رئيس التحرير
عصام كامل

نار «التموين» تحرق الحكومة السابقة وتغضب المصريين «المصيلحى» فى مرمى الهجوم بسبب ارتفاعات الأسعار والحذف العشوائى للبطاقات وتحريك سعر الخبز المدعم

بطاقات التموين
بطاقات التموين

أثارت قرارات وزارة التموين والتجارة الداخلية غضب المصريين خلال الشهور الماضية، وتصاعدت الانتقادات من المواطنين وأعضاء مجلس النواب والسياسيين، بسبب الأزمات المتوالية التى لحقت بالشارع المصرى، وعلى رأسها اختفاء بعض السلع الأساسية وارتفاع أسعارها، وغياب الرقابة على الأسواق، والحذف العشوائى لبطاقات التموين، وعدم إضافة المواليد الجدد على البطاقات منذ 2006 رغم الوعود المتكررة بعكس ذلك فور تولى الدكتور على المصيلحى حقيبة الوزارة.

وتعرضت مصر لأزمة فى نقص السكر عام 2021 أدى ذلك إلى ارتفاع أسعاره فى الأسواق، نتيجة قيام بعض المواطنين بتخزينه وتجددت الأزمة عام 2023 وارتفعت أسعاره إلى مستويات غير مسبوقة، وصل إلى 80 جنيه للكيلو لدى بعض التجار.

وفى سبتمبر 2023، أكد وزير التموين الدكتور على المصيلحى، عن وجود احتياطى استراتيجى من السكر يكفى لمدة 7 أشهر، فضلا عن استيراد كمية 200 ألف طن سكر خام، لتعزيز الأرصدة الاستراتيجية من السلع الأساسية، بحيث لا تقل عن 6 أشهر؛ وتم الإعلان أن سبب الارتفاع يرجع إلى تلاعب بعض التجار داخل السوق المحلية وأصدرت وزارة التجارة والصناعة المصرية قرارا بحظر تصدير السكر بمختلف أنواعه لمدة 3 أشهر فى محاولة للحد من ارتفاع أسعاره وتوافره بالأسواق.

وظهرت أزمة جديدة داخل الوزارة بسبب سلعة الأرز، واستمرت لعدة أشهر فى أوائل عام 2023، حيث ارتفعت أسعاره بالأسواق بنحو 50%، رغم انتهاء موسم الحصاد قبل الأزمة بثلاثة شهور، بحصيلة إنتاجية تزيد على عام 2022 بنحو 500 ألف طن، وبالرغم من ذلك تخطى سعر الكيلو بالأسواق حاجز 40 جنيها.

وتسببت قرارات وزير التموين فى تفاقم الأزمة بعد فرض تسعيرة جبرية على الأرز أدت إلى تحجيم السوق وتحديد أسعار غير عادلة عند 6600 و6850 جنيهًا للتوريد من الفلاحين، والذى كان السبب الرئيسى فى أزمة الأرز، ودفع من يملك أى مخزون لعدم طرحه فى الأسواق لينخفض المعروض ويرتفع السعر بالشكل المبالغ فيه، وهو الأمر الذى أدى إلى تراجع وزير التموين عن قراره بشأن فرض التسعيرة الجبرية على الأرز.

وشهدت الأشهر الأخيرة لعام 2022، ارتفاعات قياسية فى أسعار زيت الطعام فى مصر بسبب ضعف نسبة الإنتاج المحلى البالغة 3% من الزيوت، والاعتماد على استيراد 97% لسد احتياجات المواطن والمطاعم، فى الوقت التى كانت تعانى مصر من أزمة توفير العملة الأجنبية.

وكان رد الوزارة أن الدولة تستورد زيوتا بنسبة 97%، وتم وضع خطة طويلة وقصيرة الأجل للتوسع فى الزراعة التعاقدية للمحاصيل الزيتية من فول الصويا وعباد الشمس والذرة، لتقليل نسبة الاستيراد، وتحديد المساحات الزراعية ليهم، وتوفير البذور والسماد وتمويل الفلاحين وتسويق محاصيلهم.

