش ورسومات تؤكد تقديس النيل
وأضافت دكتورة نعمات أحمد فؤاد: وذكر نهر النيل في الحضارة المصرية القديمة كثيرا، وهناك العديد من النقوش والرسوم المصورة والقطع الأثرية التي تقدسه وموجودة بالمتحف المصري منها “أوستراكا ” مصور عليها المعبود حعبي وتمثال الملك خفرع الشهير الموجود عليه صورة "سما تاوي" ومعناه موحد الأرضين ويقصد به النيل، إلى جانب المراكب التي كانت تستخدم للصيد والحرب والسفر ونقل الحجارة وغيرها، حيث كان النيل عاملا مهما في الدبلوماسية السياسية المصرية كوسيلة للنقل والترحال والتبادل الثقافي والحضاري بين مصر والدول الأخرى.
تأكيد عقيدة البعث وترسيخها
وأكدت نعمات انه يرجع الفضل للنيل والشمس والنبات في عقيدة البعث عند الموت لدى المصري القديم، حيث شاهد النيل يفيض ويغيض ثم يفيض من جديد والنبات ينمو ثم يموت ثم ينمو من جديد والشمس تشرق ثم تغرب ثم تشرق من جديد فأدرك المصري القديم بالبعث ما بعد الموت فكان سببا مهما في تشكيل وترسيخ العقيدة لديه، وخاطبت أكثر من محافظ للقاهرة فى شأن إحياء الاحتفال بوفاء النيل بعد غيبة طويلة لم نحتفل فيها بالنيل وقد وعدوا بإعادة الاحتفال ولم يوفوا ولم يردوا.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.