الصراع الخفى فى انقلاب بوليفيا.. الضربات الإرهابية والانقلابات والحروب الأهلية أحدث أدوات الحرب الباردة بين روسيا والغرب.. العدوى انتقلت من أفريقيا إلى أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية
يوما بعد يوم تتضح أصابع الصراع الغربى والروسى فى المشكلات العالمية، الانقلابات والضربات الارهابية والتوترات أصبحت أحدث أدوات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب من جهة، وروسيا مدعومة من الصين على الجهة الأخرى.
ويتبلور الصراع الغربى الشرقى فى العديد من دول العالم وجميع القارات سواء فى أفريقيا أو آسيا أو أمريكا الجنوبية أو أوروبا، إذ لم تعد هناك منطقة فى العالم بمنأى عن هذا الصراع الذى يراه البعض شرارة اندلاع الحرب العالمية الثالثة، لاسيما بعد الانقلابات التى شهدتها القارة الأفريقية المدعومة من قبل بعض القوى العظمى التى تتصارع على النفوذ كجزء من الحرب الباردة بينهم، وبدأت هذه الانقلابات والتوترات السياسية تنتقل إلى القارة الأوروبية وأمريكا الجنوبية وآسيا.
وفى مولدوفا يدور صراع كبير بين الانفصاليين فى إقليم ترانسنيستريا المدعومين من روسيا وحكومة مولدوفا المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ومنذ زيادة التوتر بين موسكو والغرب على خلفية الحرب فى أوكرانيا بدأ الصراع فى مولدوفا يأخذ منحنى تصاعديا على خلفية الحرب الباردة بين الشرق والغرب.
وجورجيا الدولة التى كانت تابعة للاتحاد السوفييتى واستقلت فى عام 1991، أخذت زمام دعم الحرب الباردة بين روسيا والغرب بعد أن خرجت مظاهرات عارمة فى جورجيا ضد قانون “التأثير الأجنبي”، الذى أقره البرلمان هناك، ونزل آلاف الأشخاص إلى الشارع ليتظاهروا ويعبروا عن غضبهم.
واتهم المتظاهرون الحكومة فى جورجيا بتبنى قانون يشبه القانون الروسى، مشيرين إلى أن هذا القانون يبعد تبليسى عن مسارها الأوروبى، ويقربها من موسكو.
وفى بوليفيا حاول عدد من قيادات الجيش الانقلاب على الشرعية والحكومة، التى يقودها حزب اليسار، الذى يتقارب مع روسيا، وأشارت تقارير إلى أن هناك أصابع أمريكية فى هذا الانقلاب، لإزاحة النظام الموالى لموسكو.
ولكن نجح الجيش فى بوليفيا والمؤسسات الأمنية فى السيطرة على الأوضاع فى البلاد واعتقال قيادات الجيش التى نفذت الانقلاب.
كما استعادت واشنطن ولاء الأرجنتين من خلال فوز الرئيس خافيير ميلى مؤخرًا، وتقدمت نحو عودة حلفائها لحكم تشيلى بعد طى صفحة جابرييل بوريك وحكومته مع نهاية السنة القادمة، لكن استمرار اليسار فى بوليفيا سيبقى العائق الأكبر فى طريق فوزها بنصيب الأسد فى مثلث الثروة فى جنوب القارة والذى يحتوى على المعادن النفيسة والتى من بينها معدن الليثيوم.
تقول الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، والباحثة فى الشأن الروسى، إن الصراع بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والغرب ليس جديدا، موضحة أنه أمر طبيعى ويمتد منذ فترة طويلة باعتبارهم قوتين متنافستين على النفوذ، والصراع لم يهدأ حتى بعد انتهاء الحرب الباردة.
وأضافت: بعد تفكك الاتحاد السوفييتى فى 1991، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تضم الدول التى انفصلت عن الاتحاد إلى معسكرها الغربى وحلف شمال الأطلسى “الناتو”، وذلك من أجل محاصرة روسيا ومنع تمددها، ومنذ أواخر التسعينيات وبداية الألفينيات كانت الولايات المتحدة الأمريكية هى القطب الأوحد، ودخلت فى حروب ضد دول حليفة لروسيا مثل صربيا من أجل إسقاط نظام الحكم الشيوعى فى هذه الدولة والقضاء على الفكر الشيوعى.
وأوضحت أنه خلال هذه الفترة لم يكن الصراع مجرد استقطاب، فأحيانا كانت تستخدم الولايات المتحدة القوة العسكرية لإسقاط أنظمة حكم فى العديد من دول العالم فى حال ولائها لروسيا أو لمجرد أنها تتبنى الفكر الشيوعى.
