رئيس التحرير
عصام كامل

الاتفاقية تهدد حصة مصر والسودان من نهر النيل وتضرب عرض الحائط بثلاث اتفاقيات سابقة.. «عنتيبى».. سلاح جديد فى وجه مصر.. تصديق جنوب السودان على الاتفاقية بعد زيارة مهمة لوزير الرى لجوبا

سد النهضة
سد النهضة

بعد أسبوعين بالتمام من زيارة وزير المواردالمائية والرى الدكتور هانى سويلم لجنوب السودان والتى امتدت 4 أيام، صدق برلمان جمهورية جنوب السودان على الاتفاقية الإطارية لحوض النيل المعروفة بـ”عنتيبي”، والتى تعارضها مصر والسودان لإخلالها بالحقوق التاريخية والقانونية لدولتى المصب فى مياه النيل، والمستقرة منذ عام 1959 وفق اتفاقية مياه النيل الموقعة بين مصر والسودان.

الزيارة التى وصفها وزير الرى بالناجحة فى بيان رسمى عقب عودته إلى أرض الوطن تضمنت افتتاحات مصرية لمشروعات متعددة من تمويل وتنفيذ القاهرة بين حفر آبار جوفية وإنشاء مركز للتنبوء بالأمطار والتغيرات المناخية وتطهير بحر الغزال من الحشائش، إلى جانب عقد اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة لمشروعات التعاون الثنائى بين البلدين لبحث موقف المشروعات الجارى تنفيذها والمشروعات المستقبلية التى سيتم تنفيذها.

وتمثل مصادقة برلمان جنوب السودان على “عنتيبي” تغيرا كبيرا فى مواقف جوبا التى تجمعها بالقاهرة علاقة وطيدة تتمثل فى استدامة التعاون المشترك فى إقامة مشروعات متعددة فى المجالات التنموية والموارد المائية، وهو ما يجعل تغير الموقف الجنوب سودانى مفاجئا وغير مفهوم.

رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد أعلن من جانبه أن مصادقة برلمان جنوب السودان على اتفاقية عنتيبى يعتبر إنجازا دبلوماسيا يمثل خطوة مهمة فى تطلعات دول حوض النيل الجماعية للتعاون الإقليمى فى حوض النيل، وزعم أن ذلك سيوفر قوة دافعة للعمل من أجل الصالح العام من خلال إنشاء مفوضية حوض النيل.

وزير الرى الأسبق محمد نصر علام أكد أن اتفاقية عنتيبى، لن تدخل حيز التنفيذ نتيجة تصديق برلمان جنوب السودان عليها، لأن جنوب السودان لم تكن ضمن الدول التسعة، التى شاركت فى مبادرة حوض النيل: كينيا- رواندا- بوروندي- تنزانيا- الكونغو- أوغندا- إثيوبيا- السودان- مصر، ووقتها كما زعموا، أن توقيع الأغلبية (الثلثين أى ٦ دول) يدخل الاتفاقية حيز التنفيذ، وهو ما لم يحدث.

وتابع الدكتور محمد نصر الدين علام: أن انضمام جنوب السودان يجعل العدد الكلى ١٠ دول، والثلثان ٧ دول، وإلا فليس لها قيمة.

واستطرد وقت تحريك ملف اتفاقية عنتيبى عام 2010، إبان عهد الرئيس الراحل حسنى مبارك، رفضت مصر إلى جانب السودان هذه الاتفاقية، ودعم موقف الدولتين الكونغو وبروندى، ولم تتحقق الأغلبية من الدول الـ9 وقتها، وانضمام جنوب السودان التى أصبحت العاشرة، وفى ظل بقاء الدول الأربعة السابق ذكرها على موقفها الرافض للتوقيع -مصر والسودان والكونغو وبروندي- لم تتحقق الأغلبية الكافية وليس لها قيمة وهى والعدم سواء.

الأمن القومى المائي

ومن جانبه حذر الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص فى القانون الدولى العام والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، من خطورة اتفاقية عنتيبى على الأمن المائى لمصر والسودان، مؤكدًا أنها تتعارض بشكل صارخ مع مبادئ القانون الدولى والاتفاقيات التاريخية الخاصة بنهر النيل.

