روشتة إنقاذ القطاع الخاص.. خريطة طريق الخروج من الأزمة.. خبراء يطالبون بالاستجابة السريعة لمطالب المستثمرين وتوفير حوافز وعروض مميزة وإزالة العقبات من أمامهم
على مدى السنوات الماضية انكمش القطاع الخاص المصرى بشكل غير مسبوق؛ فقد أدى نقص العملة الصعبة إلى فرض البنك المركزى ضوابط صارمة على رأس المال، وتقييد الوصول إلى العملة الصعبة والاحتفاظ بها لاستيراد السلع الأساسية، وسداد الديون الخارجية، ومحاولة الحفاظ على قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكي.
خلال تلك الفترة، نشأت سوق موازية للعملة الصعبة، بسعر صرف خاص بها، نتيجة تخبط الحكومة وسياستها المرتبكة وعدم إيجاد حلول لأزمات الاقتصاد؛ حيث لجأت شركات القطاع الخاص إلى السوق السوداء لتمويل وارداتها، ليس هذا فحسب بل زادت أزمات القطاع الخاص بفعل هذه السياسات الخاطئة لحكومة مدبولى وأصبحت شركات ومصانع عديدة مهددة بالتوقف نتيجة عدم قدرتها على التعامل مع الأزمات بالإضافة إلى الشكوى من الروتين الحكومى والضرائب.
وعلى الرغم من اتفاق رأس الحكمة الذى تم توقيعه مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار والاتفاق على قرض موسع مع صندوق النقد الدولى بقيمة 8 مليارات دولار، إلا أن مؤشر ستاندرد اند بورز جلوبال لمديرى المشتريات فى مصر انخفض إلى 47.4 نقطة فى أبريل قبل أن يرتفع إلى 49.6 نقطة فى مايو 2024 لتسود حالة من التفاؤل بتحقيق القطاع الخاص، معدلات مميزة على طريق النمو والخروج من شبح الأزمة.
والسؤال الآن: ما هى مشكلات القطاع الخاص وكيف يمكن حلها؟ وما الواجب على الحكومة الجديدة المرتقب الإعلان عن تشكيلها عمله لإنقاذ القطاع الخاص وتسريع نموه؟.. “فيتو” تتناول هذه القضية بالتفصيل فى سياق الملف التالي:
يعانى القطاع الخاص من بطء تعامل الحكومة مع الأزمات التى تواجهه وعدم الاستجابة السريعة لمطالبه، على الرغم من الوعود بالنظر إلى هذا القطاع بعين الاعتبار، وتسخير كافة الإمكانات المتاحة وتقديمها له، إذ يمثل أهمية كبيرة فى النهوض بالمنظومة الاقتصادية.
ويستحوذ القطاع الخاصة على 71% من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى خلال العامين 2023-2024، كما بلغت حصته فى قطاع الاستثمارات 40%، إضافة إلى أنه يمثل النسبة الأكبر فى قطاع التوظيف بواقع 80% خلال العام الجاري، وعلى الرغم من تباطؤ وتيرة التراجع فى القطاع الخاص إلا أنه لم يصل إلى المستوى المرجو بسبب بطء التعامل مع العقبات التى يواجهها.
يقول الدكتور محمد يونس، الخبير الاقتصادى عميد كلية التجارة بجامعة الأزهر، إن القطاع الخاص شريك رئيسى فى عملية تنمية الاقتصاد المحلي، ومن الضرورى إفساح المجال أمامه وعدم مزاحمته، نظرا للأهمية الكبرى التى يلعبها فى عملية الإصلاح الاقتصادى جنبا إلى جنب مع القطاع العام، ومساهمته فى زيادة معدلات النمو الاقتصادى والناتج المحلى الإجمالي، وتراجع معدلات البطالة، وبالتالى تتحسن كافة المؤشرات الاقتصادية.
وأوضح خلال تصريحات خاصة لـ”فيتو”، إن أهم المميزات التى يتمتع بها القطاع الخاص هى الحرص والدقة فى إدارة المؤسسات الاقتصادية لتجنب الخسائر وتحقيق أعلى نسب للربح، وهذا هو الهدف الرئيسى له، لافتا إلى أن هذا هو سر نجاح القطاع الخاص، مما يجذب العديد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالسوق المصرى كأحد أشكال التعاون الاقتصادى بين مصر ومختلف الأسواق العالمية.
