500 ألف مقاتل جماعة الحوثي.. مخاطر عسكرة البحر الأحمر.. تضخم قوة الحوثيين يفرض تحديات ومصالح متعارضة على المنطقة.. تهدئة الأوضاع مرتبطة بانتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة
تضخم قوة الحوثيين وما يصاحب ذلك في تضارب من المصالح مشكلة ليست سهلة للمنطقة، فالعدوان على غزة، يفاقم من الأزمة فى البحر الأحمر، في ظل تصعيد الحوثيين من الهجمات أقصى جنوب الحدود الشرقية لمصر، مما يؤثر بالسلب في الاقتصاد المصري بسبب تراجع عوائد قناة السويس التي تمثل شريان حياة مهم للقاهرة في ظل احتياج شديد للعملات الأجنبية التي كانت تأتي من أهم ممر ملاحي في العالم.
تقول السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن البحر الأحمر هو ملف أمن قومي مصري مهم للغاية، لافتة إلى أنه كان مصدرًا للعديد من التهديدات بالغة الخطورة بدءًا من أعمال القرصنة التي كانت مرتبطة بالأحداث التي تجري بالصومال مرورًا بما يحدث من حرب في غزة حاليًّا ثم رد فعل الحوثيين وهجماتهم على السفن ما هدد الملاحة فى هذه المنطقة الهامة وأثر في قناة السويس.
وأشارت مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى أن الأوضاع فى البحر الأحمر ملتهبه وهذه المنطقة تمثل مسألة أمن قومى بالنسبة لمصر، مؤكدة أن التهدئة في البحر الأحمر مرتبطة بما يحدث في غزة وانتهاء العدوان الإسرائيلي الذي تخطى الـ9 أشهر.
وشددت منى عمر على أن مصر تقوم بجهود كثيرة جدًّا في ملف البحر الأحمر حتى من قبل أزمة غزة الأخيرة، إذ كانت تسلك اتجاه تنموى تعاونى تكاملى للدول المشاطئة للبحر الأحمر للتكثيف من الأنشطة الاقتصادية التكاملية والهامة سواء في مجالات السياحة أوالتعدين أو أكثر من مجال، وهذا كان التوجه الأساسى للقاهرة، مضيفة: مصر حاليا تحمي أمنها القومي في منطقة البحر الأحمر سواء من الناحية البحرية أو البرية وتأمين وحماية السواحل التى أصبحت وجهة للسائحين من كافة أنحاء العالم.
وأكدت مساعد وزير الخارجية الأسبق، أنه بعد انتهاء الحرب فى غزة ستعود السفن وحركة الملاحة إلى قناة السويس، نظرا إلى أن الطريق الجديد الذي تسلكه السفن التجارية (رأس الرجاء الصالح) أو غيره من الطرق مكلف جدًّا ويزيد الأعباء المالية على حركة التجارة العالمية ما يساهم في زيادة أسعار المنتجات وتقليل حجم التجارة.
وأوضحت أنه من مصلحة شركات النقل البحرية اتباع طريق قناة السويس، لافتة إلى أن مصر لا تتوانى عن تقديم مبادرات وحلول وإصلاحات وتوسيعات ومزيد من الخدمات لتحسين عملية المرور فى قناة السويس وبالتأكيد ستعود حركة الملاحة إلى سابق عهدها من جديد.
امتناع مصر عن مواجهة الحوثيين
فيما قال السفير رخا حسن مساعد وزير الخارجية الأسبق: بالنسبة لهجوم الحوثيين على السفن المرتبطة بإسرائيل فهذه مسالة تحتاج إلى توضيح، ما هى وجهة نظر الجماعة اليمنية، لأن هذا يمثل عامل مهم جدا فى هذا الملف.
وأضاف أن وجهة نظر الحوثى أنهم بدأوا هذه العمليات ضد السفن الإسرائيلية مناصرة لقطاع غزة، وبعد بدء أمريكا وبريطانيا فى الهجوم على مواقعهم ومراكز قيادتهم فى اليمن، تم ضم السفن الأمريكية والبريطانية إلى السفن الممنوعة من مرور باب المندب والبحر الأحمر.
