اقتصاديون: تراجع التضخم يمنح القطاع الخاص «قبلة الحياة»، هاشم: إفساح المجال وتقديم المزيد من الحوافز، والإدريسى: لابد من تخفيض الأسعار
تراجع القطاع الخاص كثيرًا طوال السنوات الثلاث الماضية نتيجة السياسات الحكومية الخاطئة، وهو الأمر الذى يطرح تساؤلات عدة عن كيفية إنقاذه وإعادته للحياة مرة أخرى، وما الذى يجب على الحكومة القيام به من أجل قطاع لا يعانى من الأزمات مستقبلا.
يقول الدكتور صلاح هاشم، الخبير الاقتصادى، إن تراجع مؤشر التضخم أمر إيجابي، لكنه ليس كافيا لتعافى القطاع الخاص الذى شهد تراجعا بعض الشيء خلال السنوات الماضية، موضحا أن هناك ضمانات حقيقية فى قانون الاستثمار وامتيازات من شأنها خلق المناخ الملائم للمستثمر.
ويؤكد الدكتور صلاح هاشم ضرورة فتح الباب للقطاع الخاص للمنافسة مع القطاع الحكومى، بالإضافة إلى ضرورة تقديم المزيد من التسهيلات مثل إلغاء أو تخفيض مقدم جدية التعاقد مع تخفيض الأعباء الضريبية التى تجعل القطاع الخاص يحجب عن الاستثمار.
وواصل صلاح هاشم حديثه قائلا: نجاح أي منافسة سوقية يحتاج إلى نزاهة المنافسة والحد من الفساد، وتتوافر الشفافية وإجراء المنافسة وفق معايير عادلة وحوافز تشجيعية منها الإعفاء الضريبى.
وأوضح أن ضبط الأسعار أمر يتطلب التنسيق بين القطاع الحكومى والأهلى وتفعيل دور الجمعيات الخاصة بحماية المستهلك فى كل مدينة ومحافظة مع تكثيف الرقابة على الأسواق ومنح حملات وزارة التموين الضبطية القضائية مع العمل على توفير السلع بالأسواق لمحاربة جشع التجار الذين يخفون السلع لتعطيش السوق ورفع أسعارها.
من ناحيته، يرى الدكتور علاء رزق، الخبير الاقتصادى، ومدير مركز التنمية الاستراتيجية، أن تعافى القطاع الخاص فى ظل تراجع معدلات التضخم أمر بالغ الأهمية، خاصة أن هناك اتساعا بين التقديرات الحكومية، والمؤسسات العالمية بشأن القطاع الخاص بعدما شهدت الفترة الماضية مواصلة انكماشه ضمن مؤشر مديرى المشتريات لمجموعة “ستاندرد آند بورز” الأمريكية.
ويضيف رزق أن التصريحات الحكومية بشأن تمكين الكيانات الخاصة تعددت خلال السنوات الماضية ما بين دعم القطاع الخاص بقوة عبر إصلاحات بلغ عددها 144 إجراء خلال الفترة من مايو 2022 وحتى سبتمبر 2023، أو أن نسبة مشاركة القطاع الخاص فى الاقتصاد اتسعت وستصل إلى نحو 75% خلال العام المقبل.
وجاء تقرير المؤسسة العالمية مخالفا لذلك، حيث تراجع مؤشر مديرى المشتريات عن فى مصر إلى 47.4 نقطة فى أبريل المنقضى من 47.6 نقطة فى مارس، للشهر الـ41 على التوالى، وتعرضت الطلبات الجديدة لقيود بسبب ضعف الطلب وزيادة الأسعار وتقلب العملة، مع عدم تفعيل برنامج الطروحات الحكومية بصورته الكاملة، قبل أن يتحسن المؤشر قليلا فى مايو الماضى إلى ٤٩٫٦ وهو ما يشير إلى تباطؤ تراجع القطاع الخاص.
يذكر أن مؤشر مديرى المشتريات الرئيسى هو رقم يتراوح بين صفر و100 فإذا كان أعلى من 50 يمثل توسعا بالمقارنة مع الشهر السابق، لكن إذا تمت قراءته بأقل من 50 فذلك يمثل انكماشا، والقراءة عند 50 تشير إلى عدم وجود تغيير.
ويوكد رزق أن ظهور البيانات الحكومية المتعلقة بالتضخم عن شهر أبريل الماضى، والصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، تكشف عن تراجعه فى مصر على أساس سنوى إلى 31.8 فى المئة من 33.1 فى المئة خلال مارس الماضى، ويدور تساؤل بشأن تأثير ذلك بالإيجاب على القطاع الخاص.
وتابع: نرى أن ذلك لن يترتب عليه ارتفاع مؤشر مديرى المشتريات فى البلاد أو وصوله إلى نقطة التعادل بين الهبوط والصعود، كون ذلك يرتبط باستمرار انخفاض التضخم لنحو شهرين أو ثلاثة أشهر على الأقل، لتظهر فعاليته على قرارات الاستثمار لدى القطاع الخاص الذى يحتاج إلى محفزات كبيرة من أجل التوسع والانطلاق، وتغيير وضع مؤشر مديرى المشتريات فى البلاد الذى يقيس مدى توسع أو انكماش ذلك القطاع.
