نحو سلام جديد
رغم سيطرة نطاق الاحتفالية أكثر منه تحقيق الخطوات الفاعلة على المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية الأخيرة فى واشنطن، إلا أنها أضافت عاملا جيدا إلى ما يظهر على الساحة الآن من بوادر تدعونا إلى إعادة التفكير فى صيغة العلاقة بين مصر وإسرائيل وهو:
تراجع العلاقة مع حماس
إن العلاقة الحميمة بين حماس وفريق الإخوان المسلمين بقيادة الرئيس السابق محمد مرسى أوجدت لدى المصريين نوعا من الشك والاتهام لحماس بالتدخل فى الشأن الداخلى المصرى، ومحاولة الزج بالعناصر المسلحة داخل سيناء للتهوين من القدرة المصرية للحفاظ على الأمن، ثم ما قدمته قيادات الإخوان من مشاهد اعتبرها المصريون اعتداءً على هوية المصريين الحضارية مثل ترك منبر الأزهر الشريف لقادة حماس لتوجه منه الخطاب إلى العالم العربى.
وكذلك ما يعرف بقضية إطلاق سراح سجناء حماس والإخوان من سجن طرة، وعملية قتل الجنود المصريين على الحدود وكذلك إصرار حماس على تجارة الأنفاق بدلا من سلك المعابر المفتوحة واحترام اتفاقات الحدود.
الجيش المصرى وتعدد الجهات
وبعد أن قرر الجيش المصرى أن يحمى الإرادة الشعبية، وتصدى لقوى التطرف لعزلها عن إدارة الأمور السياسية أوجد عاملا جديدا داخل الصفوف.. أن هناك عدوا داخليا وقويا على الحدود "بخلاف إسرائيل" تنوى شرا بالأمن القومى المصرى .. وهو لم يكن مطروحا إطلاقا مسبقا .. أمام شعب طيب بسيط وجيش قرر وبحسم الوقوف بجوار شعبه وما قد يواجه هذا الجيش فى سيناء من قوى الإرهاب التى سهل لها النظام السابق عن عمد أو غير عمد التسلل داخل سيناء.
التغيير الواضح فى السياسة الأمريكية
وضح أمام الأمريكيين الآن أن الصراع فى الشرق الأوسط ليس فقط بين الديكتاتورية والديمقراطية، وإنما أيضا بين قوى التطرف التى ترتدى لباس الإسلام وبين مطالب الشعب فى العيش فى حرية وسلام، وبعد أن لعب الجيش المصرى هذا الدور الحاسم فى وقف تصدع البناء الديمقراطى الوليد والذى ما كان له أن ينجح إلا بتأييد مطلق من قوى الشعب وبإشارات غير مسبوقة ظهرت خلال 30 يونيو .. هذا الدور أوجد لدى الأمريكيين الإحساس بأنهم لابد أن ينصاعوا للإرادة الشعبية المصرية وأن الحرب ضد الإرهاب والتطرف لابد أن تكون الغاية الأولى لهم فى الشرق الأوسط بدلا من سياسة تسويف الحلول وعقد الاتفاقات مع النظم والدفع بالمباحثات التى لا تأتى بحلول.
ظهور قيادات مصرية جديدة
وبعد أن ظهر فى القيادة المصرية الجديدة رموز تدرك معنى الوفاق الدولى، وتعى تماما معنى الحفاظ على العهود والمواثيق الدولية وأن مصر لا تفكر وتعمل كأنها بمعزل عن العالم .. كما أن لها باعا طويلا فى التعامل مع قضية العرب الأولى وهى الصراع العربى الإسرائيلى، وتعى تماما أن السلام الدائم والشامل لا سبيل له إلا بإعطاء الحقوق للشعب الفلسطينى ثم الاعتراف بحق كل الدول فى المنطقة فى العيش فى سلام بما فيها إسرائيل ..
هذه القيادة متمثلة فى نائب الرئيس المستقيل محمد البرادعى، وكذلك وزير الخارجية المصرى نبيل فهمى الذى بإمكانه إعادة تسطير خرائط الدبلوماسية المصرية ليكون لها الدور الفاعل والأساس للبدء فى التحرك نحو السلام وإنهاء حصر العلاقات على الجهات الأمنية كما رأيناها فى عصر الرئيس الأسبق مبارك وكذلك الرئيس السابق محمد مرسى.
الوضع الراهن
هذه العوامل الثلاثة السابقة والمؤثرة، لابد أن تدعونا أن نفكر كيف يمكنا الدفع بعملية السلام بين العرب وإسرائيل مرة أخرى، خاصة أن مصر هى من كانت تدفع دائما الثمن غاليا حتى نصل إلى تحقيقه من خلال الإقرار والاعتراف بحقوق الفلسطينيين على الأرض .. فحان الوقت لمصر أن تتبنى سياسة جديدة واستراتيجية جديدة وأساليب جديدة لتتصدر التحرك فى الشرق الأوسط.
