رئيس التحرير
عصام كامل

21 مفتيا للديار المصرية في 129 عاما.. الأول حسونة النواوي.. تولى منصب الإفتاء بالإضافة لمشيخة الأزهر.. وهذه حكايته مع “الملحد"

الشيخ حسونة النواوي،
الشيخ حسونة النواوي، فيتو

أنشئت دار الإفتاء المصرية في 12 نوفمبر 1895، الموافق جمادى الآخرة 1313 هـ، وذلك بأمر من خديوي مصر عباس حلمي الثاني وتولّى منصب مفتي الديار حتى الآن 21 مفتيًا، أشهرهم الشيخ محمد عبده، والدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف حاليا، وأحدثهم الدكتور نظير محمد عياد.


1 – الشيخ حسونة النواوي، وهو حنفي المذهب.

ولد عام 1312 هـ/ 1895 م، وتوفي 1316 هـ/1899 م.

تولى الإفتاء وعين شيخا للأزهر مرتين

هو الشيخ حسونة بن عبدالله النواوي الحنفي، تولى مشيخة الأزهر مرتين، ومفتي الديار المصريَّة، ووكيل الجامع الأزهر، والقاضي بالمحاكم الشرعيَّة.
ولد الإمام الشيخ حسونة النواوي في قرية (نواي) التابعة لمركز ملوي التابع لمديريَّة أسيوط في حينها، سنة 1255هـ/1839م.
ونشأ بها وتلقى مبادئ العلم، ثم التحق بالأزهر الشريف، وتلقى العلم على كبار علمائه، مثل الشيخ محمد الأنبابي، وتلقى على يديه العلوم العقليَّة في المنطق والفلسفة، والشيخ عبد الرحمن البحراوي، والشيخ محمد المهدي العباسي، مفتي الديار المصريَّة، وقد تلقى عليهما الفقه الحنفي.
واختص بملازمة العلامة المحقق علي بن خليل الأسيوطي، وتلقى على يديه العلوم العقليَّة أيضًا.
حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالأزهر، وتلقى دروسه على يد علماء، واستمر في دراسته حتى حصل على شهادة العَالِمية.
درَّس الفقه بمسجد محمد علي بالقلعة بجانب تدريسه له بالأزهر، وعُيِّن بجانب ذلك أستاذًا للفقه بكلية دار العلوم وكلية الحقوق.
انتُدِب وكيلا للأزهر، وذلك لمرض الشيخ الإنبابي وعجزه عن مباشرة مهام عمله ثم صدر قرار بتعيين لجنة لمعاونته في إصلاح شئون الأزهر.
عُيِّن عضوًا دائمًا غير قابل للعزل بمجلس شورى القوانين.
تولى منصب الإفتاء بالإضافة إلى مشيخة الأزهر، وأصدر 287 فتوى.

كان للشيخ حسونة النواوي عطاؤه العلمي الكبير، إذ تعددت أماكن تدريسه وتعليمه طلابه، فقد درَّس في الجامع الأزهر، وفي مسجد محمد علي باشا، وفي مدرسة دار العلوم، وفي مدرسة الحقوق.

اقرأ أيضا: أول تصريح من شوقي علام بعد رحيله عن منصب مفتي الجمهورية

وأثناء تدريس الشيخ الإمام مادة الفقه بمدرسة دار العلوم، ومدرسة الحقوق، بزغت لديه فكرة تصنيف كتاب في الفقه الحنفي على نظام حديث يجمع بين الدقة والسهولة، ينأى به عن منهج الكتب الفقهيَّة المتداولة آنذاك، التي اتسمت بسمة المتن ثم الشرح عليه، ثم التحشية على الشرح، ثم التقريرات على الحواشي مما مثَّل عنتًا وإرهاقًا لطلاب علم الفقه، فما كان من الشيخ إلا أن قَّدم لطلاب علم الفقه سفره الماتع الذي ذاع صيته آنذاك وسماه "سُلَّم المسترشدين في الفقه والدين" في جزأين.
وأصبح هذا الكتاب رائدًا لمن جاء بعده من أساتذة كليَّة الحقوق الذين ألَّفوا في نفس الفن.

كما أنَّ للشيخ فتاوى حملها كتاب "الفتاوى الإسلاميَّة من دار الإفتاء المصريَّة"، وقد دُوِّن فيه (287) فتوى لفضيلته.

ومن آثاره القلميَّة مقالة عنوانها: "نبذة من مناقب الإمام الأعظم"، نشرها له رفاعة بك الطهطاوي في: "روضة المدارس"، وصدَّرها بقوله: "قد انتظم في سلك أعضاء هذه الصحيفة حضرة الكامل الفاضل، والعالم العامل، الحائز قصب السبق في ميدان المعقول والمنقول... الشيخ حسونة النواوي الحنفي، مدرس علمي الفقه والكلام بمدرسة الإدارة والألسن"،  ونشر له أيضًا مكتوبًا يسمى "تطبيق الأمور العاديَّة العرفيَّة على الأحكام الشرعيَّة الفرعيَّة المرعيَّة".

