رئيس التحرير
عصام كامل

سد النهضة العطش يهدد الجميع.. 11 مليار متر مكعب السعة الممكنة لسد النهضة وفقا لدراسة أمريكية أجريت عام 1964.. مكتب الاستصلاح الأمريكى وضع المخطط المبدئى للسد.. وزيناوى رفع حجمه 7 أضعاف

سد النهضة
سد النهضة

كعادة مصر، يأتيها أعداؤها من حيث ما وهبها الله من خيرات، فى محاولة للسيطرة على قرار البلد الأهم على مستوى الجغرافيا السياسية فى الشرق الأوسط، ولا أهم لمصر من نهر النيل، مصدر حياتها، ومنبع حضارتها وسبب استمرارها فى قلب التاريخ، وهو أساس مستقبلها أيضًا.

منذ عقود طويلة وتتجه أنظار كل عدو إلى نهر النيل ومنابعه والحلم بالسيطرة على عنفوان النهر ومنع مياهه من الوصول إلى المتوسط، وفى ذلك كانت المحاولات كثيرة، بداية من رغبة البحارة البرتغاليين السيطرة على منابع النيل فى الحبشة لإحداث مجاعة كبرى فى مصر إثر خلافهم مع دولة المماليك المسيطرة على طرق التجارة بين الشرق والغرب عبر البحر الأحمر وسيناء.

وبنفس المنطق فكر أيضًا لويس الرابع عشر وكذلك الإيطاليون خلال احتلالهم للحبشة لكن باءت كل تلك المحاولات بالفشل قبل أن نصل إلى نقطة سد النهضة الذى أصبح حجر عثرة أمام مستقبل مصر، فى ظل التعنت الإثيوبى المدعوم من قوى تستهدف مصر، ليكون السد محبسا على النيل الأزرق الذى تبلغ تدفقاته السنوية أكثر من 80% من حجم نهر النيل.

بدأ التفكير فى سد النهضة منتصف ستينيات القرن الماضى، وهو فكرة أمريكية خالصة وضعها مكتب الاستصلاح الأمريكى وهو أحد أهم المؤسسات الفيدرالية الأمريكية المختصة بإدارة الموارد المائية فى الولايات المتحدة، وذلك بعد أن وقعت مصر اتفاقية القرض السوفييتى لبناء السد العالى عقب انتهاء العدوان الثلاثى فى 1956، وهو ما أثار الحفيظة الإثيوبية والملك هيلا سيلاسى الذى كان أكبر المعارضين لفكرة السد العالى ولاتفاقية مياه النيل الموقعة بين مصر والسودان عام 1959، والتى تقتضى بتقاسم مصر والسودان فوائض النهر التى ستحبس خلف السد العالى، وهى الاتفاقية التى تقر بحصة مصر التاريخية من نهر النيل والبالغة 55.5 مليار متر مكعب.

وهو ما اعتبرته إثيوبيا وقتها تجاهلا لها رغم عدم تأثرها بأى شكل من إنشاء السد، ليجد سيلاسى ضالته فى الولايات المتحدة التى وضعت مصر ونظام الرئيس عبد الناصر موضع العدو وبدأت من خلال مكتب الاستصلاح الأمريكى إجراء دراسات معمقة على حوض النيل الأزرق عام 1958، واستمرت تلك الدراسات حتى عام 1964 وتمثلت مخرجاتها فى وضع خريطة كاملة لأكثر من 30 مشروعا مائيا على النيل الأزرق لاحتجاز قرابة 70 مليار متر مكعب من مياه النهر.

من ضمن المشروعات الموصى بها هو سد الحدود المعروف الآن بسد النهضة الإثيوبى العظيم - Grand Ethiopian Renaissance Dam - وفى دراسات مكتب الاستصلاح الأمريكى، قدرت السعة الكاملة لمشروع سد الحدود بـ 11 مليار متر مكعب وهى السعة الممكنة لهذا المشروع نظرًا لوجود وادى بطول 5 كيلومترات غرب جسد السد يمنع ارتفاع المياه إلى أكثر من السعة المذكورة لمرور أى كميات زائدة من المياه عبره هذا الوادى إلى مجرى النهر خلف السد باتجاه السودان.

وعند سعى إثيوبيا فى عهد الرئيس الراحل ميليس زيناوى لرفع مواصفات سد الحدود بعد الاستقرار على تسميته بسد النهضة تم إقرار مشروع جديد لزيادة سعة الخزان، وهو بناء سد آخر مكمل لإغلاق الوادى السابق ذكره بطول 5 كيلومترات وارتفاع 50 مترا، وهو ما يسمى الآن بسد السرج.

هذا بدوره، مكن إثيوبيا من رفع السعة المستقبلية لسد النهضة إلى 74 مليار متر مكعب وهو رقم له رمزية كبيرة كونه حاصل جمع الحصة المصرية من مياه النيل 55.5 مليار م3 زائد الحصة السودانية 18.5 مليار م3 والتى تم إقرارها بين مصر والسودان فى اتفاقية مياه النيل عام 1959 بعد البدء فى أعمال بناء السد العالى فى أسوان، وهى الاتفاقية التى أثارت الحفيظة الإثيوبية منذ توقيعها، وإلى الآن، وسعى زيناوى بعدها بـ٥١ سنة لخلق اتفاقية موازية لتوزيع حصص من مياه النيل على دول الحوض فى اتفاقية عنتيبى فى مايو 2010 فى محاولة مستمرة إلى الآن لتجريد مصر والسودان من حصصهما التاريخية.

