سيناريوهات الملء الخامس لسد النهضة.. شراقى: آخر مراحل حبس النيل.. وفشل أديس أبابا فى تركيب ١١ توربينا لتوليد الكهرباء يجبرها على تصريف المياه قبل الفيضانات
يقترب موسم فيضان نهر النيل فى الهضبة الإثيوبية، ومعه يتجدد الحديث حول الأضرار البالغة التى يحملها مشروع السد الإثيوبى لدولتى المصب مصر والسودان، خاصة بعد أن أعلنت مصر وقف مسار المفاوضات الذى امتد قرابة 12 عامًا دون فائدة من إثيوبيا التى اتخذت التعنت منهجا لها فى التعامل مع المخاوف المصرية والسودانية، وجددت عزمها تنفيذ رؤيتها فى جعل سد النهضة محبسًا مائيا تتحكم من خلاله فى النهر الذى ظل لآلاف السنين مصدر الحياة فى مصر.
ولا حديث بين خبراء المياه فى مصر إلا عن الملء الخامس الذى يقترب موعده فى يوليو المقبل، وهل سيكون الأخير لملء بحيرة سد النهضة حتى ينتهى ماراثون التفاوض على عملية الملء بشكل نهائى لنبدأ فى مرحلة التشغيل التى تشكل خطرًا بالغا على مستقبل نهر النيل ومستقبل دول المصب فى ظل عدم التوصل إلى صيغة قانونية إلزامية لإثيوبيا حول طريقة إدارة سدها بما لا يؤثر على السدود المصرية والسودانية ويضمن حصص المياه التاريخية للدولتين.
من جانبه أكد الدكتور عباس شراقى، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، إن التخزين الخامس فى يد إثيوبيا، وستقرر الكميات التى تخزنها أو تصرفها من السد خلال فترة الفيضانات المقبلة نظرا لانتهاء مفاوضات سد النهضة دون التوصل لاتفاق قانونى ملزم حول مراحل الملء، والتى تنتهى الموسم الحالى إلى جانب التشغيل الذى تبدأ أولى مراحلة بعد انتهاء عملية الملء الخامس.
ولفت إلى أن مصر يمكنها أن تتلافى أضرار السد الإثيوبى من خلال السد العالى ومخزونه من مياه النيل، مؤكدا أن التخزين الخامس لسد النهضة سوف يبدأ أعلى من منسوب 625م، ومن المتوقع أن يصل إلى منسوب 640 م بإجمالى تخزين 64 مليار م3، ولكن لأول مرة يمكن التحكم فى كمية التخزين والتى تبلغ أقصاها 23 مليار م3، حيث يمكن تمرير معظم مياه الفيضان عكس التخزينات الأربعة السابقة التى كانت إجبارية بعد رفع جسم السد، عن طريق فتح بوابات المفيض العلوية عند منسوب 625م، لتصريف حوالى 300 مليون م3/يوم، وبوابتى التصريف المنخفضتين 150 مليون م3/يوم، وتشغيل التوربينين 50 مليون م3/يوم بإجمالى قدرة على تصريف حوالى 500 مليون م3/يوم، وهذا يعادل متوسط الفيضان فى أغسطس.
وأكد أن كمية التخزين الخامس يمكن أن تتراوح بين عدة مليارات وقد تصل إلى 23 مليار م3 كحد أقصى، وفى هذه الحالة يكون التخزين الأخير، وتتوقف كمية المياه فى التخزين الخامس على قدرة إثيوبيا فى تركيب وتشغيل أكبر عدد من الـ 11 توربين المتبقية بعد تركيبها توربينين فقط خلال 14 سنة من العمل على إنشاء السد، وإن لم تستطع تشغيلهما فليس من مصلحتها ملء الخزان كاملًا دون استفادة، حيث يمثل ذلك ضغطًا كبيرًا على السدين الرئيسى الخرسانى وسد السرج المكمل، وفى النهاية ستضطر لفتح بوابات المفيض لتصريف المياه قبل موسم الأمطار التالى دون فائدة، كما كانت تفعل فى فتح بوابتى التصريف فى السنوات السابقة.
