"الدولرة".. بين الأزمة والمؤامرة
تتعرض مصر الآن لموجة أخرى من موجات الصراع على الشرعية، ولعلم المتآمرين من أذناب الدولة العميقة وخبرتهم على أهمية الثقة فى الاقتصاد لتحقيق التوازن السياسى، بعد أن فشلوا فى الموجات الأولى للصراع من انتخاب الرئيس وإقرار الدستور ووضوح إرادة الجماهير جلية فى الوصول إلى الاستقرار لدولة ما بعد 25 يناير.
ورغم توقعنا المسبق والمبين للكثير ممن يحيطون بنا ويقومون باستشارتنا فى الوضع الاقتصادى ومشاهدتنا لذلك، فإننا نرى أن عجلة الإنتاج فى المصانع العاملة الآن قد قل فيها الإنتاج بنسبة 20 % على الأقل، فضلا عن المصانع العاطلة عن العمل بسبب أحداث 25 يناير وما بعدها، وأن قدرة السوق الداخلى على الشراء أصبحت غير فاعلة نظرا لانخفاض مرتبات وأجور المصريين البسطاء المتمسكين بأعمالهم وتسريح الكثير من أبناء القوة البشرية العاملة إلى مستنقع البطالة الجبرية.. مما أدخل الاقتصاد الوطنى فى بعض القطاعات إلى مرحلة الكساد.. والبعض الآخر أقل ضررا إلى الركود فقط وارتفاع الأسعار بشكل غريب فيما يسمى فى الأمراض الاقتصادية بالركود التضخمى.
وبدأ انخفاض الجنيه المصرى يوم 28 يناير 2011 "جمعة الغضب"، إلى رقم "هستيرى" لم يدركه إلا القليل ممن كانوا يتابعون وسائل الإعلام العالمية والمتخصصة فى القطاع المالى والاقتصادى، حيث أعلنت قناة بلومبيرج الاقتصادية، أن الجنيه المصرى قد انخفض بنسبة 36% من قيمته وأخبرنى بعض المقربين أنه استبدل الريال السعودى بخمسة جنيهات مصرية، وكان سعر الدولار يتداول فى السوق السوداء بأرقام غير اعتيادية، بدون مبالغة.
فمن يتذكر أحداث المشهد السياسى والأمنى، وآثارها على الشعب المصرى الذى اعتاد على سماع الكذب ببرنامج الإصلاح الاقتصادى يدرك حجم الفاجعة وبحساب بلومبيرج يكون سعر الجنيه إلى الدولار يومها يساوى 36% * 5.83 = 1.99+5.83 = 7.92 ليكون هذا الرقم هو المتوقع قراءته فى خرائط التحليل الفنى جنيه دولار خلال الأيام القليلة القادمة ثم يستطيع الجنيه أن يرتفع ليصل إلى القيمة العادلة التى يستحقها عند مستوى الـــــ 7.20 مقابل الدولار.. والله أعلم .
وتأتى على رأس العوامل النقدية المؤثرة بطريق مباشر فى سعر الدولار انخفاض تحويلات المصريين بالخارج من العملات الأجنبية عما كانت عليه فى السابق، وانخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل كبير من مؤسسات الاستثمار المباشر وصناديق الاستثمار العالمية بعد الثورة .
فضلا عن انخفاض الصادرات المصرية بعد الثورة التى أدت بشكل كبير إلى انحفاض مصدر أساسى من مصادر الدولار للميزان التجارى والاحتياطى النقدى.
كما أن إيرادات السياحة الخارجية كانت مصدرا رئيسيا للعملات الأجنبية وخاصة الدولار باعتباره عملة أجنبية.
ولا يخفى علينا حجم الأموال المهربة من أركان النظام السابق خلال العامين المنصرمين على مرأى ومسمع من الجميع بعد تحويلها إلى دولارات من التى دعمها البنك المركزى للحفاظ على سعر الصرف.
وتخارج العديد من المؤسسات الاستثمارية الدولية التى كانت تهتم بسوق المال المصرى، وعدم إقبالها على أذون الخزانة المصرية رغم ارتفاع العائد على الاستثمار فيها لآجال مختلفة.