الديون وصلت لأرقام مخيفة.. البلد تحت رحمة الديانة.. قدمت مصر على طبق من ذهب للاحتلال الإنجليزي.. ودمرت دول أمريكا الجنوبية.. خبراء يطالبون بوقف الاستدانة والاهتمام بالصناعة
وفقًا لأرقام رسمية وصل الدين الخارجى على مصر فى نهاية الربع الأول من العام الحالى إلى ما يفوق الـ160 مليار دولار، وهو رقم ضخم، يكشف بشكل واضح حجم معاناة الحكومة فى واحد من أخطر الملفات التى تواجهها مصر فى السنوات الأخيرة.
وتتبنى وزارة المالية منذ عقود استراتيجية تعتمد على إطالة أمد الدين، وبحسب الأوضاع الحالية سيتم سداد هذه الديون على فترة طويلة تصل حتى عام 2070، وهو ما يضع حملا ثقيلا على الأجيال الجديدة، ويضع الحكومة فى ورطة بسبب الأموال التى تدفعها مضطرة لخدمة الدين العام وسداد أقساط الديون.
باختصار تأكل الديون الأخضر واليابس، وتقضى تماما على أي محاولات إصلاح اقتصادى تبذلها الدولة، وبدلا من الاستفادة من الموازنة العامة فى تنفيذ مشروعات جديدة، يلتهم الدين العام ما يزيد على 80% من موارد الدولة.
إرث الديون ليس وليد اليوم، فمنذ سنوات طويلة ومصر تلجأ إلى مؤسسات تمويل دولية مثل صندوق النقد والبنك الدولى للاقتراض وسد الفجوة التمويلية فى الموازنة العامة، وهو ما يضع البلاد تحت رحمة الدائنين، ويجعل مصر مضطرة لتنفيذ شروط صعبة.
كارثة الديون لها تجارب تاريخية صعبة ومرهقة ومكلفة بشكل مدمر على الشعوب، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية التى جعلت من التضخم هو القاعدة، إذ لم يحدث فى القرون السابقة التى كانت فيها الحروب شائعة أن ارتفع الدين العام فى البلدان المختلفة كما حدث بعد هذه الحرب.
ومع أن هناك بلدانا معروفة بالديون والتضخم والمعاناة الشرسة من وراء هذه الكارثة، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن الديون لم تترك أحدًا بما فى ذلك البلدان الكبرى فى العالم المتقدم.
وتلقى «فيتو» الضوء على هذه المشكلة، وإلى أي مصير انتهت، وكيف تم حلها فى النهاية.. كما نرصد آراء عدد من الخبراء حول الطريقة المثلى التى يجب أن تتعامل بها الحكومة مع ملف الدين العام، وكيف يمكن الخروج من هذا الفخ.
دفع الدين الحكومات الغربية إلى حافة الهاوية، وأدت الخلافات حول السياسة المالية وضرائب رأس المال إلى هروب رءوس الأموال واندلاع أزمات الديون الصعبة التى ضربت كل البلدان الغربية دون استثناء.
والمتفق عليه اقتصاديا، أن التضخم يرتفع مع كل أزمة مالية أو أزمة صرف أجنبى، وكذلك بسبب زيادة الطلب وضعف المعروض، إذ تقوض هذه المشكلة الثقة فى الجدارة الائتمانية للحكومات المختلفة، مما ينعكس فى النهاية على تراجع مفجع للموارد المالية للدول.
وفى البلدان الغربية وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، نشأت حلقة مفرغة ومنعت أزمات الديون أي محاولة للتعافى، مما أدى إلى تفاقم مشكلات السداد، وأبرز نماذج على ذلك ألمانيا والنمسا، إذ تحول التمويل النقدى للإنفاق الحكومى إلى تضخم مفرط، وانتهى إلى التخلف الرسمى عن السداد فى النهاية.
ولكن الأمر كانت مختلفا فى الولايات المتحدة وإنجلترا، فى أمريكا تغلب الخبراء هناك على هذه الأزمة، ونجحوا فى خفض الدين الحكومى بمقدار الثلث بين عامى 1946 و1952 عن طريق إبقاء أسعار الفائدة منخفضة خلال فترات التضخم، بينما قامت إنجلترا بتوريق حوالى 40% من الديون الموروثة من حروب القرن الثامن عشر فى ثلاث شركات كبيرة ومنحتها حق الاحتكار العام من قبل البرلمان، وهى شركة الهند الشرقية، وبنك إنجلترا، وبدرجة أقل شركة بحر الجنوب.
