رئيس التحرير
عصام كامل

خيانة الحليف الاستراتيجى.. العرب.. حكاية أمة ممزقة تتلاعب بها الأمم.. الدول العربية ساحة تصفية حسابات بين المعسكرين الشرقى والغربى

روسيا والصين وامريكا
روسيا والصين وامريكا

«منذ خمسين عامًا، أراقب حال العرب وهم يرعدون ولا يمطرون، يدخلون الحروب ولا يخرجون، يعلكون جلود البلاغة علكًا ولا يهضمون».. هكذا وصف نزار قباني حال الأمة فى قصيدته الشهيرة «متى يعلنون وفاة العرب».. رحل كاتب الكلمات وظلت الأمة على حالها، غاب مشروعها وتلاعبت بمصيرها الأمم.

لم تكن اتفاقية سايكس بيكو المؤامرة الوحيدة عليها، فتمزيقها طوال قرون كان هدف المتصارعين عليها، تحكم فيها الأتراك وخانوهم، تسلمتها بريطانيا وفرنسا والمستعمر الغربي وحولتها إلى حدائق خلفية تستمتع بثراوتها وتزرع فيها الفتن والدسائس من المحيط إلى الخليج، واضعة لها خرائط ممزقة، وتحولت دول سايكس بيكو إلى دويلات.

انتهت حقبة المملكة المتحدة، وجاءت حقبة الولايات المتحدة، تغيرت وجوه المستعمر، وظل العرب كما هم يصارعون طواحين الهواء ويبدلون الولاء لمن أسموهم الحلفاء، لتنتهى كل مرحلة مع الحليف بالخيانة.. حتى إيران التى اخترقت خطوطها من باب مقاومة إسرائيل، فى النهاية تمتلك مشروعها الخاص، وعندما قررت الصدام المحسوب مع المحتل على فترات، جعلت المواجهة بوكلاء عرب.

مع دخول الألفية الثالثة واستمرار الغياب وسطوع نجم المحتل وسط أمة ممزقة، لم يبخل العرب على معسكر الشرق فى موطئ قدم، ظهر محور الصين وروسيا بوجه الدبلوماسى الناعم والاقتصادى الخشن، الحلفاء الجدد أدركوا النفس العربية المنكسرة وخاطبوهم بلهجة التفخيم والتعظيم لفتح ممرات وسط أراضيهم لمنافسة الغريم الغربى.

صورة قاتمة لأمة ممزقة منذ قرون، توجت بمشهد اغتيال إسماعيل هنية فوق الأراضى الإيرانية، خرجت الروايات من هناك وهناك حول قاتل الشهيد، وسط شكوك تملكت نفوس الشعوب حول تعرض رجل القضية الفلسطينية لخيانة عابرة للحدود وترسخت فى الأذهان فكرة خيانة الحلفاء لأمة كانت ذات شأن فى التاريخ البعيد.. وخلال هذه الصفحات تذكر «فيتو» بتاريخ قريب يمتد لعقود كيف وضع الحليف خريطتنا جثة هامدة على طاولة التشريح الدولي ينال من أعضائها الحيوية ما يشتهى.

 

ترك أصحاب منطقة الشرق الأوسط مصيرهم لتتجاذبه القوى العظمى، ولم تسلم من حضور ما يسمى المعسكر الشرقى «الصين وروسيا»، الذى استغل حالة الفراغ الذى تركته إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن الذى اندفع لدعم أوروبا على خلفية حرب أوكرانيا.

وكعادة الشرق الأوسط -صاحب كرم الضيافة مع الحلفاء- حضر المعسكر الجديد بقوة، فالصين توسطت لحل خلاف العمر بين السعودية وإيران، واستغلت روسيا الصراع الذى تشهده منطقة الشرق الأوسط لتصفية الحسابات مع الغرب، وجعله ساحة موازية لرد ضربات الدعم الموجهة لأوكرانيا، وتنشيط ذاكرة غريمها التقليدى -أمريكا- بسنوات الحرب الباردة، وفتحت أحضانها لدعم جبهات المقاومة المحسوبة على إيران.

الصين أيضًا دراسة بعناية كيفية استغلال الصراعات المشتعلة بالمنطقة، لتحقيق أهدافها ومشروعاتها ومواجهة النفوذ الأمريكى الذى يزاحمها فى مياهها الإقليمية وجزيرة تايوان.

وفى هذا السياق يقول عماد الأزرق، مدير مركز التحرير للدراسات والبحوث المتخصص فى الشأن الصينى، إن الصراع بين الصين وروسيا من جهة، وأمريكا والغرب من الجهة الأخرى، ظهر بشكل واضح، وفى ظل عدم وجود مشروع عربى محدد للحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى العربية من الأطماع الخارجية، ومواجهة المشروعات التى تستهدف سلامة دوله، وبدأت روسيا والصين تستغلان الغياب الأمريكى عن المنطقة وتراجع نفوذها فيها، لوضع مشروعهما الخاص.

والتدخل الروسى الصينى فى منطقة الشرق الأوسط يهدف بالأساس إلى تحقيق مكاسب خاصة للبلدين حتى ولو على حساب شعوب المنطقة، فهو بالأساس معركة تكسير عظام وصراع على النفوذ بين المعسكر الشرقى (روسيا والصين) والمعسكرى الغربى (أمريكا وأوروبا) للسيطرة على أغنى منطقة فى العالم والأهم جغرافيا من ناحية الممرات التجارية البرية والبحرية.

