حكومة السنوات الصعبة.. خارطة "الإصلاح" بعد 6 سنين عجاف.. خبراء: بدون إصلاحات صارمة لن تنتهى الأزمات فى مصر أبدًا.. والأولوية للصناعة والزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتى
ينتظر المصريون على أحر من الجمر تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، الذى أعاد الرئيس عبد الفتاح السيسى تكليفه برئاسة الوزراء بعدما قدَّم استقالة حكومته قبل أيام.
تولى مدبولى هذه الوزارة بعد شهرين من أداء الرئيس السيسى اليمين فى ولايته السابقة منذ ست سنوات، وكان الطبيعى أن تستقيل الحكومة فى بداية الولاية الرئاسية الجديدة للرئيس فى 2024، لكنها استغرقت عدة أشهر بعد إعلان فوز الرئيس السيسى بولاية رئاسية جديدة.
ويأمل المصريون فى سياسات جديدة خاصة من الوزراء ذوى المسئوليات الاقتصادية، المعروفين باسم «المجموعة الاقتصادية»، سواء تم الإبقاء على الحاليين أو جرى تغييرهم، إذ تعانى البلاد من أزمة اقتصادية حادة منذ أكثر من عامين، والشعب يعيش ظروفا صعبة بسبب استمرار ارتفاع الأسعار، خاصة بعد أن فشلت الحكومة السابقة فى تحسين الوضع، فما الجديد الذى يمكن تقديمه من الحكومة الجديدة فى ملفات الاقتصاد والسياسة والصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية؟.. فى هذا الملف تقدم «فيتو» عبر آراء العديد من الشخصيات والخبراء والنواب رؤية واضحة حول المطلوب من الحكومة الجديدة للخلاص من خطايا الحكومة السابقة.. فإلى التفاصيل:
سنوات عجاف مرت على مصر منذ تولى حكومة الدكتور مصطفى مدبولى فى يونيو 2018، حيث بدأت بجائحة كورونا فى 2020 ثم تعويم الجنيه المصرى فى 2021 ليتخطى سعر الجنيه أمام الدولار نحو 15 جنيها، مرورا بالحرب الروسية الأوكرانية التى أثرت على الاقتصاد المصرى ورفعت تكلفة الواردات خاصة القمح ثم التعويم الثانى فى 2022 ليصل الدولار إلى 21 جنيها ثم التعويم الثالث فى 2023 ليتخطى سعر العملة الأمريكية 30 جنيها، ثم الأخير فى مارس 2024 ليصل سعر الدولار إلى أكثر من 50 جنيها، ثم التراجع لمستويات بسيطة وصلت بسعر العملة إلى 47-48 جنيها.
ومؤخرا كلف الرئيس الدكتور مصطفى مدبولى بتشكيل حكومة جديدة، تنتظرها ملفات ساخنة والتكفير عن خطايا الـ6 سنوات الأخيرة.
ووفقًا للمعلومات المتاحة، جاءت تكليفات الرئيس واضحة، بتشكيل حكومة جديدة من ذوى الكفاءات والخبرات والقدرات المتميزة للحفاظ على محددات الأمن القومى المصرى فى ضوء التحديات الإقليمية والدولية ووضع ملف بناء الإنسان المصرى على رأس قائمة الأولويات، خاصة فى مجالات الصحة والتعليم، فما أبرز وأهم الملفات المطلوبة من الحكومة الجديدة للإصلاح الاقتصادى والمالى والسياسى خلال الفترة المقبلة؟!
يقول الدكتور على الإدريسى، الخبير الاقتصادى فى تصريحات لـ”فيتو”، إن الحكومة الحالية أقدمت على تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادى فى فترة عدم استقرار، مضيفا: الحكومة مرت بتحديات كبيرة، وأيضًا هناك تكاليف تحملها المواطن من ارتفاع التضخم والتأثير فى السلع والخدمات.
وأشار الإدريسى إلى أن المجموعة الاقتصادية الجديدة فى الحكومة القادمة ينتظرها تحديات مهمة تتمثل فى عدد من الملفات والقضايا، على رأسها تحسين بيئة الاستثمار للمساهمة فى جذب الاستثمارات الأجنبية، كذلك إعادة هيكلة منظومة الدعم.
وأكد الإدريسى أن هيكلة منظومة الدعم أولى اختبارات الحكومة الجديدة وتعزيز مسار الدولة فى مد شبكة الأمان الاجتماعى ومساندة الأسر الأكثر احتياجا فى تحصين قدرتهم على مواجهة الظروف المعيشية الراهنة، لافتا إلى أن الفيصل هنا هو تحقيق التوازن بين ضمان كفاءته ومدى وصوله للأسر المستحقة والحفاظ على الاستدامة المالية.
