أسرار استقالة البرادعي.. السيسي رفض سعي "البوب" لإرضاء الغرب على حساب مصر.. فشل مفاوضاته لـ"خروج آمن" لقيادات الإخوان.. وكشف مخططه مع "حمدين" بالإساءة إلى قيادات الجيش
وكأن الدكتور محمد البرادعي أبى أن يكون رجلًا إلى النهاية، ومارس هوايته في الهروب من السفينة في أحلك اللحظات التي تحتاج فيها إلى مخلصين، لا إلى خونة، للوصول بها إلى بر الأمان.
البرادعي بطل، ولكن على الورق فقط.. "بوب" ولكن على "تويتر" فقط.. وسياسي اعتاد أن يغرد بعيدا عن سيمفونية المصريين.. رجل اعتاد الشعب منه على "الهروب" وقت الاحتياج إليه.. وهو رجل المواقف "المائعة" على الإطلاق.. والتصرفات التي تحتاج إلى الدجالين والمشعوذين لتفسيرها.
استقالة "البرادعي" من مهام منصبه كنائب لرئيس الجمهورية للشئون الدولية، لرفضه فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بالقوة، ليست مجرد استقالة عابرة من مسئول كبير في الدولة، لتسجيل موقف مشرف في ظرف استثنائى- كما يعتقد- ولكنها استقالة تدينه ولا تنصفه.. تفضحه ولا تبرئ ساحته.. تسجل اسمه بحروف من "قطران" في سجل الوطن المثخن بالجراح.
استقالة البرادعى تؤكد فشله الدائم، كما تؤكد أنه رجل يخاف على جائزة نوبل وعلى "زعل" الغرب أكثر من خوفه على "مصر" في مرحلة تحتاج إلى رجال لا إلى "تويتريين".. تحتاج إلى حزم وحسم لا المتاجرة بمواقف سياسية باهتة.
منذ توليه مهام منصبه بالرئاسة والبرادعي يمثل "الزائدة الدودية" في جسد النظام. التي تلتهب يوما بعد يوم، وكان لا بد من استئصالها إن عاجلا أو آجلا.. ولكنه استبق الجميع، وأعلن استقالته، ليظهر للعالم الخارجى- الذي يحرص على رضائه- بأن هناك خلافات حادة داخل النظام الحالي في مصر.
استقالة البرادعي سبقتها كواليس كثيرة وتفاصيل مثيرة، حيث كان النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الدفاع والإنتاج الحربى الفريق أول عبد الفتاح السيسي يرى- بعد حصوله على تفويض شعبي بمحاربة الإرهاب في 26 يوليو الماضى- أن يطرق الحديد وهو ساخن ويفض اعتصامي شبيحة الإخوان وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في رابعة العدوية والنهضة، إلا أن البرادعي خلق للسيسي شبحا اسمه "شبح الخارج".
في أواخر يوليو الماضى عقدت ٣ اجتماعات بمؤسسة الرئاسة، وكان من المفترض أن يتم في أولهم إصدار قرار بفض اعتصامي الإخوان، إلا أن البرادعي رأى الانتظار حتى إقناع الغرب حتى لا يكون لديه تهديد من الخارج، فوافق السيسي وحدد المجتمعون أسبوعا للإقناع.
الاجتماع الثاني كان بعد أسبوع، ولكن البرادعي طلب التأجيل مرة أخرى، وأبدى السيسي استياءه، وقال له إن هذا التأجيل يسيء إلى القوات المسلحة، ويفقد ثقة الشعب الذي فوضها بالقضاء على الإرهاب، ويظهرها بمظهر الضعيف المتردد. ولكن إزاء ضغوط من رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوي، والرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور وافق السيسي على التأجيل لمدة أسبوع على مضض، وحدثت مشادة بين وزير الدفاع والبرادعي الذي قال إنه لا يتحمل قرار "الفض"، وكان تهديده بالاستقالة.
ثالث الاجتماعات كان الإثنين الماضي وأصر البرادعي على تأجيل فض الاعتصامين، إلا أن السيسي قال "لن نستمع لأحد مرة أخرى.. لقد أعطيناكم فرصة كاملة، وأنا علىّ مسئولية أمام الشعب"، وقرر الجنرال أن يقوم بدوره في مواجهة هذه الاعتصامات.
الملاحظ أن هناك تنسيقا بين البرادعي وحمدين صباحي، زعيم التيار الشعبى، ورسول الغرام الخاص لصاحب "نوبل"، إذ أشاد الأخير بفكرة "البوب"، مشيرا إلى أن بقاء الاعتصام لن يضر بشيء وأنه سيفرغ نفسه بنفسه.
المعلومات تؤكد أن الدكتور محمد على بشر، وزير التنمية المحلية السابق، عضو مجلس شورى جماعة الإخوان، جلس مع صباحي وكان مخولا من قبل المهندس خيرت الشاطر، النائب الأول لمرشد الإخوان، للتفاوض مع الشخصيات داخل الحكومة.
