تواضع القتلة.. فاتورة الحرب تجبر الاحتلال على التراجع والجلوس على مائدة التفاوض مع المقاومة الفلسطينية.. الضغوط على نتنياهو للخروج من غزة تزداد.. وصفقة تحفظ ماء الوجه كلمة السر
تواضع القتلة ومصاصى الدماء لا يحدث إلا بعد دفع فاتورة باهظة، هذا ما يحدث الآن من إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، الذى بدأ يتراجع عن موقفه المتعنت وإصراره على استكمال العدوان على قطاع غزة حتى القضاء نهائيا على حركة حماس.
وأصبح التفاوض كابوسًا يؤرق نتنياهو، خاصة بعدما بدأ قادة جيش الاحتلال يكشرون عن أنيابهم فى وجهه، وأعربوا فى أكثر من مرة عن رفضهم لاستمرار الحرب على قطاع غزة، لأن ذلك سيكلفهم المزيد من الجنود والآليات وسيجرهم إلى مستنقع لن ينتهى.
وبدأ قادة الأجهزة الأمنية فى إسرائيل يفكرون فى الخروج من مستنقع الحرب بغزة، والاستجابة للمطالب الأمريكية بضرورة كبح نتنياهو وأعضاء حكومة اليمين المتطرف، ووقف الحرب وإعادة التفكير فى صفقة لإنقاذ ما تبقى من الأسرى الإسرائيليين، تحفظ ماء وجه الاحتلال بعد فشله فى استعادتهم بالعمليات العسكرية أو حتى تحقيق أي من الأهداف التى أعلن عنها لاسيما القضاء على حركة حماس.
كانت حركة حماس أرسلت ردها على مقترح يتضمن صفقة جديدة لوقف إطلاق النار بغزة وتبادل الرهائن، والذى يتكون من 3 مراحل على فترات زمنية، وأعرب قادة الاحتلال عن تفاؤلهم بهذه الصفقة ووصفوها بأنها الأقرب إلى إنهاء الحرب فى غزة واستعادة الرهائن، خاصة فى ظل استعداد جيش الاحتلال لشن حرب على لبنان والدخول فى معركة كبيرة مع حزب الله.
ويرى قادة جيش الاحتلال أن الجبهة الشمالية وحدود إسرائيل مع لبنان أصبحت تشكل تهديدا أكبر خاصة فى ظل العمليات الكثيفة التى ينفذها حزب الله واستهداف الجنود والمواقع الإسرائيلية ليل ونهار بالمسيرات والصواريخ.
وتسببت الهجمات التى ينفذها حزب الله فى تهجير سكان المستوطنات الشمالية، وهو ما أجبر قادة جيش الاحتلال على ممارسة ضغوط على نتنياهو لوقف الحرب فى غزة بأى ثمن وعقد صفقة لاستعادة الرهائن.
يقول الدكتور عبد المنعم سعيد، رئيس المجلس الاستشارى للمركز المصرى للدراسات الاستراتيجية، وعضو مجلس الشيوخ، إن هناك صفقة لتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل خلال الفترة القريبة المقبلة. وأضاف: تسببت الضغوط المتراكمة والظروف الداخلية على الطرفين حماس وإسرائيل خلال الفترة الأخيرة بعد مرور أشهر على الحرب، فى مرونة مواقفهما والاقتناع بالجلوس على طاولة المفاوضات من أجل التقاط الأنفاس.
وتابع: تأكدت إسرائيل أنها لن تستطيع حسم الحرب خلال الفترة القليلة القادمة ولن تستطيع القضاء نهائيا على حركة حماس، بالإضافة إلى أن هناك ضغطا كبيرا داخليا من أهالى الأسرى، وهناك تصاعد فى الأصوات المطالبة بوقف الحرب على غزة وإعطاء فرصة للسلام.
وأكد أن نتنياهو يحتاج إلى مهلة من أجل التقاط الأنفاس، ومراجعة مواقفه من الحرب على غزة والنتائج التى خلفتها، بالإضافة إلى محاولته تهدئة الأمور على الجبهة الشمالية مع حزب الله قبل أن تنزلق إسرائيل إلى مواجهة شاملة مع حزب الله، لافتا إلى أن نتنياهو يعلم أن الحرب مع حزب الله ستكون أكثر ضراوة من الحرب مع حركة حماس خاصة فى ظل وقوف إيران ودعمها للحزب، مما سيكبد جيش الاحتلال خسائر فادحة تزيد من فاتورة حساب نتنياهو.