ومن خلال التجربة الأوروبية يمكن القول إن اتباع أي سياسات تؤدى إلى زيادة الدين الحكومى بشكل كبير لا تؤدى بالضرورة إلى عواقب وخيمة من حيث التخلف عن السداد أو ارتفاع التضخم، لكن الرهان كله يكون على كيفية إنعاش الاقتصاد بعد فترة طويلة من الخمول مما يتطلب إحياء النشاط الاقتصادى بطرق أكثر احترافية ومهنية.
وتقول خلاصة الحل الغربى لأزمة الديون إن الهندسة المالية واختيار أفضل السبل فى إدارة الموارد والاستثمارات، وحسم الخلافات الحكومية حول مستقبل تمويل سداد الديون، هو الطريق الأفضل لإنهاء الأزمة بأقل خسائر ممكنة.
وعانت عدة دول فى قارة أمريكا الجنوبية من أزمات ديون طاحنة، واندلعت الأزمة التاريخية منذ عام 1982 بداية من بيرو، وأصبحت مثل الشرارة، طالت المكسيك والبرازيل فى عام 1983، وتشيلى فى عام 1985، وفنزويلا فى عام 1989، نهاية بالأرجنتين فى عام 1992، وتشابهت الأسباب التى أدت إلى أزمة الديون بينهم، فالبلدان التى تلعب فيها الحكومة دورًا مهيمنا على الاقتصاد، لا يمكن أن تنجح بسياسات السوق الحر، إذ لا يوجد أي ضابط فى هذه المعادلة لإدارة رأس المال، ويكون الفشل هو النتيجة الحتمية فى النهاية.
من هذه القاعدة بدأت الحوارات المكثفة التى جرت بين صندوق النقد الدولى وسلطات هذه البلدان فى الثمانينيات، وتم الاتفاق على توصيف المشكلة مع بلدان أمريكا اللاتينية، وأدت النتائج والغضب الشعبى المتزايد إلى اقتناع مسئولى هذه الدول أن التنمية الاقتصادية تحت مظلمة قبضة مهيمنة للدولة، أمر لا وجود له إلا فى الخيال فقط.
ورغم الصراعات والانتقادات التى وجهت للصندوق بسبب تدخله البطئ فى أول الأزمة بدول أمريكا الجنوبية، لكنه فى النهاية أقر مجموعة واسعة من البرامج المبتكرة التى عالجت عجز هذه الدول فى توفير النقد الأجنبى لسداد ديونها، خاصة فى ظل عدم وجود موارد حقيقية كافية، كما عالجت خطط الصندوق إخفاقات دول أخرى تملك الموارد ولكنها انزلقت إلى نفس المسار بسبب فشل السياسات الحكومية وعدم وجود كفاءات اقتصادية تدير موارد البلاد على النحو الأمثل.
ومن هذه الدول التى كانت تملك موارد ضخمة، ولكنها افتقدت الإدارة الاحترافية القادرة على تعظيم الموارد واستغلالها بشكل أمثل المكسيك وفنزويلا، حيث تملك كل منهما احتياطيات من النفط والغاز الطبيعى، بلغ مجموعها فى المكيسك على سبيل المثال بنحو 72 مليار برميل، كانت تقدر قيمتها بأكثر من 2000 مليار دولار فى عام 1982، مقارنة بديون خارجية مستحقة كان يبلغ مجموعها ما يزيد قليلا عن 60 مليار دولار، بالإضافة إلى الفوائد على الديون البالغة 16 مليار دولار.
ولم تكن المشكلة فى نقص الموارد الحقيقية؛ بل فى إقناع السلطة القائمة آنذاك بتغيير طريقة الإنفاق المحلى مما أسهم فى زيادة الديون، وتسبب فى تهديد الاستقرار الاقتصادى والسياسى فى المكسيك بدرجة غير مسبوقة، لدرجة أن البلاد حققت درجة نمو «صفرًا» فى عام 1983، وانتهت الأمور إلى نتائج مشابهة وأسوأ فى فنزويلا.