الشاطر- رغم حبسه على ذمة عدد من القضايا- كان ومازال لديه استعداد للتفاوض لكن المجموعة التي تدير الأمور في اعتصام رابعة، واجتذبت هذه المجموعة المرشد العام محمد بديع خارج المنصة في رابعة.
كان هناك طلب من الحكومة لـ"بشر"، وحينها قال بشر: "إننا يجب أن نقدم صورة جيدة"، إلا أن أحد المسئولين السياديين اتصل به وقال له "يرضيك اللي عمله بديع.. اللي عمله بيعطل المسيرة تمامًا"، فرد عليه بشر قائلا: "هذا الأمر لا يرضينا".
الدكتور محمد على بشر كان قد حصل على تفويض من مجلس الشورى العام للإخوان للتصرف في الأمر مع الحكومة المؤقتة، إلا أنه فوجئ بالدكتور محمد سليم العوا يعرض نفس المبادرة التي طرحها.
صباحي و"بشر" جلسا سويا، وطلب الأخير من زعيم التيار الشعبى التوسط لدى البرادعي للإفراج عن المهندس أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، والقيادى الإخوانى الدكتور محمد سعد الكتاتني، رئيس حزب الحرية والعدالة، والدكتور حلمي الجزار القيادي بالجماعة، مؤكدا له أن وجود هؤلاء الثلاثة خارج السجن يمكنهم السيطرة على الأمور وفض اعتصامي النهضة ورابعة.
كما كانت خطة بشر مع صباحى تتضمن فصل ماضي عن نائبه عصام سلطان، لأن سلطان له تأثير عليه، إلا أن نشر تفاصيل القصة عطل مسألة الإفراج، خاصة أن الاتهامات الموجهة لماضي ليست خطيرة كتلك الموجهة لسلطان.
من جانبه كان المهندس طارق الملط، عضو الهيئة البرلمانية لحزب الوسط، لديه استعداد لتحسين لغة الحزب، والاعتراف بشرعية ثورة 30 يونيو، وإصدار بيان بخصوص ذلك.
وكان هناك اتفاق آخر مع الملط مفاده أن يتم التخلص من حاتم عزام، عضو حزب الوسط، لأن الأخير كان من المنتمين إلى الحزب الوطنى المنحل، وهو الذي يقوم بتسخين الأجواء في حزب الوسط أيضا.
مفاوضات "بشر- صباحي" لم تتوقف عند هذا الحد، بل تضمنت عدم المساس بمواد الشريعة الإسلامية في دستور 2012، وكذلك توفير الضمانات الكافية بعدم حل الجماعة وحزب الحرية والعدالة- الذراع السياسية للإخوان- مع التأكيد على التزام الجماعة بأن تكون دعوية فقط، وبعيدة عن ممارسة العمل السياسي.
وافق حمدين على صفقة بشر، وكان همزة الوصل بينه وبين البرادعي.. ولم يكن اتفاق هذا الثلاثي خالصا لوجه الله، ولكن من أجل مصالح شخصية.. إذ تعهد القيادي الإخواني بأن يعطي الإخوان أصواتهم الانتخابية لـ"حمدين" إذا ترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
صباحي وافق أيضا أن يلعب دور الوسيط، ليضمن ظهيرا له إذا ترشح للرئاسة، خاصة أن الإخوان كتلة تصويتية لا يمكن الاستهانة بها لمواجهة المرشح المحتمل اللواء مراد موافي، رئيس المخابرات السابق، الذي تتردد أنباء عن دعم القوات المسلحة له، وهنا سيعطي الإخوان أصواتهم له، باعتبار أنهم لن يدعموا مرشحا رئاسيا خرج من عباءة الجيش.
كما تضمنت خطة الاتفاق مع حمدين والبرادعي الإساءة للمؤسسة العسكرية، وذلك عن طريق انتقادات اختيار ضباط الجيش كمحافظين، والسعي إلى "عسكرة الدولة"، وتصوير الوضع في البلاد بأن السيسي يحاول العودة بالبلاد إلى الحكم العسكري مستغلا تفويض الشعب له للقضاء على الإرهاب.
البرادعي نفسه- وبحسب معلومات حصلنا عليها- تحدث مع شخصيات مع قيادات إخوانية مثل الكتاتني على أساس الإفراج عنه مقابل فض الاعتصام فقال له الكتاتني "أخشى أن أكون عبدالقادر عودة الجديد"، مذكرا إياه بأن عودة فض اعتصام ١٩٥٤ أمام قصر عابدين فكان جزاؤه أن تم إعدامه.
وطلب الكتاتني من البرادعي الحصول على ضمانة من السيسي بعدم المساس به بعد خروجه من السجن، وتدخله لفض الاعتصام، فوعده البرادعي بذلك.. وعندما تم اتخاذ الإجراءات الفعلية بفض اعتصامي النهضة ورابعة دون اعتبار لرأي "البوب"، قدم البرادعى استقالته، لتنكشف بطولته الزائفة.