ولكن مع بداية ظهور روسيا قطبا منافسا للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد الحرب فى أوكرانيا، بدأ الصراع بين موسكو وواشنطن يأخذ منحنى آخر يتجنب المواجهة العسكرية خاصة مع اكتساب روسيا حلفاء جددا أصبحوا أكثر قوة وشكلوا تحالفا منافسا للتحالف الغربى بقيادة واشنطن سواء على المستوى الاقتصادى أو العسكرى، فأصبحت الصين قوة اقتصادية وعسكرية تهدد أمريكا، بالإضافة إلى خروج دول عديدة نامية فى آسيا أو أمريكا اللاتينية بقوة على المسرح الدولى، والتى بدأت تقف فى وجه الغرب.
ولم تستبعد نورهان الشيخ وجود يد أمريكية وراء الانقلاب داخل دولة بوليفيا، معللة بأن الصراع بين روسيا والغرب أصبح يأخذ شكل الشطرنج، إذ مع تحقيق موسكو مكاسب نفوذ داخل دول أفريقيا وإبعاد فرنسا وأوروبا من المشهد هناك، بدأت واشنطن وحلفاؤها يبحثون عن مكاسب جديدة لتعويض خسائرهم فى أفريقيا ببعض دول أمريكا اللاتينية التى تربطها علاقات قوية مع روسيا مثل الأرجنتين أو البرازيل وتشيلى وبوليفيا.
وفى السياق ذاته قال الدكتور أحمد طاهر، مدير مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية، إن الصراع بين روسيا والغرب ظهر منذ نهاية العقد الأول من القرن الحادى والعشرين مع استعادة موسكو لمكانتها الإقليمية والدولية.
وأوضح أن التفاهمات التى أبرمها الغرب مع موسكو فى أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتى، كان من أبرزها احترام الغرب للأمن الروسى وعدم الاقتراب من حدوده الجغرافية إلا أن السياسات الأمريكية بصفة خاصة والغربية على وجه الخصوص كشفت عن سعى حلف الناتو للاقتراب من الحدود الروسية، مما أعطى لموسكو أحقية الدفاع عن أمنها وسلامتها الإقليمية.
واستكمل: انعكس هذا الصراع على العديد الملفات والقضايا الدولية والإقليمية، خاصة فى ظل تصاعد التوتر الأمريكى مع الصين لتتسع دائرة الخلاف على قمة النظام الدولى بين قطب يحرص على ديمومة الأحادية القطبية وأطراف آخرين يرفضون تلك الأحادية وينادون بالتعددية القطبية.
وأضاف: لم يكن مستغربا أن يسعى كل طرف من الطرفين الروسى والغربى إلى تعزيز علاقاته مع حلفائه السابقين أو تجديد الشراكات مع بعضها الآخر، كما هو الحال فى العلاقات الروسية الكورية الشمالية، حيث أتت الزيارة الأخيرة للرئيس فلاديمير بوتين بعد ما يزيد على عشرين عاما من زيارته الأخيرة إلى بيونج يانج إلى جانب حرص موسكو على بناء شراكات مع حلفاء جدد فى الجنوب العالمى ولعل تجمع بريكس يعبر عن هذا التوجه.
على الجانب الآخر لم تختلف السياسة الأمريكية والغربية عن هذا التوجه، إذ تسعى نحو تعزيز الشراكات القائمة وبناء شراكات جديدة، ولكن هذا الأمر قد يشهد اختلافا مع ما ستفرزه الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى نوفمبر القادم وما تشهده الساحة الأوروبية اليوم من تصاعد فى فرص اليمين المتشدد الذى يميل إلى إصلاح العلاقة مع موسكو مما يجعل المستقبل مفتوحا على مسارات واحتمالات متعددة.
وفى سياق متصل، قال الدكتور معتز سلامة، الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: “إن الصراع المتزايد بين روسيا والغرب أصبح مرتبط بشكل أساسى بالأزمة الأوكرانية”.
وأوضح أن روسيا ترى أن الغرب يتعامل معها من منظور انتقامى، وفى الوقت نفسه باستهانة مفرطة وعدم تقدير لقوتها، وظهر ذلك من خلال قرار الغرب والناتو السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحتهم فى ضرب العمق الروسى.
ولفت إلى أن الغرب يسعى للدخول فى مواجهة مباشرة مع روسيا، مما وضع موسكو أمام خيارين إما رد فعل مباشر وقوى على الغرب من خلال ضرب أهداف أمريكية ومواقع للناتو أو دعم أطراف أخرى تقوم بهذه المهمة بالوكالة عن موسكو.
واختتم مؤكدا أن محاور الصراع بين روسيا والغرب أصبحت تتخلص فى ظهور صراعات جديدة على هامش الصراعات الحالية مثل انقلابات عسكرية أو مظاهرات أو ضربات إرهابية داخل بعض الدول فى إطار صراع النفوذ بين موسكو والغرب.