أما البرازيل والأرجنتين، فالقضية كانت فيهما معقدة بدرجة كبيرة فى أزمة الديون، إذ لم يكن أمامهما أي خيار سوى التخلف عن السداد، بعد أن تعرضت أغلب بنوك البلدين إلى مشكلة ضخمة بسبب تحميلها الفاتورة الأكبر من مشكلة الديون بما تجاوز كثيرًا رأسمالها، وكانت على شفا انهيار النظام المصرفى، قبل أن يتدخل صندوق النقد الدولى ويلعب دورًا رئيسيًا فى منع تلك الكارثة.
ويشير سجل إصلاح السياسات فى أمريكا اللاتينية، إلى أن البلدان التى تتبنى سياسات لا تضع التجربة التاريخية ودروسها المستفادة فى التعامل مع الديون بالمرتبة اللائقة قبل أن تقدم على ذلك، من المرجح أن تشهد تدهورًا اقتصاديًا بسرعة كبيرة.
وتملك مصر تجربة صعبة فى أزمات الديون، إذ كان حلم بناء دولة حديثة ومتطورة وأوروبية النزعة فى الشكل لا المضمون، يراود أبناء الأسرة العلوية التى حكمت مصر منذ مطلع القرن التاسع عشر، وخاصة سعيد باشا والخديو إسماعيل، والأخير توسع فى الديون بطريقة جنونية، مما أوصل البلاد إلى الاستعمار، ولم يدفع ثمن طموحه الجامح، إلا المواطن البسيط، الذى وصل إلى حافة الجوع واليأس، للدرجة التى كان يأكل فيها أوراق الشجر من شدة الفقر والحرمان.
يكشف فلاديمير بوريسوفييتش لوتسكى، أحد أهم مؤرخى المدرسة السوفييتية فى النصف الأول من القرن العشرين فى كتابه الهام «تاريخ الدول العربية الحديث» كل تفاصيل كارثة الديون المصرية فى هذه الحقبة، ويوضح الكتاب الصادر عام 1969 بداية مسلسل إفقار مصر الذى ترتب على النفقات الهائلة المرتبطة ببناء قناة السويس، وغيرها من المشروعات الحكومية بقروض أجنبية، والتى مُنحت للقاهرة بأبشع الشروط.
وحسب فلاديمير، زاد الدين العام منذ عهد سعيد باشا وليس الخديوى إسماعيل كما هو شائع، وبما أنه لم يكن له الحق فى التعاقد على قروض أجنبية دون موافقة الباب العالى، فقد تغلب سعيد باشا على هذا الحظر بإصدار سندات الخزانة، من هنا نشأ ما يسمى بالديون العائمة لمصر، والتى تجاوزت وقت وفاة سعيد 6 ملايين جنيه إسترلينى.
وحتى يستمر فى التعاقد على قروض أكبر، لجأ «سعيد» آنذاك إلى وسيط لعب دورًا قاتلًا، وهو المتلاعب المالى سيئ السمعة هيرمان أوبنهايم -على وزن صندوق النقد الدولى اليوم- وكانت له شهرة عالمية فى هذا المجال وأصله من دولة بروسيا، لكنه كان من الرعايا البريطانيين، وخدم بشكل أساسى مصالح الإنجليز.
وفى عام 1862، ساعد أوبنهايم سعيد فى إبرام أول قرض للدولة المصرية، والذى كان ضروريًا للوفاء بالالتزامات المرتبطة ببناء قناة السويس، وبسبب «الفرق فى قيمة التبادل»، دفع الدائنون فى الواقع مبلغا أقل بكثير من المبلغ الاسمى للقرض، ولكنهم أصروا على شروط السداد على أساس المبلغ بأكمله.
وأحد شواهد هذه المأساة القرض الذى حصلت عليه الحكومة المصرية، بعد تولى الخديوى إسماعيل الذى استكمل مسيرة القروض بشكل أكثر شراهة بمبلغ 5.700.000 جنيه إسترلينى، ولم تتلق الخزانة منه سوى 4.860.000 جنيه إسترلينى وتم حجب الباقى مرة أخرى من قبل البنوك باعتباره “فرقًا فى قيمة الصرف”، ومعظم ما حصلت عليه مصر ذهب لسداد الديون العائمة وكضمان للقرض تنازل الخديوى إسماعيل عن إيرادات الدولة من أغنى ثلاث مقاطعات بالدلتا.
وفى عام 1865، حصل الخديوى إسماعيل على قرض خاص من البنك الإنجليزى المصرى بلغ 3.387.000 جنيه إسترلينى، حصل منه نقدًا على 2.750.000 جنيه إسترلينى فقط، وتم استخدام نصف هذا المبلغ لشراء العقارات والنصف الآخر لبناء مصافى السكر.
