رئيس التحرير
عصام كامل

عبد الوهاب المسيري.. رحلة التحولات الفكرية لصاحب موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية".. أقام دعوى قضائية ضد مبارك لهذا السبب.. ورأيه في مؤلفات عالم الجغرافيا جمال حمدان

المفكر الدكتور عبد
المفكر الدكتور عبد الوهاب المسيرى

الدكتور عبد الوهاب المسيرى، مفكر عربى إسلامي، من دعاة تأسيس حداثة إسلامية، أستاذ العلوم الإنسانية بالجامعات المصرية والأجنبية فهو الحاصل على الدكتوراه فى الأدب الإنجليزى من الجامعات الأمريكية، له دراسات عديدة فى اليهودية والصهيونية، ومن أشهر مؤلفاته موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية" وقد رحل فى مثل هذا اليوم عام 2008.

ولد الدكتور عبد الوهاب المسيرى في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة عام 1938 تخرج في كلية الآداب جامعة الاسكندرية وعين معيدا فيها عام 1959، سافر بعدها إلى أمريكا عام 1963، حيث حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا بنيويورك عام 1964، وعلى الدكتوراه من جامعة رتجرز نيوجيرسي عام 1969.

نشأ فى أسرة ثرية 

نشأ الدكتور عبد الوهاب المسيري في أسرة ريفية ثرية وتعلم في المرحلة الابتدائية والثانوية في بلدة دمنهور. وكان والده من رجال الأعمال ولكنه كان حريصا على تنشئة أولاده على الاعتماد على الذات، وعنها قال المسيري: هذه النشأة جعلتني باحثا مثابرا،  لا تنس أن أبناء البرجوازية الريفية -وأنا منهم- ينشئون في خشونة، خلافا لأبناء البرجوازية الحضرية.

 كان والدي يردد أنه لا علاقة لنا بثروته، زادت أم نقصت، وأن علينا أن نعيش في مستوى أولاد الموظفين، كنت أشكو من هذا آنذاك، لكنني تعلمت، فيما بعد، عندما ازددت حكمة، أنه نفعنا كثيرا بذلك.

تقلد وظائف بحثية متعددة 

شغل عبد الوهاب المسيري خلال مسيرته  العديد من المناصب والوظائف وكان أبرزها، رئيس وحدة الفكر الصهيوني وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، والمستشار الثقافي للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك، بالإضافة إلى أستاذ الأدب الإنجليزي والمقارن  بجامعة الملك سعود وجامعة الكويت، كما عمل أيضا، أستاذًا غير متفرغ بجامعة عين شمس، وأستاذًا زائرًا بالجامعة الإسلامية العالمية، في ماليزيا، وبأكاديمية ناصر العسكرية، وعين مستشارا أكاديميا، للمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن.

الدكتور المسيرى 


وفي 2004، كان الدكتور عبد الوهاب المسيري من أوائل مؤسسي حزب الوسط الإسلامي، لينضم بعدها إلى الحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية”، التي ظهرت قبل إعادة انتخاب الرئيس الأسبق حسني مبارك لولاية خامسة عام 2005، وعارض فيما بعد مشروع توريث جمال مبارك رئاسة الجمهورية، كما شغل المسيري عام 2007 قبل وفاته بعام واحد منصب المنسق العام لحركة كفاية، كما تعرض للاعتقال أكثر من مرة بسبب آرائه المعارضة.

إيمانه ناتج عن رحلة عقلية 


شهدت رحلة الدكتور عبد الوهاب المسيرى الفكرية تحولات كثيرة من التقليدي المحافظ إلى القومي، مرورا بالإخوان المسلمين ثم الماركسية.. فيقول عن هذه التقلبات فى كتابه "رحلتي الفكرية": لقد التحقت في بداية حياتى لفترة قصيرة بالإخوان المسلمين فى مرحلة الصبا، ثم اتجهت إلى الماركسية وعشت مرحلة الشك، ولكن مع الالتزام بالقيم المطلقة، مثل: الحق والخير والجمال والإيمان بأن الإنسان كائن غير مادي، وضرورة إقامة العدل فى الأرض، وعلى مدى ثلاثين عاما عدت مرة أخرى إلى الإسلام لا كعقيدة دينية وشعائر فحسب، وإنما كرؤية للكون والحياة، ولم يولد الإيمان داخلى إلا من خلال رحلة عقلية طويلة وعميقة لأنه إيمان عقلي لم تدخله عناصر روحية.

