رئيس التحرير
عصام كامل

غزة تحترق العدو يعبث فى الممر.. 1982 وضع بروتوكول محور فلادلفيا.. «طوفان الأقصى» تكشف مخططات جيش الاحتلال.. وسيناء فى عقل الحاخامات والمستوطنين

غزة
غزة

بمفهوم الأمن القومى، هى “بوابة مصر” الواجب حراستها جيدًا، وبمفهوم العروبة هى “أم القضايا” على مدار نحو ثمانية عقود، ومازالت السنين الطويلة غير قادرة على الحسم، بل كل فترة يطرأ حدث يغير الأوراق، ويرتب قواعد جديدة للمنطقة.

والسابع من أكتوبر، أو “طوفان الأقصى” هو حدث كبير أيضًا، وله تطوراته بشكل ملحوظ، خاصة بالنسبة لمصر التى عملت من اللحظة الأولى على التواصل مع الجانبين لوقف إطلاق النار ودعوتهما لضبط النفس ومحاولة إيصال المساعدات الإنسانية الى القطاع المدمر الذى قطعت عنه إسرائيل الماء والكهرباء وأغلقت جميع المعابر والمنافذ المؤدية اليه، والتصدى لمحاولة التهجير القسرى للغزاويين إلى سيناء، ومن ثم السيطرة على معبر رفح والعبث فى محور فيلادلفيا لصياغة معادلة جديدة على الأرض هدفها فى الأصل أرض سيناء.

القاهرة كانت واضحة منذ البداية أيضًا فى المواقف، لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية، وذلك مع تزايد دعوات اليمين الإسرائيلى وجيش الاحتلال لسكان غزة التى تحترق بالتوجه إلى مصر إن أرادوا تجنب الضربات الجوية الإسرائيلية، كما أكدت القاهرة أن الموقف المصرى ثابت فى إطاره العام المتمثل فى حل الدولتين وإدخال المساعدات للمدنيين وفتح المعابر للمصابين، وهو ما تنادى به القاهرة منذ سنوات.

 

اللواء محمد عبد الواحد، الخبير الأمنى والاستراتيجى يقول لـ”فيتو”، إنه منذ أحداث السابع من أكتوبر وحتى الآن كل الشواهد تدل على أن إسرائيل لها أهداف أخرى غير الأهداف المعلنة، فالاحتلال يعلن أنه يريد تفكيك البنية العسكرية لحماس، وأنه يرغب فى تحرير الأسرى، لكن كل تلك الأهداف صعب تحقيقها للغاية، لأن تحقيق ذلك بالقوة سيؤدى إلى وفاة الأسرى أثناء مهاجمتهم، وبالتالى من الصعب جدا تنفيذ هذا المخطط.

وتابع بأن تلك هى الأهداف التى يقدمها الاحتلال للرأى العام العالمى، حتى يعطيه العالم شرعية الدفاع عن نفسه، أما الحقيقة، والتى جعلت أغلب دول العالم، وبعض المحللين يتشككوا فى أحداث السابع من أكتوبر، بالقول إن إسرائيل كانت على علم بتلك الأحداث مسبقًا وكان هناك تسجيلات ومعلومات استخباراتية بها لكنهم تركوهم ينفذوا مخططهم حتى تكون لديهم ما يسمى بـ”استراتيجية التبرير” لما يقومون به الآن من أعمال وحشية.

وألمح عبد الواحد، إلى أن استراتيجية التبرير يعلمها كل من يعمل فى أجهزة الاستخبارات، فعندما ترغب دولة فى اتخاذ قرار صعب مثلًا كاحتلال وتهجير أهالى غزة، فلا بد من حدث كبير جدًا، لذا فدولة الاحتلال تركت المساحة لأحداث السابع من أكتوبر وسلطت الضوء عليه من قبل الإعلام بشكل كبير، كما زادت عليه بالمزيد من الأكاذيب لجعله حدث جلل، وجعلت الطيران الإسرائيلى يضرب أماكن احتجاز الأسرى لاتهام حماس بقتل الرهائن، إضافة إلى اتهام عناصر الحركة باغتصاب الأسرى وقتل الأطفال نشر مقاطع فيديو مفبركة لضرب أماكن إسرائيلية.