«فى إطار متابعتى لكل الإجراءات الخاصة بدعم محدودى الدخل فإننى أتفهم موقف المواطنين الذين تأثروا سلبًا ببعض إجراءات تنقية البطاقات التموينية وحذف بعض المستحقين منها، وأقول لهم اطمئنوا لأننى أتابع بنفسى هذه الإجراءات، وأؤكد لكم أن الحكومة ملتزمة تمامًا باتخاذ ما يلزم للحفاظ على حقوق المواطنين البسطاء، وفى إطار الحرص على تحقيق مصلحة المواطن والدولة».. الكلام السابق تدوينة نشرها الرئيس عبد الفتاح السيسى، على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، والتى تكشف الستار عن عدم توفيق وزير التموين والتجارة الداخلية، الدكتور على المصيلحى، فى ضبط تنقية البطاقات التموينية، والخلل الذى أصاب تنفيذ إجراءات استبعاد غير المستحقين للدعم من المنظومة، والوصول للفئات الأكثر احتياجا والأولى بالرعاية، حيث طالت قرارات “وزير التموين” محدودى الدخل بالضرر، والحرمان من البطاقة التموينية لبعضهم، والتى تعتبر واحدة من آليات الدولة لحماية ودعم الفقراء.

وفوجئ العديد من المواطنين المستحقين للدعم من وقف بطاقاتهم التموينية وحذفهم عشوائيا، بزعم عدم استحقاقهم للدعم وخضوعهم لمحددات الاستبعاد التى وضعتها لجنة العدالة الاجتماعية.

تقدم الآلاف من المواطنين بتظلمات عبر موقع دعم مصر، والمكاتب التموينية، للتظلم من قرار الحذف العشوائى، وفسر عدد من خبراء التموين ارتفاع معدلات الحذف العشوائى للمواطنين عن طريق الخطأ من المنظومة التموينية، بسبب عدم وجود قاعدة بيانات دقيقة وشاملة عن المواطنين أصحاب البطاقات التموينية، تمكن وزارة التموين من حذف غير المستحقين فعليا للدعم.

من جانبه حاول وزير التموين بعد تصريحات رئيس الجمهورية الأخيرة، تدارك الأخطاء، بإصدار عدد من القرارات، أهمها إعادة 1.8 مليون مواطن على بطاقات التموين لصرف السلع المدعمة، إلى جانب فتح باب التظلمات للمواطنين بمكاتب التموين على محددات الاستبعاد بمراحلها الأربع، وإجراءات فورية لعودة المستحقين لصرف السلع التموينية.

إلى جانب أزمة «البطاقات التموينية»، أدى عدم تنفيذ وزير التموين وعوده بإضافة المواليد إلى حالة من الإحباط لدى ملايين من المصريين الذين ينتظرون زيادة الدعم على البطاقات بعد إضافة المواليد، خاصة فى ظل ارتفاع الأسعار.

وكان وزير التموين أعلن فى أغسطس عام 2018 عن إضافة أكثر من 6 ملايين مولود جديد على البطاقات التموينية، على أن يتم تنفيذ وتفعيل القرار بداية عام 2019، إلا أنه تراجع عن القرار بزعم استكمال عملية تحديث البيانات، وكذلك تطبيق معايير العدالة الاجتماعية لاستبعاد غير المستحقين للدعم من المنظومة التموينية، غير أنه عاد مجددا للإعلان عن إضافة المواليد والتى اعتبرها فترة كافية للانتهاء من استبعاد غير المستحقين للدعم، لتتمكن الوزارة من إضافة المواليد الجدد بعد حذف الفئات غير القادرة وفقًا لمحددات الاستبعاد، إلا أنها لم تنفذ.

كما كشف وزير التموين مؤخرا عن عدم إمكانية إصدار بطاقات تموينية جديدة للمواطنين إلا لفئات محددة فقط، وهي: أسر الضمان الاجتماعى، وأسر تكافل وكرامة، وأبناء الشهداء، وبعض الحالات الخاصة من الأسر الأولى بالرعاية.

ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة أزمة جديدة بعد التصريحات الأخيرة لوزير التموين حول مقترح رفع سعر سكر التموين إلى 18 جنيها، بدلا من 12.60 جنيه على بطاقة التموين، فى الوقت الذى يحصل المواطن فيه على دعم بقيمة 50 جنيها فقط على بطاقة التموين.

