د. رأفت عثمان في حوار لـ «فيتو»: الإخوان يحتاجون إلى مراجعة أنفسهم والتنازل عن أفكارهم المتشددة
الدفاع عن الوطن في مرتبة الدفاع عن الدين
إعلاء مصلحة مصر يجب أن يفوق المصالح والمكاسب الشخصية الدنيوية
الاعتصام مباح في الإسلام بشرط عدم الإضرار بالفرد أو المجتمع
إراقة دماء المسلم لا يكبرها في المعاصي إلا الإشراك بالله
أكد الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء على أن حرمة الدماء عظيمة في الشرع وتأتي حرمتها بعد الإشراك بالله تعالى وقال في حوار لـ "فيتو" إن تاريخنا الإسلامي فيه من الوقائع التي أعلت من شأن حرمة الدماء.
بداية نود معرفة حرمة الدماء في الشرع؟
الدماء حرمتها في الشرع عظيمة تأتي بعد الإشراك بالله سبحانه وتعالى فقتل النفس الإنسانية أكبر الجرائم بعد الإشراك بالله سبحانه وتعالى وهو الكفر ولعل هذا هو الحكمة في قول الله عز وجل بعد أن قص حادث قتل ابن ادم لأخيه قال عز وجل {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا} وقد يسأل البعض لماذا نعمم الحكم في هذه الآية الكريمة، وواضح من النص الكريم أن الله تعالى كتب على بني إسرائيل وقد سئل الحسن البصري هل الآية خاصة ببني إسرائيل فقال رضي الله عنه لم يجعل الله دماء بني إسرائيل أشرف من دمائنا.
في التاريخ الإسلامي ما يبين عظمة الدماء كيف ترى ذلك؟
من حوادث التاريخ الإسلامي أيضا نتبين مدى عظم الحرمة في قتل الإنسان فعندما حاصر الغوغائيون في عهد الخلفاء الراشدين منزل سيدنا عثمان رضي الله عنه وأرادوا قتله وبدأ عبيده الدفاع عنه وتقلدوا سيوفهم وكانوا كثيرين لأن عثمان رضي الله عنه كان من كبار أغنياء الصحابة ويكفي أنه جهز جيشا في إحدى المرات من ماله الخاص واشترى بئرا من مياه وتبرع بها في سبيل الله وكانت بئر المياه في ذلك الوقت وتلك البيئة تساوي بئر بترول الآن، فعندما رأى عبيده يستعدون للقتال دفاعا عنه، وتخوفا منه رضي الله عنه من إسالة الدماء قال لعبيده من ألقى السلاح فهو حر حتى تعرض أخير من هؤلاء الغوغائيين للقتل وقتل شهيدا رضي الله عنه فما ذكرناه يبين إلى أي مدى يكون مرتكب جريمة قتل إنسان قد ارتكب الخطأ العظيم بعد ذنب الإشراك بالله عز وجل.
فض الاعتصامات الآن يراه البعض من هيبة الدولة والآخر يراه حقا ليعبر عن رأيه.. كيف ترى الأمرين؟
يأسف الإنسان للأزمة التي تعيشها مصر الآن بين الإخوان المسلمين والمدنيين من يساريين وقوميين وليبراليين وعلمانيين من ناحية أخرى خاصة بعد فض اعتصام الإخوان في رابعة والنهضة ولكن ويجب على الإخوان أن يتنازلوا عن الأفكار المتشددة وأن تكون هناك نقطة سواء تلتقي عليها أفكار الأطراف بما يحقق مصلحة الوطن لأن اللقاء بين فريقين متعارضين أو متقاتلين لا يمكن أن يتم بتغليب رأي على رأى آخر وإنما التوسط هو الحل في مثل هذه المشكلة الشائكة.
الأزهر الآن ينسق مع أصحاب المبادرات لوجود حل للخروج من الأزمة كيف يفعل ذلك؟
الأزهر الآن بتعرفه على كافة المبادرات والتواصل مع أصحابها في الحادث الجلل الذي تمر به مصر الآن حضاريا وتاريخيا يجب على كل الفصائل التي يجمعها الأزهر أن تلتقي على الحل الأخير الذي يهتدي له الأزهر بحيادتيه ويجب أن تخضع له الإخوان كما يجب أن تخضع له الدولة فيما يحقق استقرار الوطن ويحفظ دماء أبنائه.
الآن هناك تداخل بين الاجماع الفقهي والسياسي وتعارض المصالح ما رأي الشرع في ذلك بما يحقق مصالح الناس والأوطان؟
الأمور السياسية كما في أي مجال آخر من حياة الإنسان كالاقتصاد والعلاقات الدولية لها قواعد عامة تنظمها وفي القواعد العامة في نظام الحكم أن الحاكم يجئ باختيار الأمة ممثلة في أهل الحل والعقد، أيضا من المبادئ العامة أن يكون العدل هو الأساس في التعامل مع الشعب بعيدا عن سفك الدماء والقهر للناس وإرغامهم على أي شيء وعلى الذين يتشاورون الآن من النخب السياسية والأحزاب وأهل الحل والعقد أن يهتدوا إلى وسيلة تنجو بالمجتمع عن الشتات والفرقة وإلا يتشبث أحد بنص فقهي ويسقطه على واقعنا لإضفاء مشروعية على ما يريد وإنما الوضع الآن الإجماع السياسي مقدم على الإجماع الفقهي وهو المقصود بقول الرسول صلى الله عليه وسلم {أنتم أعلم بأمور دنياكم} وهناك قاعدة فقهية تقول إذا تعارضت مصلحتان فالمصلحة الكبرى تتقدم والمصلحة الكبرى الآن إزالة الاحتقان السياسي بين الفرقاء جميعا.