وأضاف: القطاع الخاص فى مصر يواجه عقبات تعرقل توسعه، مع عدم التناغم بين السياسات المالية والنقدية، وثمة مخاوف من الإقبال على مبادرات التمويل التى تطرحها البنوك خوفا من التخلف عن سدادها ويبقى الأمل فى ضرورة تكاتف جهود التعاون الإقليمى والدولى بشأن تطبيق نظم المشاركة مع القطاع الخاص على النحو الذى يضمن الكفاءة والتركيز على نقاط القوة وتقديم الحلول الاستراتيجية، لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية الشاملة والتحول نحو ضخ المزيد من الاستثمارات الخاصة فى المشروعات الخضراء الداعمة للتحول نحو الاقتصاد النظيف.
وشدد على ضرورة إيجاد إطار دائم للتواصل والتنسيق بين وحدات المشاركة بالمنطقة العربية لتبادل الخبرات فيما بينها، وفتح آفاق رحبة ذات أولوية بالدول الشقيقة لتعزيز مزيد من الاستثمارات الخاصة للمشروعات التى يتم طرحها مع القطاع الخاص، بما يسهم فى تحقيق الزخم والترابط الاقتصادى.
وأوضح أن هناك ضرورة لتعميق مشاركة القطاع الخاص بمختلف القطاعات فى نطاق البنية الأساسية والمرافق والخدمات العامة والمشروعات التنموية وتأسيس منصة عربية لتبادل الخبرات وتشجيع الشركات الإقليمية فى مشروعات المشاركة بالمنطقة العربية من خلال مشروعات مدروسة بعناية وآليات طرح وتعاقد أكثر شفافية وعقود متوازنة.
وأشار إلى أن الهدف الأساسى الذى يجب أن نسعى إليه هو معالجة الاختلالات المالية والخارجية القائمة منذ وقت طويل، والتى تفاقمت بسبب الصدمات العالمية المتعددة، وقد تحول معها الاقتصاد نحو القطاعات غير التجارية ذات القيمة المضافة المنخفضة، مما أدى إلى ضعف أداء الصادرات والاستثمار الأجنبى المباشر.
وأدى ارتفاع الدين الحكومى (الذى بلغ 95.2٪ من إجمالى الناتج المحلى فى آخر التقارير فى نهاية السنة المالية 2023)، وبالتالى ارتفاع مدفوعات الفائدة، إلى تقييد الإنفاق على رأس المال البشرى والحماية الاجتماعية وكان التضخم مرتفعًا بشكل تاريخى، وسجل ارتفاعًا أكبر وصل إلى 33.8٪ فى عام 2023، بعدما كان 13.8٪ فى عام 2022.
كما أن المشاركة فى سوق العمل مستمرة فى الانخفاض، لا سيما بالنسبة للنساء، وقد أدت الصدمات العالمية الحادة، لاسيما الأزمة الروسية الأوكرانية، وتشديد السياسة النقدية العالمية، ومؤخرا الصراع فى الشرق الأوسط، إلى تفاقم هذه الاختلالات الموجودة من قبل، وبالتالى فإن الخطة الحكومية المستقبلية تدور حول فلسفة الرئيس السيسى من أن الهدف من الاقتصاد الحر والسوق الحرة منح الفرصة للجميع، وهو ما أدى إلى تراجع دور الحكومة.
من ناحيته يرى الدكتور على الإدريسى، الخبير الاقتصادى وأستاذ الاقتصاد بالأكاديمية البحرية، أن انتعاش القطاع الخاص أمر يتوقف على السياسات الاقتصادية، ومنها السياسات النقدية، موضحا أن تراجع التضخم أمر جيد لكن لابد أن يصاحبه تراجع فى أسعار الفائدة لأن القطاع الخاص دائمًا ما يعتمد على الاقتراض من البنوك خاصة فى عملية الاستيراد.
ويضيف الإدريسى أن هناك خطوة أخرى بالغة الأهمية قد تسهم فى تعافى القطاع الخاص، وهى الجزء الخاص بالسياسات الضريبية، موضحا أهمية تقديم حوافز لمن يقدم على الاستثمار مما يجعله قادرا على مواجهة الأزمات التى تحدث سواء للاقتصاد العالمى أو المحلى مع ضرورة وجود مستثمرى القطاع الخاص فى حوار مجتمعى للمشكلات التى تواجههم.
ويرى الإدريسى أن ضبط الأسعار مرتبط بزيادة الإنتاج وتفعيل دور الجهات الرقابية لوقف التلاعب فى الأسعار ومحاربة سياسات الاحتكار التى يمارسها التجار عن طريق تعطيش السوق.