وفى عام 1866، حصل إسماعيل على عدة قروض جديدة لبناء السكك الحديدية، وللحصول على القروض كان لا بد من رهن خطوط السكك الحديدية نفسها، وعلى هذا المنوال سارت قضية الديون، حتى تمكنت البنوك البريطانية فى أحد عشر عامًا من تحميل مصر ديونًا بلغت حوالى 68 مليون جنيه إسترلينى، بعد أن دفعت نقدًا فقط 46 مليون جنيه إسترلينى وصادرت ملكية أكثر من 20 مليون جنيه إسترلينى مقابل «اختلافات فى قيمة الصرف» والعمولات.
وفى الوقت نفسه، بلغ الدين العام لمصر 26 مليون جنيه إسترلينى، وكان عليها أن تدفع عليه ما يصل من 15 إلى 25% فائدة سنوية للوفاء بالدين، حتى وصل الدين الخارجى بحلول عام 1876 إلى 94 مليون جنيه إسترلينى، والسؤال الذى طرح وقتها فى دوائر النخب المصرية، وما زال يطرح حتى الآن: فى ماذا تم استخدام الأموال؟
يرد المؤرخ فلاديمير لوتسكى على هذا التساؤل، ويؤكد أنها تم تبديدها على أحلام الخديوى إسماعيل فى تحويل البلاد إلى قطعة من أوروبا، من بناء السكك الحديدية، والجسور، والموانئ، والتلغراف والمصانع والقنوات، دون الأخذ فى الاعتبار الوضع الحقيقى للموارد الطبيعية فى مصر، بخلاف أن السرعة فى طلب القروض واستشعار الدائن أن طالب القرض يمكن ابتزازه، أمر جعل الخديوى يدفع مبالغ طائلة لشركات البناء الأوروبية، وعلى سبيل المثال اضطرت مصر إلى دفع 325 مليون فرنك لسكك حديدية لم تكلف فى الواقع سوى 75 مليون فرنك فى بنائها!
كما دفعت الخزانة المصرية لشركة بناء أوروبية أكثر من 2.500.000 جنيه إسترلينى مقابل ميناء الإسكندرية، فى حين أن التكلفة الحقيقية كانت 1.500.000 جنيه إسترلينى فقط، وكلفت أعمال البناء الأخرى مصر ضعفى أو ثلاثة أضعاف قيمتها الفعلية، وسرقت شركات البناء الأوروبية البلاد بلا خجل.
ويرصد لتوسكى فى التحليل النهائى لأزمة الديون المصرية خلال هذه المرحلة، أن الخديوى إسماعيل أراد تحقيق طموحاته للبلاد، لكن الذى تحمل فاتورة أحلامه على أرض الواقع هو الشعب المصرى، بينما الخديوى لم يتحمل أي شيء فى مستوى رفاهيته هو أو عائلته.
ويعدد المؤرخ الروسى خسائر مصر النهائية من هذه السياسة، بداية من رهن السكك الحديدية الحكومية وعائدات الضرائب وعقارات الأسرة الخديوية، نهاية بتضخم مبلغ الفائدة الذى كان على مصر أن تدفعه لدائنيها والذى تزايد كل عام حتى وصل بحلول عام 1875 إلى حوالى 8.000.000 جنيه إسترلينى سنويًا، وترتب على ذلك فى غضون فترة قصيرة من الزمن زيادة ضريبة الأراضى على الفلاحين المصريين أربعة أضعاف - من 40 إلى 160 قرشًا للفدان.
والسؤال الملح هو: كيف تنجو مصر من تلك السيناريوهات السوداء؟
ويجيب عن التساؤل عدد من خبراء الاقتصاد الذين وضعوا روشتة لإنقاذ مصر من فخ الديون.
ويقول الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن الديون من الأمور التى تؤرق الدول وتتسبب فى التهام الناتج المحلى الخاص بها، نتيجة زيادة حجم الديون وعدم المقدرة على سدادها، مما يضطر الدولة للجوء للاستدانة مرة أخرى حتى تستطيع سداد القروض السابقة.
