رئيس التحرير
عصام كامل

«الحوار الوطني» فتح الملف الشائك.. والرئاسة تنتظر التوصيات.. قصة رؤساء مصر مع الحبس الاحتياطى عبد الناصر تغول فى استخدامه قبل النكسة.. والسادات استغله لحبس معارضيه

الحوار الوطني
الحوار الوطني

«الحبس الاحتياطى» مصطلح لم يكن وليد اليوم، بل هو لصيق بمؤسسات الحكم فى مصر، منذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حتى الآن، إذ تتسارع المطالبات بضبط هذا الإجراء، بما يحمى الدولة من المجرمين دون أن يكون هناك إساءة استخدام له، وبما يضمن حقوق المتهم حتى تثبت إدانته.

وبالعودة إلى ستينيات القرن الماضى، نلحظ أن تكثيف العمل بهذا الإجراء بدأ قبل النكسة بسنوات قليلة، رغم ما كانت تحياه مصر من عدالة اجتماعية وتعليم وتأمين صحى، ولكن ملف الحريات لم يكن على ما يرام، لكن مع حدوث النكسة، وما صاحبها من تغييرات فى بنية المجتمع المصرى، تغيّر الوضع قليلًا إلى الأفضل.

السادات

بدأ الرئيس الراحل أنور السادات فترة حكمه بانفراجة ديمقراطية تمثلت فى إطلاق سراح المعتقلين وحرق أشرطة التجسس على المواطنين، لكن لم يكد يمر أشهر قليلة، وتحديدًا مع انطلاق الحركات الطلابية والتظاهرات التى كانت تطالب بالحرب، عاد السادات ليكون أكثر شراسة فى هذا الأمر وكانت هناك حملة كبيرة للقبض على مجموعة كبيرة حينها وكانت المدة القصوى للحبس الاحتياطى وقتها ستة أشهر.

حسنى مبارك

أما الرئيس الراحل حسنى مبارك، والذى بدأ حكمه أيضًا بانفراجة ديمقراطية تجسّدت فى إطلاق سراح معتقلي سبتمبر الذين اعتقلهم السادات، لكن بمجرد صعود الحزب الوطنى كحزب حاكم يملك مقاليد الأمور، حتى تغيّرت الاستراتيجية تمامًا، وصارت مدة الحبس الاحتياطى تزيد على ستة أشهر كما تم استخدامها فى معاقبة المعارضين السياسيين، وهو ما يحاول النظام الحالى تعديل وسن تشريع جديد أكثر عدالة.

فى هذا السياق، يقول أحمد بهاء شعبان رئيس الحزب الاشتراكى المصرى: “حبست فى عصور عديدة فى عهد عبد الناصر والسادات ومبارك وكان التعامل فى إطار قانونى بعهد عبد الناصر بعد هزيمة ٦٧ وانكشاف النظام حينها وعندما اتضح لهم أن منطق القبضة الأمنية والتنكيل بالمعارضة حينها لا يمكن أن يستمر”.

وأضاف رئيس الحزب الاشتراكى المصرى لـ”فيتو”: قبل ٦٧ كان عبد الناصر متغولا فى الحبس الاحتياطى، لافتا إلى أن نظام عبد الناصر كان له إنجازات كبيرة منها التعليم المجانى ومصالح الفلاحين وغيرة لكنه فى قضية الحريات لم يكن هناك أدنى تنازل وكان هناك مقايضة للعدالة الاجتماعية بالحريات وكانت حرية سياسية محكومة وأنظمة سياسية فى عباءة السلطة حينها.

واستكمل شعبان: “كانت الأمور فى عهد عبد الناصر مبنية على السيطرة الأمنية لكن بعد ٦٧ والهزيمة والإضرابات والاعتصامات بدأ النظر فى الأمور يختلف، وأدرك جمال عبد الناصر أن هذه الطريقة فى حكم البلاد لم يعد لها مستقبل ولا ضرورة وخاصة أن الشعب هو الذى أجلسه على سدة الحكم بعد الهزيمة وطالبته بعدم الاستقالة بينما أقرب أقربائه حاول الانقلاب عليه حينها”.