وأوضح أن شروط الحوثيين وقف إطلاق النار فى غزة ورفع الحصار عن القطاع وإدخال المساعدات الإنسانية بكميات كافية، كما اشترطوا أن تعلن السفن التى تمر عبر البحر الأحمر عن وجهتها فإذا لم تكن وجهتها إسرائيل لن يتعرضوا لها.
أما إذا كانت وجهتها إسرائيل ينذروها بالعودة أو استهدافها حال امتناعها عن الاستجابة للتحذيرات، ولكن بعد ضغوط أمريكية وبريطانية رفض عدد من الشركات العالمية الكبرى إطلاع الحوثيين على خط سيرهم، وفضلوا الاتجاه إلى طريق رأس الرجاء الصالح رغم أنه أطول وأبطأ وأكثر تكلفة.
وتابع مساعد وزير الخارجية الأسبق: “الولايات المتحدة وبريطانيا بدلا من العمل على وقف الحرب فى قطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحاصرين، اتجهوا إلى شن حرب على الحوثيين، وهذا يعنى تأييدهم المطلق لإسرائيل”، لافتا إلى أن مصر فى موقف حساس ودقيق للغاية لأن ما يحدث فى البحر الأحمر أثر نسبيا على قناة السويس، وبالتالى تراجع الدخل المتوقع من القناة بالعملة الصعبة.
وأضاف أن الحوثيين يقولون إنهم لا يريدون إلحاق الضرر بالدول المشاطئة للبحر الأحمر، وأن هدفهم مساندة المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة، ولكن هذه الصوره لا يتم توضيحها فى الإعلام العربى الذى ينقل عن الإعلام الغربى ويتجاوز الأسباب الأساسية للأزمة.
وأضاف مساعد وزير الخارجية الأسبق: “جماعة الحوثى تتضرر من الهجمات فى البحر الأحمر أيضًا، لكنهم يقولون إن هذا ثمن مساندتهم للمقاومة الفلسطينية هما وحزب الله، مؤكدا أن وقف القتال فى غزة أسهل حل لأزمة البحر الأحمر، لاسيما بعد أن أعلن الحوثيين أنهم مهما تعرضو لخسائر لن يتوقفوا إلا فى حالة واحدة وهى وقف القتال والحصار وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة”.
وعن التحالفات التى تم تدشينها لحماية البحر الأحمر وامتناع مصر عن الانضمام إليها، قال رخا حسن: “الحوثيون يعلنون تأييد المقاومة الفلسطينية التى تقاتل ضد دولة الاحتلال الإسرائيلى، وبالتالى الانضمام للتحالف المعادى لهم يعد تأييدا لإسرائيل وسيعرض مصر لانتقادات شديدة، كأننا نعترض على مساندة المقاومة.
واستطرد رخا حسن: “صواريخ ومسيرات الحوثيين متنقله، لذا ينفذون عملياتهم ويتحركون سريعا مما يعرقل عملية رصدهم مؤكدا أن المواجهة مع الحوثيين عملية لن تسفر عن نتائج محسوسة وحاسمة لأن صواريخ أمريكا وبريطانيا عاليه التكلفة ولا تقوم إلا بتدمير أشياء بسيطة، كما أن إيران تدعم الحوثى وتساندهم وتمدهم بالأسلحة”.
من ناحيته، قال الدكتور معتز سلامة، الخبير فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن مصر من أكثر الدول التى تأثرت سلبا بما يحدث فى البحر الأحمر، حيث تراجعت عائدات قناة السويس على مدى الأشهر الماضية، وإذا استمر هذا الوضع للفترة المقبلة فهذا يعنى أن القاهرة لن تراهن لفترة قادمة على عائدات القناة، وتقديرات الموازنة العامة لن تاخذ فى اعتباراها عائدات قناة السويس كما كانت متوقعة أو مستهدفة، كما أن هناك خسائر أخرى تتعلق بملف السياحة الذى يرتبط بالاستقرار الإقليمى بشكل عام.