وأكد أن التحول من الدعم العينى إلى النقدى يسهم فى تخفيف العبء المالى على الموازنة العامة للدولة، مما يُتيح توجيه المزيد من الموارد لتمويل مشروعات البنية التحتية والتعليم والصحة، وغيرها من القطاعات الحيوية والخدمية الأخرى، لاسيما أن تقديرات دعم ملف الحماية والرعاية الاجتماعية فى مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2025/2024 يبلغ نحو 134 مليار جنيه، والدعم النقدى آلية مهمة فى استهداف المستحقين من السلع.
وتابع الإدريسى قائلا: المنتظر من الحكومة الجديدة الكثير، وعليها أن تولى أكبر اهتمام لها لعدد من الملفات الاقتصادية العاجلة والمهمة وفى مقدمتها تكثيف العمل فى القطاعين الزراعى والصناعى من أجل خفض فاتورة الاستيراد التى تجاوزت الـ87 مليار دولار سنويًا.
وأشار إلى ضرورة تقديم الدعم اللازم للقطاع الزراعى لتحقيق الاكتفاء الذاتى لمصر من مختلف المحاصيل الزراعية الاستراتيجية والحوافز التشجيعية للقطاع الصناعى وإزالة جميع أنواع الروتين والبيروقراطية من أمام مستثمرى القطاع الصناعى مع إعطاء أولوية كبيرة لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.
ولفت الإدريسى إلى الأهمية الكبيرة التى يمثلها ملف الاستثمارات فى النهوض بالاقتصاد الوطنى، وتقديم كافة الحوافز والضمانات المتاحة لجذب الاستثمارات مرة أخرى للسوق المصرى والاستمرار فى عمليات التخارج التى تقوم بها الحكومة لإتاحة مساحة أكبر للقطاع الخاص فى الاندماج باقتصادنا المحلى.
بدوره قال الدكتور هانى جنينة، الخبير الاقتصادى والمالى: يجب على الحكومة الجديدة أن تعى وتدرك جيدًا أن مصر تستورد بمليارات الدولارات منتجات لها بدائل مصرية، وهو ما يتطلب التوجه إلى المنتج المصرى لتشجيع الإنتاج المحلى الذى يسهم فى توفير الآلاف من فرص العمل بالإضافة إلى تخفيف الطلب على العملة الصعبة والتى أصبحت المشكلة الأكبر للاقتصاد المصرى، مطالبًا بوضع خطط وسياسات جديدة تكفل مواجهة ارتفاع معدلات التضخم والارتفاع العام فى الأسعار، وحل أزمة سعر الصرف والنقد الأجنبى فى مصر.
وأكد جنينة على ضرورة استمرار سياسات القضاء على السوق الموازية وإعادة استقرار سعر الصرف بشكل سريع كونها أحد عوامل الجذب للاستثمار المحلى والأجنبى، مشيرًا إلى ضرورة ترشيد الإنفاق الحكومى فى مختلف المجالات والاستغلال الأمثل لجميع الأصول غير المستغلة فى مختلف المؤسسات بالدولة وفى مقدمتها جميع الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام لتحويل الشركات الخاسرة داخل هذا القطاع إلى شركات رابحة.
وأضاف: على الحكومة الجديدة البدء فى إصلاح إدارى لهيكل الدولة المصرية ووضع الخطط والسياسات والبرامج التى تكفل مواجهة جميع التحديات الاقتصادية التى تواجه الاقتصاد المصرى وفى مقدمتها اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير اللازمة لتشجيع وجذب الاستثمارات المحلية والعربية والأفريقية والأجنبية.
وشدد على ضرورة منح إعفاءات ضريبية للمشروعات الصناعية والإنتاجية الواعدة والتى تتميز مصر فيها، مشيرًا إلى ضرورة أن يكون لدى الحكومة الجديدة خطط واضحة وقابلة للتنفيذ لتفعيل دور القطاع الخاص وتوسيع مشاركته فى خطة التنمية الاقتصادية المستدامة، ودعم وتشجيع الاستثمار فى القطاعات الإنتاجية خاصة الصناعة والزراعة مما يعزز جهود الدولة لتوطين الصناعة وتعميق التصنيع المحلى وتعظيم الصادرات والحد من الاستيراد وتوفير النقد الأجنبى.
وشدد على ضرورة استخدام الأموال الأجنبية لدعم الإصلاحات وعدم تكرار أخطاء الماضى خاصة أن مصر تتمتع حاليا بطفرة فى الاستثمار الأجنبى، بعد أن تلقت مؤخرًا 35 مليار دولار من الإمارات العربية المتحدة، قيمة صفقة رأس الحكمة، مؤكدا أنه بدون إصلاحات صارمة فإن المشكلات الاقتصادية لن تنتهي أبدا.