وهناك تنسيق كبير بين بكين موسكو، لتوحيد الجهود لهدم النفوذ الغربى فى الشرق الأوسط، وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية وعسكرية فى المنطقة، كما تعددت أشكال التدخل الصينى والروسى، بين السياسى والدبلوماسى لاستقطاب حلفاء لهما بالإقليم، والتدخل العسكرى من خلال نشر قواعد عسكرية على غرار التواجد الروسى فى سوريا ومساعيها لإنشاء قاعدة عسكرية بالسودان، ودعم دول حليفة بالسلاح والهيمنة الاقتصادية بمشروعات استثمارية وتحالف البريكس.

وعلى الرغم من أن التدخل الروسى والصينى فى الشرق الأوسط هو فى الأساس يهدف لتحقيق مصالح شخصية لدى الدولتين، إلا أنه كان مفيدا فى بعض الملفات وأسهم فى تخفيف الضغط الغربى على الدول العربية، وأسهم فى خروجها من تحت العباءة الأمريكية وإيجاد حلفاء استراتيجيين جدد.

ففى ظل التقدم العسكرى والاقتصادى فى روسيا والصين، استطاع البلدان إبرام شراكات استراتيجية مع دول فى الشرق الأوسط، وهو ما يساعد على تحقيق مشروعهما فى التصدى للنفوذ الغربى فى المنطقة واستخدام ذلك كورقة للضغط على الغرب للتراجع عن دعم أوكرانيا والتدخل فى منطقة بحر الصين الجنوبى وتايوان وتهييج دول شرق آسيا ضد بكين.

ونجحت الصين من خلال استخدام التدخل الدبلوماسى فى إنهاء الخلاف بين إيران والسعودية، وقضت على مخطط أمريكا لإنشاء الناتو العربى لمحاربة طهران.

وبدأت الصين تتدخل فى القضية الفلسطينية ومزاحمة أمريكا فى هذا الملف، وذلك من خلال استضافة عدة مؤتمرات من أجل المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، لأن ذلك سيساعدها فى تحقيق مصالح خاصة بها من ضمنها التصدى للمشروع الغربى محور نيودلهى أوروبا، والذى يربط دول الخليج والهند ويمر عبر قطاع غزة إلى البحر المتوسط ومن ثم إلى أوروبا.

وتقف الصين بقوة فى وجه هذا المشروع لعرقلة المحاولات الأمريكية والإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهالى قطاع غزة من أجل تنفيذ مشروع محور نيودلهى أوروبا، هذا المشروع الذى اقترحته واشنطن وحلفائها لضرب مبادرة الحزام والطريق الصينية.

وأيضًا التدخل الصينى فى المنطقة له أبعاد اقتصادية، فهى تنظر للمنطقة باهتمام كبير جدا، لأنها تؤمن 80% من احتياجات بكين من النفط والطاقة، وهى المحرك الرئيسى للاقتصاد الصينى.

وذلك بالإضافة إلى الاستثمارات الصينية فى منطقة الخليج، ومشروعات البنية التحتية التى تنشأها الصين فى عدد كبير من الدول العربية، كل ذلك يساعد الصين على التواجد فى المنطقة وإقامة علاقات شراكة استراتيجية مع الدول بهدف مواجهة النفوذ الأمريكى وحرمانها من مورد رئيسى للطاقة.

وأغلب حركة التجارة الصينية تمر عبر المنطقة العربية إلى أفريقيا وأوروبا، فهى تحرص على الاستثمار فى الموانئ ومشروعات البنية التحتية، وكل ذلك يخدم مبادرتها الحزام والطريق.

وتعتمد الصين فى تدخلها بمنطقة الشرق الأوسط على سياسة أكثر ذكاء من الولايات المتحدة والغرب، فهى استغلت كراهية الدول العربية وأغلب شعوب الشرق الأوسط لواشنطن وحلفائها، وأنشأت علاقات مع هذه الدول من خلال مشروعات اقتصادية وتنموية لتكسب تعاطف الشعوب مما يسهل أمامها مهمة استقطاب هذه الدول معها ضد الغرب.

وتمثل المنطقة العربية سوقا كبيرا جدا بالنسبة للصين، فبكين تسعى لإنشاء تحالف قوى مع الدول العربية والأفريقية، لأنها بحاجة لزيادة معدلات النمو الاقتصادى، وقد تكون هذه الدول محركا قويا للاقتصاد الصينى، لأن أغلب الدول الأوروبية وصلت لمرحلة التشبع.

وعلى الرغم من أن التدخل الروسى فى منطقة الشرق الأوسط يختلف عن شكل التدخل الصينى، إلا أنه يهدف أيضًا إلى محاربة النفوذ الأمريكى والغربى والضغط على واشنطن وحلفائها الأوروبيين للتراجع عن دعم أوكرانيا وتوسع الناتو قرب حدودها.

وروسيا تفضل التواجد العسكرى أكثر من الاقتصادى، وذلك نظرا لتقدم الصناعات العسكرية لديها، فهى تستغل تلك النقطة ومبيعات السلاح فى استقطاب دول فى الشرق الأوسط، وكل ذلك بهدف تحقيق مصالحها للضغط على الغرب ونقل الحرب بعيدا عن حدودها.

 

الجريدة الرسمية