وتابع الخبير فى مركز الأهرام: “مصر دشنت قناة السويس الجديدة واجتهدت لتطوير المنطقة اللوجيستية للقناة وراهنت على تحويلها إلى منطقة لوجيسيتية عالمية، وأنفقت القاهرة العديد من الأموال لتطوير البنية التحتية لاستغلال موقع مصر كمركز تجارى عالمي”، لافتا إلى أن كل هذه الرهانات ستتأثر إذا استمرت الحرب والمواجهات فى البحر الأحمر.
وأضاف معتز سلامة: “مصر إزاء تحديات متضاربة ومصالح متعارضة، وبالتأكيد المواجهات فى البحر الأحمر ستعرض إسرائيل لخسائر كبيرة ومهمة كما تتعرض لها القاهرة، ولكن خسائر دولة الاحتلال تعدل كفة القضية الفلسطينية وتدفع للبحث عن حل للأزمة الموجودة منذ عقود، ومن الممكن أن يكون هناك مكاسب قد تعود مستقبلا على القضية الفلسطينية”.
وتابع الخبير فى مركز الأهرام: مصلحة مصر الأساسية فى الوقت الحالى، هو أن تنتهى الحرب فى غزة والمواجهة فى البحر الأحمر ويكون هناك اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مما يمثل أولوية فى الوقت الحالى لدى جمهورية مصر العربية.
وأضاف: لا خوف على قناة السويس من الناحية الاستراتيجية سواء من الوضع الراهن والحرب، أو من المشروعات المتعلة بالنقل البحرى فى المنطقة، موضحا أن كل هذه المشروعات لن تكون بديلا مطلقا عن قناة السويس، وسيظل موقع مصر استراتيجى ومحورى، وهذا الأمر ليس من باب الشعارات ولكن تجسيد للموقف الدولى ومن خلال نظرة موضوعية لهذا الأمر.
واستطرد سلامة: بعد انتهاء الحرب فى غزة لن تعود كل السفن إلى البحر الأحمر مرة واحدة، بل ستأخذ وقتا قليلا حتى تعود الأمور إلى طبيعتها، حتى فى حال إتمام مبادرة وقف إطلاق نار مستدام فى القطاع سنأخذ وقتا حتى يتم ترجمة المبادرة على الأرض، ولكن سيظل السؤال باقيا هل تنتهى المواجهة بين الحوثيين وإسرائيل فى البحر الأحمر؟
وتابع: مواجهات إسرائيل مع الجماعات المسلحة أصبحت مواجهة مفتوحة، وفى حال تحويل العدوان من غزة ضد حزب الله فى لبنان سيستمر الحوثيون فى مهاجمة السفن. مردفا: نحن إزاء معادلة إقليمية كبيرة، وكافة الأطراف تعيد حساباتها.
وأوضح سلامة: المواجهة العسكرية الراهنة كبدت إسرائيل خسائر فادحة وتم إعلان إفلاس ميناء إيلات رسميا منذ أيام، وإذا تم الاتفاق على مبادرة لوقف إطلاق النار ستظل التوترات فترة، ولكن الحركة ستعود إلى قناة السويس خلال أشهر معدودة، وربما تزيد أيضًا، نظرا لأن هناك حالة تعطش دولى لهذا الممر البحرى الهام فى ظل بطء معدلات التجارة وارتفاع نفقات الشحن والمخاطر التى تتعرض لها السفن فى طريق رأس الرجاء الصالح.
واستكمل: هناك جماعات إرهابية وقرصنه تعرض التجارة الدولية وتكلفها خسائر كبيرة فى هذا الطريق، وبالتالى ممر قناة السويس الأكثر أمنا إذا عادت الأمور لطبيعتها.
وعن تحركات مصر فى هذا الملف، قال سلامة: القاهرة ركزت فى المقام الأول على موضوع تسكين جبهة غزة والعمل على إنجاح كل مبادرة ولو صغيرة من شأنها وقف العدوان.
وفيما يتعلق بالبحر الأحمر يبدو أن هناك قناعات أن المسألة لا يجب أن يتم تحميلها لمصر فقط، فهناك اعتبارات أشمل، والبحر الأحمر ليس ممرا مصريا أو عربيا فقط، بل ممر عالمى له قيمته وأهميته لكافة الدول، وليس مصر الوحيدة المنوط بها حماية البحر الاحمر”.