الدكتور عبد الوهاب المسيرى 


تعتبر موسوعة الدكتور عبد الوهاب المسيري “اليهود واليهودية والصهيونية” التي قضى في إعدادها ربع قرن من حياته، أحد أكبر الأعمال الموسوعية فى القرن العشرين، فخرجت فى ثمانية أجزاء كمحاولة لإيصال فكرة حقيقية عن اليهود كعدو لم يكن يعرف عنه إلا من خلال كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون”، استعرض فى موسوعته كل جوانب تاريخ اليهود فى العالم القديم والحديث وكافة أحوالهم الاجتماعية وعلاقاتهم بالديانات الأخرى.

الدكتور المسيرى 


وتتناول هذه الموسوعة جوانب تاريخ العبرانيين في العالم القديم، وتواريخ الجماعات اليهودية بامتداد بلدان العالم، وتعداداتها وتوزيعاتها، وسماتها الأساسية، وهياكلها التنظيمية، وعلاقات أفراد الجماعات اليهودية بالمجتمعات والدول التي يوجدون فيها وبالدولة الصهيونية.

حارب الأسماء الأجنبية 

تبنى الدكتور عبد الوهاب المسيرى سلوكا معارضا طوال حياته حتى أنه قبل وفاته أقام دعوى قضائية ضد الرئيس الراحل حسنى مبارك عام 2007 يطالب بتطبيق مادة دستورية تنص على أن العربية هي اللغة الرسمية للدولة بعد انتشار الأسماء الأجنبية فى مصر.



أصدر المسيري، خلال رحلته، العديد من الكتب والدراسات، التي تناولت الاختلافات والمعتقدات الفكرية منها الانتفاضة الفلسطينية والأزمة الصهيونية، الاستعمار الصهيونى وتطبيع الشخصية اليهودية، الفرو الأرضى، الأيديولوجية الصهيونية، مختارات من الشعر الرومانتيكى الانجليزي، الفلسفة المادية وتفكيك الانسان ـ العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، اللغة والمجاز، الموسوعة الموجزة، الحداثة وما بعد الحداثة، وغيرها.


اهتمام خاص بالطفل 


كما كان للأطفال نصيب من كتابات الدكتور عبد الوهاب المسيري، فقدم: نور والذئب الشهير بالمكار، معركة كبيرة صغيرة، سر اختفاء الذئب الشهير بالمحتار، قصص خيالية جدا، أغنيات إلى أشياء الجميلة، ماهى النهاية، سندريلا، زينب هانم خاتون وغيرها.

تأثر بدراسات جمال حمدان عن اليهود 


كثيرا ما أكد الدكتور المسيرى تأثره بكتابات الدكتور جمال حمدان فى دراساته الجغرافية عموما ودراساته عن اليهود خاصة، فكتب يقول عنه: كنت أحس بالإعجاب الشديد فى أسلوب كتابته وفى أسلوب حياته، هذا الزهد العلمى الشديد والإعراض عن الدنيا الذى مكنه من إنجاز جوانب مهمة من مشروعه المعرفى الكبير، وهذا ما شجعنى على الاستقالة من الجامعة لإنجاز مشروعى المعرفى، تعلمت منه الواحدية المادية العلمية والتعصب للمناهج الرياضية وإعادة الاعتبار للخيال والحدس فى عملية التفكير العلمى، وأهم ما استفدت منه الخروج بالظواهر اليهودية والصهيونية من دائرة التوراة والتلمود ووضعها فى سياقات تاريخية لتصبح ظواهر مختلفة عن كل ما هو سائد عنها.

المسيرى وزوجته هدى حجازى 

اشتهر الدكتور عبد الوهاب المسيرى بتنوع أعماله التى نال عنها العديد  من الجوائز والتكريمات  منها جائزة سوزان مبارك لأحسن كاتب لأدب الطفل عام 2003، وجائزة أحسن كتاب بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2001 عن كتاب "رحلتي الفكرية"، وجائزة سلطان العويس بالإمارات العربية المتحدة عن مجمل الإنتاج الفكري، أيضا جائزة أستاذ الجيل من جائزة الشباب العالمية لخدمة العمل الإسلامي الخامسة بمملكة البحرين، كما نال العديد من شهادات التقدير من المنظمات والمؤسسات المصرية والعربية، كنقابة الأطباء العرب،  والجامعة الإسلامية العالمية بأندونيسيا، ومنظمة فتح الفلسطينية.

رحيل فى السبعين من عمره 

رحل الدكتور عبد الوهاب المسيري بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان فى مثل هذا اليوم 3 يوليو عام 2008، بمستشفى فلسطين بالقاهرة عن عمر 70 عاما، بعد أن ترك خلفه تراثا فكريا وثقافيا ما زال محل دراسة الأجيال من بعده.
 

الجريدة الرسمية