ويحتاج جيش الاحتلال فى الوقف الراهن إلى مهلة من أجل التقاط أنفاسه ومراجعة عمله وخططه فى مواجهة المقاومة الفلسطينية وذلك بعد أشهر من القتال المستمر فى شمال وجنوب القطاع، وعلى الجهة الأخرى فإن حماس هى أيضًا بحاجة إلى فترة هدنة من أجل التقاط أنفاسها وتجديد صفوفها، وبدأت بالفعل فى تجنيد قوات جديدة، بعد أن تعرضت إلى خسائر كبيرة فى الحرب مع جيش الاحتلال، وتحتاج وقت لإعادة ترتيب قواتها ومعداتها وإعادة شحن ترسانتها العسكرية بعد أشهر من الحرب المتواصلة أطلقت خلالها آلاف الصواريخ والقذائف.
وتسعى حماس من خلال تلك الصفقة التى تقترب من توقيعها مع جيش الاحتلال إلى منع عملية إبعادها عن المشهد السياسى فى قطاع غزة وبقاء القطاع تحت سيطرتها.
ويظل الخلاف البارز بين حماس وإسرائيل، والذى يعتبر أحد أقوى أسباب الفشل فى التوصل إلى اتفاق، هو رغبة حماس فى وقف دائم لإطلاق النار وإصرار تل أبيب على هدنات مؤقتة وليس وقفا نهائيا للقتال، لكن سيتفق الطرفان على الهدنة باعتبارها إجراء تكتيكيا، يسمح بإعطاء المزيد من الوقت للوسطاء من أجل التوصل لوقف دائم لإطلاق النار وتحرير الأسرى، خاصة أن بقاء نتنياهو فى السلطة يتحدد وفقًا لبقاء التحالف بين اليمين المتطرف وحزب الليكود الذى يتزعمه.
ومن جانبه قال محمد سعيد الرز، المحلل السياسى اللبنانى، إن الصفقة التى اقترحتها حركة حماس، تشترط إجراء المفاوضات فى الجولة الأولى على وقف الحرب بشكل نهائى وليس وقفا مؤقتا، وإذا لم تتوقف الحرب فى المرحلة الأولى يتم تنفيذ ذلك فى المرحلة الثانية خلال إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين من الجنود وهى فرصة لإسرائيل فى إحراز تقدم بالمفاوضات.
والوثيقة الجديدة لم تتحدث عن مصير قطاع غزة فى اليوم التالى للحرب، ولكنها حددت المرحلة الثالثة على أن تكون مرحلة الإعمار، وأن يتم تبادل الأسرى والجثث ووقف الحرب خلال المرحلتين الأولى والثانية بين كل مرحلة والأخرى فاصل زمنى يصل لأسابيع.
وأوضح أن هناك عقبة رئيسية أخرى فى المفاوضات بين حماس وإسرائيل، فالأولى تصر على أن يختار أهالى غزة من يمثلهم ويحكمهم، ولكن تل أبيب تصر على تشكيل قوة عربية تدير قطاع غزة وهو ما ترفضه مصر بشدة.
وتحاول إسرائيل استغلال التواجد الأمريكى فى المنطقة لمساعدتها فى الحرب على حزب الله لتدمير قدراته وهو الأمر الذى ترفضه أمريكا حاليا، إذ تعلم أن إسرائيل غير قادرة على الدخول فى حرب خلال الوقت الراهن.
يذكر أن هناك ضغوطا عربية ودولية كبيرة على إسرائيل لعدم الدخول فى حرب شاملة مع حزب الله اللبنانى لأن ذلك سيجر المنطقة بأثرها إلى حرب إقليمية تهدد استقرارها، ولو كانت إسرائيل قادرة على تحقيق إنجاز فى حربها ضد لبنان لكانت فعلت ذلك دون الالتفات إلى أحد.