واستكمل الخبير فى مركز الأهرام: هناك حدود للمواجهة مع الحوثيين رغم ضرر مصر، والمسئولية تعود على العالم كله، ويجب أن تشارك جميع الدول المعنية.
وأوضح سلامة أنه يجب على الدول ألا تبحث عن الردع العسكرى والأمنى فقط، مؤكدا أنه من المفترض أن يكون خلف هذه التحركات رؤية سياسية لمشكلات الإقليم المعقدة والمتشابكة، مشبها ما يحدث بإلقاء مزيد من الوقود فى النار.
وتابع: الحوثيون بالفعل تجاوزوا مسألة التهديد فى البحر الأحمر، ويتجهون لأبعاد ومساحات إقليمية أوسع نشاطا، ويهددون باستهداف السفن الإسرائيلية والأمريكية فى البحر المتوسط والمحيط الهندى وعبر طريق رأس الرجاء الصالح أيضًا، مؤكدا أن طموحهم الإقليمى تجاوز مسالة البحر الأحمر والملموس أنهم لا يطلقون تهديدات فارغة بل ينفذوها ولديهم الوسائل المناسبة.
واستكمل: “لابد من التعامل مع هذا الملف فى سياق إقليمى أوسع، والإدارك أن استمرار النظر للحوثيين على أنهم جماعة ذات قدرات محدودة سيؤدى إلى مشكلات كبيرة، مردفا: لقد دخلوا فى حرب مع السعودية لمدة 7 سنوات ولم ينكسروا، والمملكة أدركت هذا وهى التى تسعى حاليا لاستيعاب المشكلة فى اليمن والتفاوض مع الحوثيين.
وشدد الخبير فى مركز الأهرام على أن الدبلوماسية المصرية عريقة وذات امتداد تاريخى، ولديها ميراث هائل فيما يتعلق بالأزمات وإداراتها، بالإضافة إلى الخبرات المتعددة فى الإقليم والتحالفات الدولية بشكل عام، والميراث الهائل والمتنوع والمزدهر للدبلوماسية المصرية يكسبها خبرات هائلة يؤثر فى تحركاتها الحالية فيما يتعلق بالأزمات الجارية.
وأضاف: فى اعتقادى أن ما يجرى فى البحر الأحمر ليس بعيدا عن العقل المصرى والتناول الدبلوماسى والسياسى والأمنى، ومن الممكن أن يكون هناك استشارات محدودة، ولكن أن تكون القاهرة خاضعة ضمن تحالف ما، يتخذ القرار بالنيابة عنها هذا غير موجود أو غير قائم فى السياسة المصرية.
كما أن موقف مصر التاريخى من الانضمام للتحالفات العسكرية أثبت أنه الأكثر حكمة، فالرفض المصرى أو الامتناع لا يكون صارخا، بينما هذه التحالفات والدول المشاركة بها تتفهم موقف القاهرة، إذ إن طريقة الامتناع وحدود التفاهم والتباحث يلمسها الدبلوماسيين والأمنيين على الجوانب المختلفة.
من ناحيته، كشف معتز سلامة أن مصر لها وجود بحرى عسكرى هو الأكثر تأثيرا فى البحر الأحمر، وأن القاهرة على معرفة بكل ما يجرى، لكنها فى النهاية تعرف طريقة وسياسات الغرب، فحين تحدث مشكلة أو أزمة وتندلع حرب فى الإقليم، تقوم أمريكا والدول الغربية بأخذ أصولها العسكرية والمادية وتترك المشكلة للإقليم، وهذا ناتج عن خبرات السنين للتحركات المصرية النشطة فى المنطقة.
وشدد الخبير فى مركز الأهرام على أن الموقف المصرى الحالى مما يحدث بالتأكيد هو الأكثر حكمة، فالقاهرة تعلن انفتاحها على كل المبادرات الدبلوماسية والأمنية وتبذل أقصى جهودها لضمان أمن البحر الأحمر، لكن إذا كانت هناك خطوات وتحركات تدرك الدبلوماسية المصرية أنها قد يترتب عنها مشكلات أو أزمات فى الإقليم بعد أشهر أو سنوات فهى تمتنع عنها، مشيرا إلى أن القاهرة تتعامل بصبر استراتيجى كبير وضبط نفس غير عادى.