وأشار إلى أن مخزون بحيرة سد النهضة الحالى ثابت عند 35 مليار م3 وذلك منذ فبراير الماضى، حيث إن كمية المياه التى تأتي عند سد النهضة من بحير تانا تعادل كمية المياه المستخدمة فى توليد الكهرباء، وقد توقف التخزين الرابع فى التاسع من سبتمبر 2023 عند تخزين 41 مليار م3، ثم فتحت إثيوبيا بوابتى التصريف فى 31 أكتوبر، 8 نوفمبر 2023 لخفض منسوب البحيرة لتكملة خرسانة الممر الأوسط، وتم إغلاقهما 27 يناير 2024 بعد تصريف حوالى 6 مليارات م3 خلال الثلاثة أشهر وانخفاض منسوب بالبحيرة حوالى 10 أمتار حتى منسوب 615م، لم تستفد منهم إثيوبيا فى إنتاج الكهرباء.
وتوقع شراقى أن يكون فيضان هذا العام أعلى من المتوسط فى الهضبة الإثيوبية مشيرا إلى أن بحيرة فيكتوريا شهدت موسمان للأمطار كانا أعلى من المعدل وسجلت البحيرة أعلى منسوب فى التاريخ، وأن الفيضان الثالث على إثيوبيا متوقع أن يكون أعلى أيضًا وفقًا للبشاير التى تم رصدها فى مايو ويونيو.
من ناحيته أكد الدكتور خالد أبو زيد الخبير الدولى فى المياه، أن تساقط الأمطار بمعدلات كبيرة على بحيرة فيكتوريا لا يرتبط إحصائيًا بالهضبة الإثيوبية التى تمتاز بظروف مختلفة إلى جانب كونها المصدر الرئيسى لنهر النيل فى مصر بنسبة 85% بينما تسهم الهضبة الاستوائية بنسبة 15% فقط من إجمالى إيراد نهر النيل، وتذهب الكثير من المياه المتساقطة عليها إلى المستنقعات المحيطة لمجرى النهر وأن زيادة المياه المتساقطة على الهضبة الاستوائية لا تعوض أي نقص من مياه الهضبة الإثيوبية فى حالات الجفاف والجفاف الممتد أو أي نقص فى حصة دولتى المصب جراء ملء وتشغيل سد النهضة.
ولفت إلى أن هناك مخزونا من المياه فى السد العالى يمكن أن يكفى احتياجاتها لعامين أو أكثر لكن الأزمة تكمن فى حالات الجفاف الممتد مثل التى تعرضت له دول حوض النيل خلال فترة الثمانينيات.
وأشار إلى أن الملء الخامس يعتبر الأخير فنيا، ولا يمكن الجزم بحجم التخزين الذى ستصل إليه بحيرة السد والتى تستوعب كحد أقصى 74 مليار م3 وأن هذا المنسوب لن تصل إليه إثيوبيا هذا العام لعدم اكتمال الإنشاءات المخطط لها، وأن إثيوبيا ستكون مضطرة لتصريف كثير من المخزون أما لتوليد الكهرباء أو الاستعداد لاستيعاب فيضان العام التالى، لأن فى حالة عدم تصريف ما تم تخزينه فسيكون هناك خطورة كبيرة على جسد السد الإثيوبى، وفى نهاية كل عام تصرف إثيوبيا كميات من المياه.
وكشف أبو زيد أن هناك دراسات تم إجراؤها من جانب المجلس العربى للمياه حول فواقد البخر والتسرب فى بحيرة سد النهضة، والتى قد تصل إلى 5 مليارات م3 تخصم من حصة دولتى المصب إلى جانب التخزين الأول للمياه أمام السد الإثيوبى أسفل فتحات التصريف والتوربينات، والذى يعتبر تم خصمة من حصة مصر والسودان منذ البداية.
وشدد على أن مرحلة التشغيل يجب أن تخضع لاتفاق قانونى ملزم لكافة الأطراف لإدارة العمليات المائية بين السد الإثيوبى ودول المصب، ليكون هناك تنسيق دائم حول احتياجات المياه بين السدود المصرية والسودانية والسد الإثيوبى الذى لا يجب أن تصل معدلات الملء فيه للحد الأقصى لأن ذلك يزيد من عمليتى البخر والتسريب ويتسبب فى فواقد كبيرة من المياه، خاصة أن مسطح بحيرة السد الإثيوبى تصل فى أقصاها إلى 1800م2 وهى مساحة كبيرة تزيد معها عملية البخر لذلك يجب أن يتم التشغيل للسد الإثيوبى وفقًا لمناسيب متوسطة وليست مرتفعة خاصة فى سنوات الجفاف لتقليل المخصوم من رصيد بحيرة ناصر.