أن نبقى الوضع الحالى أو لا نعمل شيئا أو نخجل مما فعلناه ونطالب بإلغائه، ليس فقط لن ينجح ولكن لن يبقى الوضع الراهن على ما عليه، فقد رأينا كيف يمكن للأوضاع أن تسوء .. وما كنا نطالب به سابقا أصبح أبعد للتحقيق الآن وكيف لا ينفعنا الوقت والانتظار الذى قد يأتى لنا بعناصر أخرى مستعدة للتعامل على الأوضاع حتى بالتفريط فيها.
لقد حان الوقت لأن تبنى مصر سياسة دبلوماسية واضحة تتبنى فيها مصلحة الشعب الفلسطينى أولا، وتحفظ للشعب المصرى حقه فى عدم الاعتداء عليه أو على حدوده أو أمنه الوطنى، وتظهر حرص مصر على أمن المنطقة بأكملها بما فيها الدولة الإسرائيلية ويعاد فيها للرأى العام المصرى متمثلا فى ثورته الثقة فى قدرته على بناء السلام وعدم التفريط فى الحقوق فى نفس الوقت.
إطار ومقترحات
حتى لا ينحصر التفكير ويتجمد عند فكرة المباحثات أو حتى مطلق التعبيرات مثل "التطبيع"، لابد أن نبدأ بتحديد الهدف النهائى وهو إيجاد سلام عادل دائم للفلسطينيين ورفع حالة الخوف والحرب والاتهامات التى لا تنتهى عن شعوب المنطقة.
أما كيف نحقق هذا، فيمكنا الاجتهاد والاختلاف طالما آمنا بطرح الجديد مثل:
1- البدء فى طلب ترسيم حدود إسرائيل والدولة الفلسطينية.. فليس من المعقول أن هناك حربا ممتدة سنوات بين دول لا تعرف لها حدود إلى الآن .. وهذه فكرة ممكن التوجه بها للمجتمع الدولى فورا.
2- محاولة معرفة المطالب الأمنية لكل الأطراف وإعلانها وخلق الميكانيزم "آلية"، المناسب لتحقيق الحماية لجميع الأطراف بدلا من عدم التحديد الذى لا يؤدى إلا إلى الحيرة ومزيد من التخبط .. والمزيد من التوسع فى المطالب.
3- التفكير بشكل خلاق فى موضوعات أصبحت "تابوو"، مغلقة أمام العقل العربى حتى للتفكير فيها مثل موضوع التطبيع الذى أصبح يشكل عبئا على الفلسطينيين أكثر منه للإسرائيليين ويتأثر به الشعب الفلسطينى اقتصاديا وسياسيا .. وطالما نادى الرئيس الفلسطينى محمود عباس بأن ضرورة التواجد العربى بجوار الإخوة الفلسطينيين هام لدعم وتأكيد هويتهم العربية .. فيمكنا الإبقاء الكامل على مقاطعة الأفكار السياسية والأعمال العدوانية .. مثل فكرة إقامة المستوطنات .. وأن نرفع الاتهام عن الشعوب والمجتمع المدنى والصحافة فى حال سعيهم للمعرفة أو كل ما يعزز بناء فكرة التعايش والتحاور مع الفلسطينيين أولا ومع كذلك من نستطيع أن نجد لديه قبولا لأفكار السلام من الإسرائيليين .. ونعى تماما أن السلام لن يقوم دون الحوار.
4- على مصر أن تخلق لنفسها خريطة طريق جديدة، ليتحقق الحل العادل للفلسطينيين تقوم على فكرة تقريب وجهات النظر بين الطرفين اللذين لا يتحقق وفاق بينهما لمدة 60 عاما.. خريطة تبنى على أساس سابق التجربة المصرية الهائلة فى مباحثات طابا والتى أثبتت القدرة الدبلوماسية المصرية على كسب الموقف وتحقيق نتائج ما كانت حتى حالة الحرب أن تحققها، وهذه الخبرة ممكن توظيفها حتى يتسنى للفلسطينيين أن يتعرفوا على أحسن الطرق التى تصل بهم إلى تحقيق المآرب.
5- توضيب العلاقة المصرية الفلسطينية الاقتصادية والمساعدة فى بناء مؤسسات اقتصادية فلسطينية وتشجيع فرص العمل والاستثمار والشراكة مع الفلسطينيين جميعا دون تحفظ على أى أرض يقفون.
إن مصر تعى تماما التزامها نحو القضية الفلسطينية، وتدرك أن الشرق الأوسط إذن آن له التحرك نحو السلام .. فلن يكون إلا بالقاطرة المصرية التى أثبتت الأيام أنها القادرة على جره.