نوايا إثيوبية

وكشفت إثيوبيا خلال العقد الأخير عن نواياها تجاه مصر من خلال سد النهضة والتى ثبت أنها تستهدف الأمن المائى المصرى بشكل مباشر، وهو ما يجعلها رافضة لأى تفاوض حول عمليات ملء وتشغيل السد، للحد الذى استنزف الصبر المصرى فى المفاوضات التى استمرت لأكثر من 10 سنوات واضطرت معها القيادة المصرية لإنهاء مسار المفاوضات بسبب الصلف الإثيوبى المستمر.

وتأتى التصريحات الرسمية للحكومة دائما لتعدد المخاطر الكبيرة لسد النهضة على مصر وتهديده لمظاهر الحياة المختلفة بطول الوادى والدلتا.

حيث أكد الدكتور هانى سويلم وزير الموارد المائية والرى، أن مصر تأتى على رأس قائمة الدول القاحلة والأقل من حيث معدل الأمطار، مع الاعتماد شبه المطلق على نهر النيل بنسبة 98 بالمائة، الذى يأتى من خارج الحدود، ويبلغ نصيب الفرد فى مصر من المياه سنويًا نصف حد الفقر المائى عالميًا، وأن سد النهضة الإثيوبى يعد أحد أمثلة التحركات الأحادية، حيث تم إنشاؤه على نهر النيل دون تشاور ودون إجراء دراسات وافية عن السلامة أو آثاره الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الدول المتشاطئة.

وكشف سويلم أن مثل هذه الممارسات الأحادية غير التعاونية فى تشغيل هذا السد المبالغ فى حجمه يمكن أن يكون لها تأثير كارثى، ففى حالة استمرار تلك الممارسات على التوازى مع فترة جفاف مطول قد ينجم عن ذلك خروج أكثر من مليون و100 ألف شخص من سوق العمل، وفقدان ما يقرب من 15 بالمائة من الرقعة الزراعية المصرية.

ولفت الوزير إلى إشكالية الجفاف المطول، الذى يستمر 7 أو 10 سنين فى حوض نهر النيل، موضحا: حينها سيتنزف مخزون السد العالى، بينما تخزن إثيوبيا المياه فى سد النهضة لتوليد الكهرباء وفى هذه الحالة حياة الناس فى مصر والسودان لها الأولوية عن توليد الكهرباء.. وهذا الأمر كان محل تفاوض.

وتابع: فى حالة إعادة الملء بعد الجفاف المطول، حيث تكون جميع السدود فارغة، فلو اتجهت إثيوبيا لملء سدها، سنتعرض إلى سنوات طويلة من الجفاف، الطبيعى والصناعى بفعل ملء السد، وهذا عنق الزجاجة فى المفاوضات، وقد سعينا للوصول إلى اتفاق قانونى ملزم لماذا يحدث فى الجفاف الممتد ومرحلة إعادة الملء.

مخاطر سد النهضة

وفى السياق ذاته كشف خبراء فى مجال الجيولوجيا والاستشعار عن بعد عن المخاطر الكبرى التى يصدرها سد النهضة إلى مصر والسودان إلى جانب مخاوف الجفاف، حيث أوضح الدكتور عباس شراقى أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة أن سعة تخزين سد النهضة الحالية البالغة 74 مليار متر مكعب تعد خطيرة جدا على مصر والسودان مشيرًا إلى أن سد إثيوبيا مهدد من وجهة نظر الجيولوجيا وذلك بسبب البراكين والجبال البركانية التى جعلت مياه الأمطار الغزيرة تسقط فى فترات قليلة خاصة فى أغسطس وسبتمبر.

وأضاف أن إثيوبيا من أكثر الدول المعرضة للزلازل فى أفريقيا، مما يهدد مستقبل السد وقد يعرضه للانهيار، وهى نفس النظرية التى أيدها الدكتور هشام العسكرى أستاذ نظم وعلوم الأرض بجامعة “تشابمان” الأمريكية حيث أكد على إمكانية انهيار سد النهضة الإثيوبى على غرار انهيار سدود مدينة درنة الليبية.

وقال العسكرى إن إثيوبيا هى الدولة الأولى فى قارة أفريقيا من حيث النشاط الزلزالى والبركانى، وأن سد النهضة يقع بالقرب من منطقة زلزالية.

وأشار العسكرى إلى دراسة أوضحت أن هناك إزاحة غير متوازنة على جانبى سد النهضة، ما يعنى أن كميات المياه الضخمة الجاثمة على القشرة الأرضية للسد يمكن أن تؤدى إلى انزلاقات، وأن ضغط المياه على الأرض يزيد من فرص حدوث الزلازل.

 

الجريدة الرسمية