واستكمل: للأسف لا يمكننا توثيق ذلك بشكل رسمى كونه عمل استخباراتى، لكن كل الشواهد تؤكد أن إسرائيل لديها أهداف أخرى كتدمير قطاع غزة وجعله غير صالح للسكن الأدمى ومسح مربعات سكنية كاملة بسكانها، وتدمير كل الخدمات التى لا يمكن لأى إنسان العيش بدونها كمحطات المياه والصرف الصحى والكهرباء والمدارس والمستشفيات، وبالتالى كل ذلك يجعل الشعب يصاب بحالة من الإحباط الشديد والبحث عن مأوى جديد وأرض أخرى يعيشوا عليها بسلام بعيدًا عن الضرب والقصف والمدفعيات.

التهجير إلى سيناء

وبشأن مخطط التهجير إلى سيناء، قال الخبير الأمنى، حتى الأن لم تذكر دولة الاحتلال اسم مصر بشكل رسمى ومن المستحيل القول بأن لديها رغبة فى احتلال سيناء، لكن يمكن استشعار ذلك من خلال خطة التهجير، فإسرائيل تحاول تهجير ونزوح الفلسطينيين بحيث لا يكون أمامهم سوى سيناء مثلما حدث فى عام 2008، عندما هجموا بعض مواطنى غزة، على جزء من الجدار الحدودى، وتدفق عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى مدينتى العريش والشيخ زويد بشمال سيناء، لشراء مواد غذائية بعد فرض إسرائيل حصارا مشددا على القطاع.

لكن القيادة السياسية المصرية كانت فاطنة لهذا الموضوع وأحبطت المخطط من خلال الإعلان عنه والترويج له عالميَا ومن خلال استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسى، وفود أجنبية وقادة ومسئولين أجانب وتم فضح هذا المخطط.

ولهذا السبب كان لدى دولة الاحتلال إصرار شديد فى دخول محور فيلادلفيا ورفح -الحدود بين مصر وغزة- وذلك لأن وجودها به يمكن أن يجعل الحياة مستحيلة لدى سكان القطاع، حيث يمكن أن تدفع السكان للنزوح، ومن ثم تقوم بقصف السور أو تفجيره حتى يتمكن الغزاويون من العبور من خلاله لمصر، وهذا هو السبب الوحيد للمخاوف من اجتياح رفح أو التواجد على محور فيلادلفيا.

وأشار إلى أن الاحتلال قادر على فعل ذلك من خلال القيام باستخدام التجويع ومنع الطعام والشراب والحصار الشديد على قطاع غزة بالكامل وجعل القطاع مستعمرة بشرية، وهذه تعد جريمة من جرائم الفصل العنصرى فـمصر لم ولن تشارك فى هذه الجريمة، وترفض تماما وجود جيش الاحتلال الإسرائيلى فى هذه المنطقة.

وأوضح أن ضرب دولة الاحتلال للمعبر، هدفه السيطرة على كل المساعدات الإنسانية كالطعام والشراب والدواء وكل شيء ومن ثم يقوم بتوظيفهم توظيف سياسى، ومن ثم يتم استخدام ذلك فى المساومة كقتل الشعب أو تنفيذ مطالبه.

المطامع فى الأرض المصرية

وعن أطماع إسرائيل فى الأراضى المصرية رغم وجود اتفاقية كامب ديفيد، أكد اللواء محمد عبد الواحة، أن الاحتلال يعمل حتى الآن، بشكل خفى ولم يذكر أى تصريح عن رغبته ومطامعه فى الأراضى المصرية، لكن ما يقوم به يهدد اتفاقية كامب ديفيد، وبالرجوع إليها وما قبلها عندما أرادت مصر توقيع اتفاقية السلام عام 1979، قررت القاهرة وضع برتوكول أمنى عسكرى، لكنه شهد اختلافات كثيرة لذا خرج للعلن عام 1982 تحت مسمى “البروتوكول الأمنى أو برتوكول محور فيلادلفيا”.

ونص البرتوكول على أنه تم الاتفاق على تقسيم سيناء الى 4 قطاعات بالطول “أ - ب- ج- د” وفى كل قطاع تم تخصيص شروط وقواعد معينة فمثلا “ قطاع أ” يتواجد فيه قوات جيش بعدد معين ومواصفات سلاح معينة وكتائب ومدرعات محددة، أما “ المنطقة ب” تكون أقل من حيث العدد ونوعية السلاح والكتائب، وفى “المنطقة ج” التى تقع فى مصر مثل شرم الشيخ وطابا رفض وجود جيش بها لكن تم وضع قوات شرطة وبعض قوات حرس الحدود، أما عن “المنطقة د “ والتى تقع داخل غزة وإسرائيل على الشريط الحدودى تم الاتفاق على عدم وضع الاحتلال لقوات أو أسلحة ثقيلة أو دبابات أو صواريخ أو قنابل، ولكن يوضع فقط عدد 4 كتائب مشاه بحد أقصى 4 آلاف جندى للكتائب كاملة.