وأضاف عبده فى تصريحات خاصة لـ”فيتو”، أن مصر تعد ثانى أكبر مقترض فى العالم من صندوق النقد الدولى بعد الأرجنتين، وهذا ما يجعلها فى الوقت الحالى تعيش فى دائرة من الاستلاف والسداد، مما يطلق عليها اسم “الدائرة الجهنمية”.
وأشار إلى أن الحكومة لجأت إلى وثيقة سياسة ملكية الدولة، وبيع الأصول للحصول على العملة الصعبة واستخدامها فى سداد التزاماتها من أقساط الديون وتوفير سيولة فى السوق المصرفى، مما جعلها تمثل ضغوط على الأجيال القادمة، لعدم ترك أصول لهم حتى يستفيدوا منها.
وتابع: الحكومة بدلا من القيام بتنويع مصادر الدخل، لجأت إلى تنويع فترات السداد الخاصة بالقروض، مما يجعل الأجيال القادمة تعانى من هذه القروض لسنوات طويلة، عبر ترك مديونية كبيرة لهم وعدم وجود أصول للاستفادة منها فى الأوقات الصعبة.
وتساءل الدكتور رشاد عبده: لماذا لا نتعلم من تجارب الدول فى الأزمات وتعاملها معها، بعيدا عن لجوئها للقروض لحل هذه الأزمات التى تعانى منها؟ فعلى سبيل المثال دول كرواتيا والبرازيل، من خلال اعتمادهم على الصناعة والإنتاج، وتيسير السياسات الاقتصادية، مع منح المستثمرين ضمانات تجذبهم للاستثمار فى الدولة لزيادة معدل الإنتاج، مؤكدا أن دوامة القروض تتسبب فى إذلال الدول وتضعها فى موقف صعب الخروج منه.
وطالب بضرورة، الاستعانة بالخبراء الأجانب المتخصصين فى المجالات الاقتصادية، للاستفادة من خبراتهم فى حل الأزمات الاقتصادية التى تعانى منها البلاد، وهذا ما فعلته العديد من دول العالم، والتى يأتى من أبرزها الصين وسنغافورة، وهذا بالإضافة إلى الخبراء المصريين الذى لن يترددوا فى خدمة بلدهم إذا طلب منهم ذلك، مؤكدا أن هذا الأمر يكون فى حالة وجود إرادة سياسية ورغبة حقيقية فى التطوير.
ومن جانبه قال الدكتور عادل عامر الخبير الاقتصادى، أن الديون إحدى أدوات الإذعان التى يتم من خلالها سيطرة النظام المانح، سواء صندوق النقد أو أي جهة مانحة للقروض، على الدولة من خلال إخضاعها لبعض السياسات أو التوجهات التى يجب تنفيذها حتى لا يتم التهديد بهذا الملف الخطير.
وأضاف عامر أن الديون المصرية تجاوزت الحدود الآمنة منذ فترة كبيرة، مشيرا إلى أن هذا الملف تديره المجموعة الاقتصادية، لعمل خطط محددة يتم من خلالها التعرف على الآلية التى يتم من خلالها دفع الديون والطرق التى يتم الحصول من خلالها على دفعات الأقساط المطلوبة فى المواعيد المحددة لها، مؤكدا أن أبرز العقبات أمام تقدم الدول والحصول على تنمية اقتصادية، تتمثل فى عمليات الاستدانة التى تضغط بشكل كبير على اقتصادات الدول المدينة.
وعن الحلول المناسبة لتخطى أزمة الديون، أكد عامر، أنه من المهم التركيز على زيادة الدخل القومى المصرى، وإيرادات الدولة، بحيث يتم تسديد الديون وتقليل الضغط على الناتج المحلى الإجمالى، من خلال زيادة الاستثمارات البعيدة عن القروض الخارجية.
وأشار إلى أن القروض الخارجية لا تقل أهمية فى الوقت الحالى عن القروض الداخلية لمصر، والتى تجاوزت 300% من الناتج المحلى الإجمالى للدولة، مما يجعل الحكومة أمام مهمة للنظر إلى وسائل تمويل أخرى بعيدا عن القروض بمختلف أنواعها، مما يجعلها تصبح قيمة مضافة للاقتصاد الوطنى، التى تتمثل المشروعات الاستثمارية فى الساحل الشمالى، والعاصمة الإدارية الجديدة، ورأس الحكمة، وغيرها من المشروعات التى تدعم الدولة ولا تجعلها تضطر للاستدانة.