وأكمل: “مع بداية عصر السادات كانت هناك فترة وردية نسبيا بتوصية وقتها من محمد حسنين هيكل الذى أقترح أن يكون شعار المرحلة الديمقراطية والحرية واشتهر عندما امسك السادات بالبلطة وكسر فى أبواب السجون وادعى وقتها أنه رئيس ديمقراطى وكان القانون حينها أقرب أن يطبق، لافتا إلى أنه ضمن المرات التى تم اعتقالى فى فترة السادات كان كل ١٥ يوما هناك جلسة وكان الحد الأقصى حينها للحبس الاحتياطى ستة أشهر، وإذا لم يقدم المتهم للمحكمة بحيثيات واضحة يطلق سراحه، وفى مرات كان يتم الإفراج عنى انقضاء للمدة أو العرض وغيره”.

وأشار “شعبان” إلى أن ثورة الطلبة فى ٧٢ وعام الحسم أغضبت السادات حينها غضبة شديدة للغاية، وقال إن الديمقراطية لها أنياب، وانقض حينها على شعارات الديمقراطية الزائفة التى كان يدعيها، وأصبح ديكتاتورا شرسا للغاية كما حدث فى القبض على أكثر من ١٥٠٠ من قيادات الحركة السياسية والمثقفين ورجال الفكر، فالسادات أبرز أنيابه بعد الحركة الطلابية وأطلق سراح الجامعات الإسلامية ودعمهم وترك لهم حرية الحركة حتى اغتالوه بحادث المنصة الشهير.

ويواصل رئيس الحزب الاشتراكى، أن عصر مبارك بدأ باستيعاب درس السادات الذى أدى فى النهاية إلى اغتياله وبدأ بتهدئة الأمور ونزع فتيل الانفجار وأفرج عن المعتقلين، وكان هناك هامش نسبى من الحرية والصحافة.

واختتم شعبان حديثه: “حين بدأ حراك سياسى قوى تمثل فى نشأة حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير بدأت سيطرة لجنة السياسات بالحزب الوطنى بقيادة جمال مبارك وأحمد عز لمواجهة هذا التحرك، وكل هذا أدى فى النهاية إلى ٢٥ يناير”.

وعن ما يحدث حاليًا من محاولة التعديل، أكد “شعبان” أن هذا كان مفترض تنفيذه من عام، وتحريكه حاليًا أمر جيد لكن يجب أن ينتهى سريعًا ويتم الإفراج عن المحبوسين احتياطيًا.

بعد مناقشات استمرت لأكثر من 12 ساعة، انتهى مجلس أمناء الحوار الوطنى، الأسبوع الماضى، من الاستماع لمطالب القوى السياسية ولفيف من الحقوقيين فى تعديلات قانون الحبس الاحتياطى بعد الانتقادات التى طالت التوسع فى الحبس الاحتياطى وتحويله من إجراء احترازى إلى عقوبة قاسية يدفع ثمنها المتهم الذى تقول القاعدة القانونية الشهيرة إنه «بريء حتى تثبت إدانته».

كل المؤشرات داخل جلسات الحوار الوطنى تقول إننا على بعد خطوات من إجراء تعديلات جوهرية على قانون الحبس الاحتياطى، من المتوقع أن تشمل مدته وبدائله وموقف المحبوس احتياطيًا عند تعدد الجرائم وتعاصرها وتزامنها، والتعويض الأدبى والمادى عن الحبس الاحتياطى الخاطئ، وأخيرا؛ التدابير المصاحبة للحبس الاحتياطى من منع سفر ونحوه.

ووفقًا لما جرى من مناقشات ساخنة هناك توافق لدى الأطراف المشاركة على تخفيض مدة الحبس الاحتياطى، وبحث التدابير الأخرى اللازمة من منع سفر ونحوه والبدائل المطروحة، ومن بينها ما يتعلق باستخدام نظام المراقبة والتتبع.. وتعكف حاليا لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة التابعة للمحور السياسى فى الحوار الوطنى على دراسة وتدقيق الاقتراحات المطروحة تمهيدا لرفعها لرئيس الجمهورية.

وفى السطور التالية نتعرف على تاريخ الحبس الاحتياطى فى مصر وكيف ترى منظمات حقوق الإنسان ما وصل إليه القانون والبدائل المطروحة لها.. وهل الدولة جادة بالفعل فى القضاء على أزمات الحبس الاحتياطى.. وكيف يمكن تعويض المحبوس احتياطيا حال براءته.

 

الجريدة الرسمية