وتابع: كل ما سبق كان توضيح لاتفاقية السلام، والآن عندما يحاول جيش الاحتلال دخول محور فيلادلفيا بدبابات وجيش ودخول الفرقة 162 بالكامل كل ذلك يعد انتهاكا لاتفاقية السلام، كما أشار الى بند “الآلية النشطة” والتى تشير إلى وقوع حدث معين يستلزم زيادة عدد قوات لمواجهة الإرهاب أو شيء آخر، فهنا لا يمكن هدم اتفاقية السلام لكن يجب الرجوع الى بند اتفاقية “الآلية النشطة” الذى يشهد مرونة كبيرة، شرط إخطار الطرف الآخر وتنفيذ لجنة ثنائية وطرح المتطلبات الخاصة بالأمور المستحدثة التى طرأت عليه ومناقشتها لتزويد عدد القوات أو السلاح.

وهو ما حدث عندما دخل الإرهاب سيناء، حينها لجأت مصر لتلك الآلية ونظمت لجنة ثنائية ولم تخترق القواعد وأخطرتهم بوجود إرهاب فى سيناء، وأنها ترغب فى زيادة عدد قواتها وسلاحها، وبالفعل تم التصديق عليها عدة مرات فى عام 2011 و2012 و2013 و2021، وتمكنت مصر من إدخال قوات ومعدات ثقيلة حتى المنطقة “أ” و“ب” ومحاربة الإرهاب فى العريش ورفح.

لكن على الجهة الأخرى، وما يحدث حاليا لكى يدخل الاحتلال إلى تلك المنطقة لا بد من اللجوء الى الآلية النشطة واللجنة الثنائية وموافقة الجانب المصرى على دخولهم الى تلك القطاعات، وهو ما لم تقم به إسرائيل، ويعتبر ذلك مخالفة للاتفاقية المبرمة بين الطرفين، وبالتالى هذه القوات تشكل تهديدا على مصر.

وعن رد الموقف المصرى على تلك المخالفة، أشار الى لجوئها إلى بعض الإجراءات التصعيدية والتهديد بتجميد اتفاقية السلام وقطع العلاقات الدبلوماسية كسحب السفراء والانضمام لجنوب أفريقيا فى المرافعات ضد إسرائيل أمام العدل الدولية، وتقديم شكوى فى الأمم المتحدة، لكن حتى الأن مصر لم تنفذ رسميا أى تهديد ضد دولة الاحتلال نظرا لكونها تقوم بدور محورى كبير جدا وهو دور الوساطة وبتالى تحاول امتصاص غضب إسرائيل حتى يتم وقف إطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية وسحب القوات الإسرائيلية لقواتها من قطاع غزة.

غزة خط مواجهة

من جانبه قال الدكتور أيمن الرقب استاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن مصر تعتبر أن قطاع غزة بالتحديد هو خط مواجهة ضد المشروع الصهيونى الذى يسعى للسيطرة على كل المنطقة رغم تراجع هذا الفكر بشكل أساسى بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.

فقطاع غزة جزء من غلاف الأمن القومى المصرى وتأمين هذه البوابة مهمة، وظهر ذلك جليا عندما انتشر سابقا الإرهاب فى سيناء، حيث سعت مصر خلال فترة طويلة لأن يكون قطاع غزة منطقة صديقة لمصر لمنع انتقال الإرهابيين عبر الأنفاق إلى قطاع غزة والعودة إلى سيناء، إضافة إلى أن قرابة 35%من سكان قطاع غزة من جذور مصرية.

وأوضح الرقب، أن العلاقة بين مصر وقطاع غزة علاقة تاريخية، حيث يقال إن من هذه البوابة جاء الهكسوس ما قبل التاريخ فى الحرب على مصر، وبالتالى تأمين هذه البوابة مهمة جدا فهى حصن منيع، القاهرة كانت ولا زالت منزعجة مما يقوم به الاحتلال فى قطاع غزة وبالتحديد محور فيلادلفيا أو (محور صلاح الدين).

