رئيس التحرير
عصام كامل

تركي آل الشيخ.. مرجان أحمد مرجان

مبلغ علمي أن الذين يهاجمون تركي آل الشيخ إنما يأخذونه مأخذ الجد، بينما الرجل جل تخصصه في الترفيه وفنونه التي تمتد من الغناء إلى فن التشخيص، وهو فن يقوم على قدرات المشخصاتية الذين يبهرون العامة والخاصة بأدائهم، والحق يقال إن الرجل مبهر بكل ما تحمل الكلمة من معنى.


وخلاصة ما وصل إليه شعب التواصل الاجتماعي أن فيلم "ولاد تركي" المسمى جماهيريا "ولاد رزق" والذي تنصب فكرته حول عصابة مصرية تسرق ساعة غالية الثمن أثناء إحدى المسابقات في دولة خليجية، لا يعنى بالضرورة إلا أن من يقف وراء الاختزال يحظى بتضخم ذاتي مرضي، له ما يبرره ومبعثه عبر عنه الشاعر العربي الكبير إيليا أبو ماضي:
نسى الطين ساعة أنه طين.... حقير فصال تيها وعربد
وكسى الخز جسمه فتباهى.. وحوى المال كيسه فتمرد.

 

واعترف أن تركي آل الشيخ وزير الترفيه مدهش من حيث البنية والتكوين الثقافي والإنساني، فهو كما لو كان يعيد إنتاج شخصية مرجان أحمد مرجان واقعيا، غير أن تركى رجل رسمي في مهمة صعبة، وليس رجل أعمال صاحب طريقة كما كان مرجان أحمد مرجان، وثمة فارق آخر أن عادل إمام مؤدى دور مرجان وهبه الله خفة ظل منقطعة النظير.

 

التشابه بين الشخصيتين يكاد يصل إلى حد التطابق، خصوصا فيما يذهب إليه الفنان عادل إمام وحبكة يوسف معاطي الذي يرى أن كل شيء ممكن بالرشاوى والمحسوبية، وكما يقولون "الجنيه غلب الكارنيه"، إلا أن تركي آل الشيخ تعددت مواقعه ومناصبه، ولديه تاريخ كبير لا رشوة فيه - معاذ الله.

 

بدأ حياته ضابط شرطة ووصل إلى رتبة نقيب، رغم أن تكوينه الجسماني لا يوحى بما نرى عليه رجال الشرطة السعودية الأقوياء المنتصبين في كل المواقع، غير أن هذا البنيان لم يحل بينه وبين أن يصبح ضابط شرطة ليخرج منها إلى حيث هوايته في فن الألعاب، حيث يعشق الرجل لعبة كرة القدم.


تركي آل الشيخ من نقيب شرطة إلى عدد من المناصب الكبيرة، ثم وصولا إلى وزير للرياضة، ثم رئيسا للاتحاد العربي لكرة القدم، ثم رئيس الاتحاد الرياضي الإسلامي، ثم عدد من المواقع في أندية سعودية، وهو في تنقله بين المواقع يصبح في كل مرة أكثر إبهارا.

 

وإذا كان مرجان أحمد مرجان قد قرر فجأة أن يصبح لاعبا لكرة القدم التي لا يعرف عنها شيئا، وقد كان بالفعل، فإن تركي آل الشيخ وصل إلى الرئاسة الشرفية لأعرق نادٍ في أفريقيا، بل نادي القرن، وهو النادي الأهلي، غير أنه لم يصمد كثيرا أمام مُلَّاك الأهلي الحقيقيين، وهم الجمهور العريض الذي كتب الفصل الأخير في علاقته به.

 

لم يتخلَّ مرجان أحمد مرجان عن فكرة الفوز بكأس الجامعة، وقد كان، وهو ما دفع تركي آل الشيخ، لأن يشتري نادى الأسيوطي ليصبح فيما بعد نادي بيراميدز، وقد قرر شراء كل النجوم وبأي أرقام ليفوز بالدوري، غير أن الأهلى بجماهيره وقفوا له بالمرصاد، فلم يحقق حلمه رغم الإنفاق الضخم.