وعن النماذج الدولية التى تخطت أزمات الدين، أوضح الخبير الاقتصادى، أن هناك العديد من الدول التى كانت لها تجارب فى حل أزمات الديون، والتى يأتى من أبرزها جنوب أفريقيا، وفنزويلا، والبرازيل، مشيرا إلى أن هذه الدول عملت على تقليل حجم الدين الخارجى من خلال الصناعة، والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، بالإضافة إلى توطين المنتجات المحلية وزيادة الاعتماد عليها، مما جعلها تتمكن من حل أزمات الديون وعدم اللجوء للاستدانة حتى لا تضغط على الناتج المحلى الإجمالى.
وفى نفس السياق، قال الدكتور على الإدريسى الخبير الاقتصادىى أن الاقتصاد المصرى يواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بارتفاع مستويات الدين العام والخارجى، والتى تمثل تهديدًا جديًا للأمن القومى والاستقرار الاقتصادى، فقد وصل إجمالى الدين العام المصرى إلى نحو 93% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2023، مما يزيد من عبء خدمة الدين والتى وصلت لنحو 48% من المصروفات العامة بمشروع موازنة العام المالى الحالى.
وللتغلب على هذه الأزمة، تحتاج مصر إلى اتباع نهج شامل يتضمن إصلاحات هيكلية لتقليص عجز الموازنة والحد من الإنفاق الحكومى غير الضرورى، وتنويع مصادر التمويل وزيادة الاعتماد على التمويل المحلى، وتحفيز النمو الاقتصادى من خلال تحسين مناخ الاستثمار وتعزيز تنافسية الصادرات، بالإضافة إلى إعادة جدولة الدين الخارجى والتفاوض على شروط أفضل مع الدائنين، والعمل على تطبيق سياسات مالية ونقدية متوازنة لضبط التضخم وتحقيق الاستقرار الاقتصادى.
ومن جانبها قالت الدكتورة يمن الحماقى خبيرة الاقتصاد: اتفقت مصر مع صندوق النقد قبل 3 أشهر، على زيادة حجم التمويلات ضمن برنامج يستمر حتى 2026، من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات، وبموجب هذا البرنامج حصلت مصر فى مارس الماضى، على 820 مليون دولار، ومن المقرر أن يتم صرف شريحة تمويل جديدة بقيمة 820 مليون دولار، ليصل إجمالى ما حصلت عليه منذ نهاية 2022 نحو مليارى دولار.
وتحذر الحماقى من استمرار الحكومة فى الاقتراض بنفس المعدلات السابقة “، إذ تقول دائمًا ما كنت أنصح بضرورة إبطاء معدلات الاقتراض من الخارج، قبل أن نصل إلى هذا المستوى الذى نحن عليه الآن مشيرة إلى أن الاقتراض الخارجى ضرورة لكل دول العالم، لكن يجب أن يكون بمعدلات يمكن للدولة سدادها، وليس الاقتراض لمجرد القدرة على الاقتراض خاصة وأن الاقتراض الخارجى كان ضروريا للاقتصاد المصرى فى المرحلة الماضية وتعتبر مصر، ثانى أكثر دولة اقتراضا من صندوق النقد الدولى، بنحو 14.7 مليار دولار، خلف الأرجنتين (نحو 40.9 مليار دولار) مشيرة إلى أن الأجيال الحالية والمقبلة ستتحمل فواتير اقتراض كبيرة جدا، فى صورة ديون وارتفاع بأسعار السلع والخدمات وتردى فى مستوى المعيشة، واعتماد مفرط على الاستيراد نتيجة ضعف الإنتاج، والذى يرتبط بشكل كبير بزيادة الديون الخارجية والداخلية، حيث تزاحم الحكومة القطاع الخاص فى الحصول على التمويل اللازم لسداد هذه القروض.
وطالبت الحماقى بضرورة وجود خطط واضحة فيما يتعلق بإدارة الدين الخارجى خصوصا من الحكومة الجديدة حيث إن المخاوف المشروعة تكمن فى إرث الديون للأجيال المقبلة، حيث إن تمديد جداول السداد حتى عام 2071 يعنى أن الأجيال المقبلة ستكون مسئولة عن سداد هذه الديون، ومع ذلك يجب مراعاة أن بعض هذه الديون وُجهت لتمويل مشروعات تنموية واستثمارية طويلة الأجل ستعود بالفائدة على الأجيال المقبلة.