وأخفق وزير التموين فى مواجهة ارتفاع أسعار السلع، واحتكار التجار لها فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وهو الأمر الذى دفع مجلس النواب إلى مهاجمة وزير التموين الدكتور على المصيلحى وتقدم عدد من النواب بطلبات إحاطة ضد الوزير لمناقشتها فى المجلس خلال الجلسة العامة لمجلس النواب.

وقال النائب خالد أبو نحول، عضو مجلس النواب: “لديك أزمات فى الإدارة والرقابة وتوفير السلع الغذائية للشعب المصرى، فى حين أنك تتولى وزارة التموين التى أعتقد أنها من أهم وزارات الحكومة”.

فيما قال النائب محمود قاسم: “نبدأ من ارتفاع الأسعار ولا جشع التجار، ولا الفساد اللى وصل للركب، ولا بطاقات التموين التى كانت ملاذ الفقير الآمن، وأصبح الضحية هو المواطن الغلبان، أكلمك على نقص الزيت ولا السكر ولا إيه ولا يه، وأصبحوا حلم من أحلام المواطن”.

وقال النائب ضياء الدين داود، إن وزير التموين كان عليه التقدم باستقالته بسبب الأزمات الأخيرة، بداية من إلقاء القبض على عدد من المسئولين فى الوزارة بتهمة الفساد، موجها حديثه لوزير التموين: “كان لازم تعلن مسئوليتك السياسية واستقالتك على الفور، بلد تنتج الأرز وعندها أزمة فى الأرز، ولكن على كل الأزمات وقضايا الفساد الوزير لم يتقدم باستقالته، وهذا يؤكد أن الوزير مع الحكومة منتهية الصلاحية”.

وقال النائب علاء جعفر، إن وزارة التموين منفصلة تماما عن الأسواق، وبعيدة كل البعد عن الواقع، وكل ما يعنى الوزارة التقاط الصورة فى مجمع استهلاكى، متابعا: “شماعة الأزمة العالمية جاهزة لتبرير فشل الوزارة”.

وحمل أعضاء مجلس النواب وزير التموين مسئولية ارتفاع أسعار السلع وعدم القدرة على ضبط الأسعار، وذلك بسبب ضعف الرقابة على الأسواق الذى أدى إلى زيادة سعر السلع بشكل يومى، بالإضافة احتكار التجار لسلع أخرى بهدف رفع أسعارها.

وشهدت الأيام الماضية قرارا مهما أثار غضب المصريين يتعلق برغيف الخبز المدعم لأصحاب البطاقات التموينية بعد رفع سعر رغيف الخبز المدعم إلى 20 قرشا اعتبارا من أول يونيو بدلا من 5 قروش، وهو القرار الذى دافع عنه وزير التموين، مؤكدا أن القرار فى صالح المواطن يهدف إلى الحفاظ على استمرارية الدعم المقدم له.

من ناحيته قال المهندس عبد المنعم خليل، رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين سابقا، والخبير الاقتصادى، إن الوزارة تحتاج الفترة المقبلة إلى تبنى رؤية جديدة لهيكلة وتطوير أدائها التمويني، فالأزمات الحالية لا تحتاج سوى محاربة كافة أشكال الفساد وتفعيل الرقابة من جانب مفتشى وزارة التموين ومباحث التموين، بالإضافة إلى جهاز حماية المستهلك المنوط به رقابة ومتابعة مراحل تداول السلعة منذ الإنتاج وحتى وصولها إلى المستهلك، وملاحقة التجار الذين يقومون بممارسات احتكارية لبعض السع بغرض التحكم فى سعرها.

وأكد على ضرورة وضع السياسات والخطط والبرامج اللازمة لتنسيق أعمال التفتيش والرقابة بين الجهات الحكومية وتوحيد ما يمكن منها، مؤكدا أن الفترة المقبلة تحتاج إلى قرارات جادة وصارمة لمواجهة جشع التجار واحتكار السلع، موضحا أن الرقابة على الأسواق أمر ضرورى لإعادة ضبط الأسواق.

 

 

الجريدة الرسمية