 

عشق مرجان أحمد مرجان الشعر، وأراد أن يكون شاعرًا، فقرر شراء الشاعر بقصائده، وأشهرها قصيدة "السنونو"، وكان له ما أراد، وأصبح شاعرًا يلقي القصائد في حضور النقاد والأدباء والكبار، وهو ما فعله تركي آل الشيخ الشاعر الذي غنى له فنانون كبار مثل محمد عبده وآمال ماهر، غير أن القريبين من تركي يشهدون له بأنه صاحب موهبة شعرية حقيقية، وله ديوان مطبوع!

 

ولم يتوقف الأمر عند الظاهرة الشعرية عند تركي آل الشيخ، بل إن الرجل قرر الزواج من واحدة من أهم مطربات الجيل وأمل الغناء العربي آمال ماهر، وعندما رضي عنها نظم لها حفلا أسطوريا، وعندما غضب عليها مسح كل أغنياتها من على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنه للأمانة لم يمسحها من ذاكرة الناس!

 

ومرجان أحمد مرجان أراد أن يكون ممثلا لا يشق له غبار، واستطاع بما لديه من ملكات مالية أن يلتقى مخرج العرض الجامعي "هاملت" ويقول عبارة "لقد وقعنا في الفخ"، وحصل على جائزة أحسن ممثل، أما تركى آل الشيخ فإنه اختصر الطريق، وقرر الإنتاج، وجاء بكبار ممثلي مصر لكي يقعوا جميعا في فخ "ولاد تركي" أو "ولاد رزق"!


لم يجرؤ مرجان أحمد مرجان أن يمضى بعبثيته إلى الأوبرا التي قرر فجأة تركى آل الشيخ أن يصبح «أوبرالى» أو واحدا من المهتمين بها، وعندما دخلها مع جمع غفير من أتباع وتابعين لم يلتزم بـ"dress code" او بمحددات الزي، وزاد الطين بلة عندما أمر بإزالة مقعدين من يمينه في المسرح الكبير، ليضع مكانهما منضدة صغيرة عليها بعض المكسرات لزوم "الروشنة والتميز" وتحطيم القواعد، وهو ما لم يحدث في تاريخ الأوبرا قديما أو حديثا!

 

الفارق بين مرجان وتركي أن الأول راشٍ، أما الثاني فهو مشترٍ، لديه مهارة وقدرات خاصة ظهرت في كل المواقع التي تقلدها ونجح فيها مع الأفراد، أما الضمير الجمعي فقد قاومه، وانتصر عليه من خلال جمهور الدرجة الثالثة ملح الأرض وأصل مصر.

 

 

وأمام رغبة مرجان أحمد مرجان في الوصول إلى البرلمان ليصبح عضوا به يخفي من خلال حصانته الكثير من مخالفاته، فقد نجح في ذلك، وهو ما لم يفعله تركي آل الشيخ حتى تاريخه، وإذا كان فيلم مرجان أحمد مرجان مقتبس من الفيلم الأمريكي "العودة إلى المدرسة"، فإن قصة تركي آل الشيخ واقع يجب أن نعيشه، ونتعامل معه باعتباره فانتازيا أو كوميديا بطلها رجل حقيقي متعدد المواهب، ولديه القدرة على الغوص في مجتمع منهك.. 

غير أنه لا يزال يحمل في تاريخه آلافًا بل ملايين من "جيهان مراد" الأستاذة الجامعية أصيلة القيم، التي من خلالها عدل مرجان من طريقته، وأصبح إنسانا طبيعيا،  فهل يلتقي تركي آل الشيخ- وهو إنسان طبيعي بالمناسبة- رمزًا.. ليعرف أن مصر ليست بلد لص الساعة، أو نصاب الحج؟!

الجريدة الرسمية