رئيس التحرير
عصام كامل

عيد برائحة الدم!

يرتبط عيد الأضحى في مخيلة العقل الجمعي العربي والإسلامي باللون الأحمر، لون الدم السائل بنحر الأضاحي، وإذا كان هذا العقل الجمعي قد استطاع تقبل صورة الدم للأضحية، باعتبارها طقس وشعيرة دينية، وهي بالأساس فدية لدم إنساني كان سينحر ويسيل، عندما رأى سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء نفسه في المنام يذبح ابنه إسماعيل.. 

 

وعندما عرض عليه الأمر كانت طاعة الابن فلما هم بذبحه، كانت بشارة الرب الذي أنزل كبش من السماء ليفتدي به الابن الذي أطاع والده، وليحل منذ ذلك التاريخ دم الأضحية محل الدم الإنساني، وهنا تتجسد فكرة حرمة الدم الإنساني في العقل الجمعي العربي والإسلامي، الذي يشهد كل عام ومع قدوم عيد الأضحى، هذه الصورة المتكررة لنحر وسيل دم الأضحى كفدية للدم الإنساني الغالي الذي جعله المولى عز وجل محرما.

 

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل لازالت هذه الصورة الذهنية التاريخية عن عيد الأضحى في مخيلة العقل الجمعي العربي والإسلامي بأنه عيد برائحة دم الأضاحي؟  للأسف الشديد هذه الصورة تغيرت وتبدلت في السنوات الأخيرة إلى حد كبير.. 

 

فالعقل الجمعي العربي والإسلامي الذي يتمسك بالطقوس والشعائر الدينية بذبح ونحر الأضاحي، أصبح معتاد على لون ورائحة الدم عموما وليس فقط دم الأضاحي، فمنذ ظهور تنظيم داعش الإرهابي على مسرح الأحداث في منطقتنا العربية مع موجة الربيع العربي المزعوم، والدم الإنساني المحرم في عقيدتنا الإنسانية عامة والعقيدة الإسلامية خاصة أصبح لون ورائحة الدم الإنساني مشهدا عاديا لا يزعج الضمير الجمعي العربي والإسلامي..  

 

حيث أصبحت صورة ذبح ونحر البشر من الصور المعتادة التي نشاهدها على الشاشات وعبر كل وسائل الإعلام دون أن يهتز لنا جفن، لقد ماتت المشاعر الإنسانية ولم يعد لون الدم الأحمر السائل يحرك مشاعر المواطن العربي والإسلامي، فصورة الدم الإنساني لم تعد تحرك ضمائر من يشاهدها في عالمنا العربي والإسلامي، حيث انتقلت مؤخرا تقبل صورة الدم الإنساني كما اعتادوا على تقبل دم الأضحية.

 

وهذه الصورة التي صنعتها داعش لدى العقل الجمعي العربي والإسلامي لتقبل ذبح ونحر وإسالة الدم الإنساني، جعلنا نفكر ونتساءل هل هذه الصورة المصطنعة مقصودة أم عفوية؟ والإجابة القاطعة التي توصلنا إليها بعد البحث والتمحيص أن هذه الصورة برمتها صنيعة أمريكية – صهيونية، فكل التنظيمات الإرهابية في العالم والتي يحاولون إلصاقها بالإسلام هي بالأساس نشأت وترعرعت وسطع نجمها تحت رعاية العدو الأمريكي وحليفه الصهيوني.. 

 

فهو الذي يعطي لها إشارة البدء لتنطلق وتقوم آلته الإعلامية الجهنمية الجبارة بالترويج لها، وعندما تستنفذ مهمتها التي انشئت من أجلها تختفي تماما وكأنها لم تكن، فلم نعد نسمع شيء عن تنظيم القاعدة الذي شغل العقل الجمعي العالمي لسنوات طويلة.. 

 

ومع انطلاق موجة الربيع العربي المزعوم اختفى التنظيم بقدرة قادر، وحل محله تنظيم داعش، وهو التنظيم الذي رسخ صورة الذبح والنحر وإسالة الدم الإنساني، وجعل العقل الجمعي العربي والإسلامي يتقبل هذه الصورة التي لم يكن يتقبلها إلا في عيد الأضحى فقط امتثالا لتعاليم الدين الإسلامي.

 

وبعد أن نجح العدو الأمريكي والصهيوني في تغيير الصورة الذهنية التاريخية للعقل الجمعي العربي والإسلامي، ليصبح معتادا ومتقبلا لصورة الدم الإنساني بديلا عن دم الأضاحي، يأتي عيد الأضحى لهذا العام برائحة الدم، لكن ليس دم الأضاحي، بل دم أهالينا في غزة، حيث قام العدو الصهيوني بذبح ونحر ألاف من أبناء الشعب العربي الفلسطيني.. 

 

وللأسف الشديد يحدث ذلك تحت مرأى ومسمع من الجماهير العربية والإسلامية دون أن يتحرك لها ساكن، وفي ظل عجز كامل من الأنظمة العربية الرسمية التي تمتلك جيوش يتم تسليحها بمليارات الدولارات وبأحدث المعدات والأسلحة، ورغم ذلك لم تستطع وقف المجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها الآلة العسكرية الصهيونية المجرمة، وكأن الدم الفلسطيني قد هان على الجميع شعوبا وحكومات في عالمنا العربي والإسلامي.. 

 

وفي الوقت الذي يهرعون لذبح ونحر الأضاحي في يوم العيد، يهرعون أيضا لمشاهدة الشعب الفلسطيني المذبوح والمنحور عبر شاشات وسائل الإعلام، وكأنهم يستمتعون بمشاهدة الدم السائل سواء دم الأضاحي أو الدم الإنساني.. 

 

 

وإذا كانت العقيدة الإسلامية تبيح أن يقوم شخص بنحر الأضحية بالإنابة عن شخص آخر، فاليوم محور المقاومة يقدم شهدائه نيابة عن كل العرب والمسلمين العاجزين عن الوفاء بحق الشعب الفلسطيني الذي يذبح وينحر ويسال دمه من قبل العدو الصهيوني في العيد الأكبر للمسلمين، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

الجريدة الرسمية