وأشار يونس إلى ضرورة القضاء على البيروقراطية وتسهيل الإجراءات الإدارية وإجراءات التراخيص والتى باتت تأخذ وقتا وجهدا كبيرا، والعمل على تقديم المزيد من الحوافز والتسهيلات والامتيازات التى يتم منحها للمستثمر سواء الأجنبى أو المحلى وتسهيل كافة العقبات التى تواجههم، لضمان جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للسوق المصري.
من جانبه، قال الدكتور محمود السعيد عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابق بجامعة القاهرة نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث، إن القطاع الخاص فى أى دولة هو قاطرة النمو الاقتصادى بمختلف القطاعات، حيث يستحوذ على ما يقرب من 75% من العمالة، وبالتالى يجب أن يكون إسهام القطاع الخاص فى الناتج المحلى الإجمالى متماشيا مع هذه النسب.
وأضاف خلال تصريح خاص لـ «فيتو»، أن القطاع الخاص له أهمية كبرى فى النهوض باقتصادنا المحلي، منوها إلى أن الحكومة حرصت على الاهتمام بهذا الملف من خلال وثيقة ملكية الدولة التى أصدرتها منذ عامين، حيث أتاحت هذه الوثيقة مساحة للقطاع الخاص للمشاركة فى عملية النمو الاقتصادي.
وألمح السعيد إلى أننا لا زلنا بحاجة إلى المزيد من الجهود لدعم هذا القطاع وزيادة دوره، والعمل على جذب الاستثمارات بمختلف المجالات من خلال توفير الجو الاستثمارى الملائم، لتوفير النقد الأجنبى والسيولة الدولارية التى نحتاجها.
وأشار إلى أن الحكومة حرصت على تقديم العديد من المبادرات التى تعد إحدى صور الدعم للقطاع الخاص على مدار العامين الماضيين، لافتا إلى أن الأزمة الاقتصادية التى شهدناها مؤخرا أثرت بشكل كبير، قبل أن تعود المؤشرات إلى الاستقرار مرة أخرى خلال الأشهر القليلة الماضية.
وتابع نائب رئيس جامعة القاهرة، بأنه يجب النظر إلى معدلات الفائدة والبدء فى سلسلة الخفض، حيث استقر سعر الصرف ومعدلات التضخم خلال الفترة الحالية، مما يسهم فى جذب مزيد من الاستثمارات بكافة القطاعات، إذ تشير التوقعات إلى تراجع معدلات التضخم عن النسب الحالية بحلول نهاية العام الجارى بعد استقرار الأسعار ووصولها إلى مستوياتها العادلة.
على جانب آخر، ترى الدكتورة هدى الملاح مديرة المركز الدولى للاستشارات الاقتصادية ودراسة الجدوى الخبيرة الاقتصادية، أن الاقتصاد المصرى بمختلف قطاعاته سواء العام أو الخاص، يعمل على تحقيق معدلات التنمية وسط ظروف عالمية صعبة، بداية من جائحة كورونا مرورا بالأحداث الجيوسياسية منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والصراع الفلسطينى الإسرائيلي، إضافة إلى اضطرابات البحر الأحمر على خلفية هجمات الحوثيين على السفن التجارية، ومجابهة الأزمات الداخلية، وعلى رأسها أزمة الدولار، ومحاربة السوق الموازية.
وأكدت خلال تصريحات خاصة لـفيتو، أن اقتصادنا المحلى بحاجة إلى خريطة استثمارية جديدة يتم تنفيذها وفقا للأولويات، ويتم تحديدها على حسب أهمية كل قطاع، لافتة إلى ضرورة التركيز على قطاع الاستثمار والسياحة والصناعة والزراعة، باعتبارها القطاعات الأساسية للنهوض بالمنظومة الاقتصادية بمختلف المجالات، وتراجع معدلات البطالة.
وتابعت الملاح: يجب إشراك القطاع الخاص فى النهوض باقتصادنا من خلال تحسين أداء قطاعى الزراعة والصناعة، ودفع عجلة الإنتاج وإحلال المنتج المحلى من السلع الاستراتيجية والغذائية وغيرها من المنتجات بدلًا من الأجنبى لتقليل فاتورة الواردات والطلب على الدولار، الأمر الذى يسهم فى تحقيق التوازن المطلوب فى الميزان التجاري، وتراجع أسعار مختلف السلع والمنتجات والخدمات إلى مستوياتها العادلة مما يخفض معدلات التضخم عن النسب الحالية.