وأوضح مهران فى تصريحات لـ«فيتو»، أن مصادقة برلمان جنوب السودان على اتفاقية الإطار التعاونى لحوض النيل، المعروفة إعلاميا باسم اتفاقية عنتيبى، تمثل تطورًا خطيرًا فى الصراع على مياه النيل، معتبرا أن هذه الخطوة لا تغير من الوضع القانونى للاتفاقية بشكل جوهرى.

وفيما يتعلق بالنصاب القانونى لدخول الاتفاقية حيز التنفيذ، قال مهران: وفقًا لبنود الاتفاقية فإنها تدخل حيز التنفيذ بعد 60 يومًا من مصادقة 6 من الدول الأعضاء عليها، ومع مصادقة جنوب السودان، يصبح عدد الدول المصادقة 6 دول، وهى إثيوبيا، أوغندا، رواندا، تنزانيا، بوروندى، وجنوب السودان.

ومع ذلك شدد أستاذ القانون الدولى على أن هذا الإجراء الشكلى لا يمنح الاتفاقية الشرعية القانونية الكاملة، مضيفا أن القانون الدولى للمياه يؤكد على ضرورة التوافق بين جميع الدول المتشاطئة فى إدارة الموارد المائية المشتركة، وليس فقط أغلبية الدول، وبالتالى فإن غياب موافقة مصر والسودان يجعل الاتفاقية غير ملزمة لهما من الناحية القانونية.

أبرز البنود

وحول أبرز البنود المجحفة فى اتفاقية عنتيبى، أشار الدكتور مهران إلى عدة نقاط المتمثلة فى تجاهل الحقوق التاريخية لمصر والسودان المضمونة بموجب اتفاقيات 1902 و1929 و1959، والتى تضمن لمصر حصة 55.5 مليار متر مكعب سنويًا، وللسودان 18.5 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى أن الاتفاقية تضعف مبدأ الإخطار المسبق لدول المصب عند إقامة مشروعات على النهر، وهو ما يتعارض مع مبادئ القانون الدولى للمياه، فضلا عن أنها تفتح الباب لإعادة توزيع الحصص المائية بين دول الحوض، مما يهدد الأمن المائى لمصر والسودان، والنص على تأسيس مفوضية لحوض النيل قد تتخذ قرارات تضر بمصالح دول المصب.

وحذر مجددا الخبير الدولى من التأثيرات السلبية لهذه الاتفاقية على دولتى المصب، معتبرا أن تنفيذ هذه الاتفاقية سيؤدى إلى تقليص حصتى مصر والسودان من مياه النيل، مما يهدد الأمن الغذائى والمائى للبلدين، كما لفت إلى أنها قد تسمح لدول المنبع بإقامة مشروعات مائية دون مراعاة الآثار السلبية على دول المصب.

وفى ذات السياق، أكد مهران أن اتفاقية عنتيبى تتعارض مع العديد من مبادئ القانون الدولى للمياه، أهمها: مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية المشتركة، مبدأ عدم إلحاق الضرر الجسيم بالدول الأخرى، مبدأ التعاون والتشاور المسبق بين الدول المتشاطئة، بالإضافة إلى تعارضها مع احترام الحقوق المكتسبة والاتفاقيات التاريخية.

وشدد الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية على ضرورة الحفاظ على وحدة الموقف المصرى السودانى فى مواجهة هذه التحديات، لافتا إلى أنه رغم التطورات الأخيرة فإنه ما زال هناك دعم دولى واسع لموقف مصر والسودان، نظرًا للاعتبارات التاريخية والقانونية التى تدعم حقوقهما، ومشيرا إلى أهمية وجود رؤية شاملة لإدارة موارد حوض النيل تأخذ فى الاعتبار مصالح جميع الدول، مع الحفاظ على الحقوق التاريخية والمكتسبة.

وأكد أن التعاون، وليس الصراع، هو السبيل الوحيد لضمان الاستفادة المستدامة من هذا المورد الحيوى لجميع شعوب المنطقة، داعيا المجتمع الدولى بالتدخل للضغط على الدول الأطراف للوصول إلى توافق نظرا لأن قضية مياه النيل ليست مجرد نزاع إقليمى، بل هى قضية أمن قومى ووجودى لمصر والسودان، ولذلك فإن أى حل يجب أن يراعى هذه الحقيقة ويضمن الحقوق المائية لجميع دول الحوض بشكل عادل ومستدام.

 

الجريدة الرسمية