طباعة صحيح البخاري

كما أنَّ الشيخ الإمام حسونة النواوي كان القائم بتنفيذ الأمر السلطاني في طباعة صحيح البخاري، وفق النسخة اليونينية، فنشط في ذلك وجمع فريقًا من علماء الأزهر الشريف، وسعوا في استخراج النسخ الخطية المفرقة في المكتبات العامَّة والخاصَّة، ثم أكبوا على مقابلة النسخ، وسرد الصحيح، والتدقيق التام في أسماء الرواة وأوجه الرواية، مع ضبط فروق النسخ، حتى تمت قراءته ومقابلته في مدة يسيرة من الزمان.

دوره في إصلاح الأزهر

ولم يقتصر عطاء الشيخ حسونة النواوي على المؤلفات العلميَّة، فقد كان له دور بارز في النهوض بالمؤسسة الأزهريَّة؛ حيث بادر الشيخ إلى الدعوة إلى نهوض الأزهر الشريف منذ أن تولى المنصب الجليل، وارتبط اسمه بالقانون الذي صدر بعد سنة واحدة من توليه المشيخة (20 من المحرم 1314هـ - 1896م)، وكان للإمام محمد عبده يد طولى وراء إصدار هذا القانون، الذي خطا بالأزهر خطوة واسعة نحو الإصلاح الذي يقوم على أساس إدخال العلوم الحديثة مثل الحساب، والجبر، والهندسة، والتاريخ، وعلم تقويم البلدان(الجغرافيا) في الأزهر، كذلك وضع شروطًا لانتساب الطلبة إلى الأزهر، إذ حدد هذا القانون سن قبول الطالب بالأزهر بخمسة عشر عامًا، وأن تكون له دراية بالقراءة والكتابة، وأن يكون حافظًا القرآن الكريم أو على الأقل نصفه، ومنع هذا القانون تدريس كتب الحواشي مطلقًا، وقصرها على الطلبة المتقدمين دراسيًّا، ونظم قانون الامتحانات، وجعلها على مرحلتين:

المرحلة الأولى: تنتهي بشهادة الأهليَّة لمن قضى ثماني سنوات على الأقلِّ من الالتحاق بالأزهر، وتحصيل ثمانية علوم على الأقلَّ من علوم اللغة والدين، ويختبر الطالب أمام لجنة تتكون من ثلاثة من العلماء برياسة شيخ الأزهر، والناجحون إمَّا أن يكملوا دراستهم بالأزهر في المرحلة التالية، وإمَّا أن يتم تعيينهم في وظائف الإمامة والخطابة والوعظ بالمساجد.

المرحلة الثانية: تنتهي بامتحان الشهادة العالميَّة لمن أمضى اثنتي عشرة سنة من الدراسة، وتلقى العلوم المقررة بالأزهر، ويصبح من حق الحاصلين عليها التدريس بالأزهر، وعني القانون بشئون الطلاب فاهتم بتحسين أحوالهم المعيشية،  ووسَّع لهم في المساكن الصحيَّة، وحدَّد لهم بعض المعونات الماليَّة.

ومما يُذْكرُ فيُشْكَر للشيخ حسونة من جهوده في إصلاح الأزهر إنشاؤه دار الكتب في الأزهر أو ما أطلق عليها – حينئذ -  (الكتبخانة العموميَّة الأزهريَّة).
وكان قد عرض الأمر على الجناب العالي فأقره مستحسنًا له، وخرج هذا العمل من القوة إلى الفعل، وتهيأ المكان لما وجد لأجله من وضع الكتب وحفظها فيه، والانتفاع بها تحت ضوابط ونظم، وشرع عمالها في إنفاذ ما عهد إليهم من أول سنة 1897م/ الموافق شعبان سنة 1314هـ، ومن حسنات وبركات هذا العمل الإصلاحي العظيم أن أقبل أهل البر والصلاح والعلم - بعد معرفتهم بوجود دار كتب بالأزهر – فتبرعوا بما عندهم من الكتب النفيسة.
وقد تقدم الشيخ حسونة القافلة ووقف في المقدمة فتبرع بمكتبته الخاصَّة لمكتبة الأزهر، وأخذت هدايا المتبرعين تتوالى، ومنها مكتبات حليم باشا، والشيخ الأنبابي، والشيخ العروسي، والشيخ البولاقي.
كما أخذ أكثر العلماء يكتبون وصاياهم بضمّ مكتباتهم الخاصَّة بعد رحيلهم إلى مكتبة الأزهر، كالإمام محمد عبده، والشيخ محمد بخيت المطيعي، والشيخ عبد القادر الرافعي، وما زال العلماء جيلًا بعد جيل،  وفي عصر يتلوه عصر يقتفون أثر من سبقوهم في التبرع بمكتباتهم في حياتهم، أو الوصية بها بعد مماتهم ليكون مستقرها الأخير في المكتبة الأزهريَّة العامرة.