وتابع: دولة الاحتلال التى خاضت على مدار 10 شهور حرب مع فصيل فلسطينى وشعب أعزل، تعلم جيدًا أنها لن تجرؤ على خوض حرب مرة أخرى مع دولة بثقل مصر، لذلك فهى لن تجرؤ على الدخول فى معركة مع جيش نظامى حتى لو كان لها مطمع فى سيناء، لذلك فهى تسعى بشكل واضح الى ازاحة الكتلة السكانية من غزة تجاه سيناء لجعل منطقة غزة منطقة خالية لاستغلال الغاز الذى تم اكتشافه فى حقل غزة مارينا، واستغلال هذه المنطقة.

وأشار إلى أن مصر تدرك جيدًا ما يخطط له الاحتلال فى هذا الأمر بشكل كبير جدا، مشيرا إلى حديث بنيامين نتنياهو صراحة فى سبتمبر العام الماضى أمام الأمم المتحدة أكبر دليل على مطامعه، عندما رسم بالخط الأحمر خط يصل بين إيلات والبحر الابيض يمر عبر غزة.

وأوضح أن الأمر لا يتعلق بوقف المطامع الصهيونية بل مرتبط بعلاقة تاريخية لشعب فلسطين الذى تشعر مصر بمسئولية تجاهه، إضافة إلى أن عودة الإسرائيليين إلى سيناء أمر مستبعد بشكل ما أو بأخر، رغم أن هناك قلة تنادى باحتلال سيناء من غلاة المتطرفين الصهاينة.

خريطة إسرائيل الكبرى

وأكمل “الرقب”، أن اتفاقية كامب ديفيد، أنهت المشروع الصهيونى الذى كان يطمح فى بناء دولة إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات، لكن فى حرب غزة وجد بعض الجنود الإسرائيليين يضعون على بدلهم العسكرية صورة جديدة لخارطة اسرائيل الكبرى ممتدة من النيل الى الفرات، وهذا يؤكد أن الفكرة ما زالت تدور فى ذهن بعض المتطرفين واليمين والمتدينين والذين يرون أن جزءا من مصر هى أراضى يهودية.

وتابع: الاحتلال يرى أن توقيع اتفاق سلام مع الرئيس السادات والانسحاب من أراضى سيناء كان خطأ تاريخيا كبير ويجب إصلاحه، وأنهم ليسوا أصحاب قرار فى هذا المشروع حيث يطرح بين الحين والآخر هذه الفكرة، ويتحدثوا عن إسرائيل الكبرى، حتى أن هذه الأفكار التى كانت بالسابق يروجوا لها رغم علمهم أن من الاستحالة الوصول لها، ليس لأن عدد اليهود قليل فى العالم، وأن الصهيونية أكبر والتى تقدر بـ700 مليون حول العالم ولكنهم يدركون أنهم لن يتمكنوا من الإقدام على احتلال سيناء، ولن يكون لهم طاقة لمواجهة واحتلال دولة كمصر ولا العودة بسهولة إلى مشروع إنشاء إسرائيل الكبرى، فهذا الأمر بات مستحيلا.

سيناء فى عقل الخامات واليمين

من ناحية أخرى، يوضح أحمد فؤاد أنور عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن هناك مجموعات من الحاخامات ومجموعات منظمة من المستوطنين السابقين فى سيناء ومجموعة من الأكاديميين، والأخطر أن هناك مجموعة من الحكوميين ووزراء فى حكومة نتنياهو يريدون العودة إلى سيناء، وهناك جمع تبرعات لهذا الغرض بالإضافة لاحتلال مناطق فى لبنان والأردن.

وأوضح أنه فى مقابل شعار السلام يوجد مجموعة ترفع شعار الاحتلال بزعم أن تجريب السلام لم يحقق شيئًا، وهذا الأمر يتم ترجمته على الأرض إلى بيع ملابس “تيشيرتات” عليها خريطة شبه جزيرة سيناء، والتى تطالب بالعودة إليها واحتلالها، وأيضا مجموعة من الأكواب المصنوعة من الفخار، والتى يتم بيعها بثمن مبالغ فيه كنوع من التبرع غير المباشر لنفس الغرض، فكل هذه الأمور بالغة الخطورة وتنم عن مخطط شامل كان يتمنى الاحتلال فى ظل الإرهاب والانفلات فى شبة جزيرة سيناء التمدد والتوسع فى هذه الأرض تحت مظلة هذا الإرهاب.

 

الجريدة الرسمية