ما رأي الشرع في فرض الرأي بالقوة سواء كان هذا الرأي من فرد أو جماعة أو حزب أو حاكم؟
لا يحق لأي جهة سواء أكان الإخوان أو غيرهم من الأحزاب السياسية أو حتى الحاكم أن يفرض بالقوة رأيا يتنافى مع مصالح الأمة ومصلحة الأمة أفرادا كانوا أو جماعات مقدمة على مصلحة الحاكم نفسه ويحددها الساسة ورئيس الدولة بما لديه من مستشارين ومؤسسات وفي مقدمتهم الأزهر الشريف وأصحاب الفكر حتى لا تحدث فوضى في الشارع.
كيف أعلى الشرع من قيمة الوطن وجعل الدفاع عنه دفاعاً عن الدين؟
الدفاع عن الوطن في مرتبة الدفاع عن الدين لأن الدفاع عن الوطن هو في نفس الوقت دفاع عن الدين بمعنى أنه إذا امتهن الوطن وإذا وقع تحت احتلال قوة معادية ينال الدين أضرارا جراء الاحتلال والدين هو في المرتبة الأولى في الضروريات الخمس كما بين علماء أصول الفقه الإسلامي والوطن له مرتبة قريبة من مرتبة الدين لأن الوطن هو حفظ النفس والنسل والعقل والمال وهذه الأمور الأربعة هي التالية لحفظ الدين وهذه الضروريات الخمس لابد منها في كل مجتمع إنساني كامل وإلا كان مجتمعا مختلا في بعض نواحيه إذا فقد أمرا ضروريا من هذه الضروريات الخمس وللنظر إلى الحضارة الغربية فهي في قمة التحضر المادي الآن ومع ذلك لا يأمن الإنسان على حياته أو عرضه وعقله فيها بضياع الضروريات الخمس التي تكلم عنها علماء أصول الفقه الإسلامي ولو تصورنا لا قدر الله أن إسرائيل احتلت مصر هل ستسمح للمسلمين أن يزاولوا شعائر وأحكام دينهم ولا حتى يسمح للمسيحيين لأننا نعرف العداء بين اليهودية والمسيحية.
هناك من يرى أن رأيه هو الحق المطلق وما دونه الخطأ ولا يرجع وهذا ما يضيع فرص نجاح الحوار بين الأمة كيف عالج الشرع هذا الأمر؟
الرجوع للحق والعدل والعقل مخاطب به المسلم في كل وقت هل هناك أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا يوجد.. وعندما كان يستشير فيرى رأيا معينا ثم يبدي بعض المسلمين رأيا معينا يراه هو أحق لا يتمسك برأيه صلى الله عليه وسلم وهو من هو المؤيد بالوحي وأمامنا وصايا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول عمر ابن الخطاب وهو ينصح قاضيه ويقول له لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت في نفسك أن ترجع إلى الحق فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ومن هنا أقول لجماعة الإخوان عليكم مراجعة أنفسكم بما يحفظ دماء وأموال المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين وعلي الجميع إخلاص النوايا لله ولا ينسى أحد أن عند الله تعالى تقف الخصوم يوم القيامة فعلى الكل إعلاء مصلحة مصر فوق المصالح والمكاسب الشخصية الدنيوية ولعل ما يرشدنا تجاه ذلك ما قاله عز وجل إرشادا لنا في فض النزاع بين الزوجين واختيار حكمين حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة وهو ما يرشدنا أن يكون الحكماء من كلا الطرفين من الإخوان وغيرهم ومن الأزهر وهو قمة المحايدين في هذه الملمات وغيرها قال عز وجل {أن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما} فحتى يمكن أن يتحقق الإصلاح يجب أن تخلص النيات في الوصول إلى حل ينجي مصر من هذا المنحدر الخطر جدًا الذي لا قدر يمكن أن يؤدي إلى بقعة سوداء في تاريخ الكنانة.
كيف يكون الاعتصام معبرا وموافقا للشرع؟
الاعتصام هو تجمع جماهيري يراد به إظهار الرأي في مسالة سياسية أو غير سياسية وهي موضع خلاف وكما نعلم كل المواقف التي يقفها الإنسان في شتى ألوان نشاطه سواء كان سياسيا أو غير سياسي لابد أن يبعد عن إسالة الدماء وما يعين على ذلك من قول أو فعل أو تحريض وألا يؤدي اعتصامه إلى الإضرار بالفرد أو المجتمع.