من مواقفه الإنسانيَّة والدعويَّة:

كان عاما، صاحب رسالة سامية يستشعر عظمتها، ويقدر لها قدرها، يعذر أصحاب الهنَات، ويقيل ذوي العثرات، ويرحم أهل الكبوات، ويتسع صدره لذوي المخالفات.

ويدل على هذا موقفه مع الدكتور منصور فهمي، وهو الموقف الذي يجب أن يُعْلَم فيُعَلَّم، ويدرَّس للأجيال كيف كان يتعامل علماء الأزهر وشيوخه مع المخالفين لهم في الرأي.

حكايته مع "الملحد" واليهودي "ليفي رايل"

فحينما حصل الدكتور منصور فهمي على رسالة الدكتوراه من باريس، وكان موضوعها "أحوال المرأة في الإسلام" وأشرف عليه فيها المستشرق اليهودي "ليفي رايل" وقد تورط الدكتور منصور في أن نسب عددًا من التهم والمظالم إلى الإسلام في قضية المرأة، حتى صار يُعرف في مصر بـ "الملحد"، إلا أنَّه أنصف من نفسه وذكر أنَّه لقي عددًا من علماء الأزهر، من ذوي الأفق الواسع، والصدر الرحب، والحلم والعلم الذين صبروا عليه، وأخلصوا له النصح، ولم يتجهموا في وجهه، ولا ضاقوا به، وكان على رأسهم الشيخ حسونة النواوي.


وسجل الدكتور منصور فهمي تغييره موقفه، وتراجعه عن تحامله على الإسلام، بسبب رحابة صدر أولئك النفر من العلماء.

يقول الدكتور منصور فهمي عن ذلك: "كانت رسالتي في الدكتوراه عن المرأة في الإسلام، واندفعت أكتب بحرارة الشباب المندفع، ويظهر أني انحرفت قليلًا حيث كانت معلوماتي عن الإسلام طفيفة، وحين قوبلت – في مصر – بضجة كبرى ازددت عنادًا، ولكن الله كتب لي أن أجلس طويلًا مع بعض المشايخ العلماء، من ذوي الأفق الواسع، والصدر الرحيب، من أمثال الشيخ: حسونة النواوي، والشيخ مصطفى عبد الرازق، والشيخ علي سرور الزنكلوني، هؤلاء الذين يمثلون عالم  الدين الحقيقي...فبدأت أتخلَّص من الزيغ، لأعود إلى حظيرة الدين والحمد لله".

ويقول: "لقيت المرحوم الشيخ حسونة النواوي حين زرته في منزله، فوجدت شيخًا وقورًا يملأ القلب بمهابته وتقواه، وكنت أسمع الكثير عن شجاعته وهمته، واستهانته بشئون الدنيا، فلما قُدِّمتُ إليه، قال لي: أأنت الذي يُقالُ عنك:إنك ملحد ؟! فقلت: نعم يا مولاي، فربت على كتفي، وقال لي: اقرأ القرآن، واقرأ البخاري إن لم تكن قرأته، فوعدت الشيخ الوقور بذلك.

ولما خرجت استحييت ألَّا أفي بعهدي، فعكفت على قراءة البخاري، وعجبت لغفلتي الأولى، وجدت حِكَمًا ونَظْمًا، وأخذت أقارن ذلك بما درست في الفلسفة فوجدت ما جاء به سيدنا محمد ﷺ أعلى من كلِّ فلسفة، وأن الإلهام الصادق يبدو في كلِّ حديث، فلم أجد إلا أن أقول أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله".

وقد عُرف - رحمه الله- بالعفة وعلو الهمة ونقاء اليد.
أصيب الشيخ في أواخر أيامه بأمراضٍ، وَوَهَنٍ في القُوى، وضَعْفٍ في النظر، وانتقل إلى رحمة مولاه صباح يوم الأحد 24 شوال سنة 1343هـ / 17 مايو 1925م، ودفن بقرافة المجاورين بالقاهرة، وودعته الأمة بما هو جدير به من الحب والإكبار، في يوم مشهود تناقلت الصحف صوره والألسنة أنباءه في ترحم ودعاء، رحمه الله رحمة واسعة، وأنزله منازل الأبرار.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية