فواتير الحكومة لصندوق النقد الدولى، القروض تتيح للصندوق فرض شروطه كاملة، ورفع أسعار الكهرباء أبرز السيناريوهات المقبلة
تتربح الحكومة من مليارات صندوق النقد الدولى، بينما يدفع المواطن المصرى الفاتورة كاملة، تخفف الحكومة من أعبائها فى صورة أرقام، وتزيد الضغوط على المواطن فى تحمل ما لا قبل له به، ولن يتوقف الأمر عند هذه المعضلة، إذ تقول كل المؤشرات أن العام الجارى 2024 سيشهد مفاوضات جديدة لمصر مع صندوق النقد الدولى بشأن قيمة برنامج التمويل أو المراجعات التى كان من المقرر أن يجريها الصندوق خلال العام الماضى، وعلى المواطن أن يتحمل المزيد والمزيد من الصعوبات.
ويحلل خبراء الاقتصاد السيناريوهات المتوقعة الفترة المقبلة على صعيد الاقتصاد والغلاء وتحريك أسعار الخدمات خاصة بعد رفع أسعار الخبز المدعم إلى 20 قرشا، وهو الأمر الذى شدد عليه الصندوق مسبقا.
جدير بالذكر أن قروض صندوق النقد تتيح له الصلاحيات الكاملة لوضع شروط مجحفة وعلى المقترض التنفيذ، والسياسات والاستراتيجيات التى يتبعها الصندوق مع الدول المقترضة تتلخص فى الآتى، إجمالى الدخل القومى، والجدارة الائتمانية للاقتراض من البنك الدولى للإنشاء والتعمير.
وتحصل البلدان المقترضة المعرضة لمخاطر ارتفاع أعباء الديون على مساعدات مالية فى شكل منح بنسبة 100%، أما البلدان المعرضة لمخاطر متوسطة من ارتفاع أعباء الديون فتحصل على 50% من المساعدات فى شكل منح، فيما تحصل بلدان أخرى على اعتمادات من المؤسسة الدولية للتنمية بشروط اعتيادية أو بشروط مختلطة وصارمة بآجال استحقاق تبلغ 38 عاما و25 عاما على الترتيب.
ومن جانبها تقول الدكتورة يمن الحماقى خبيرة الاقتصاد إنه منذ الربع الأول من العام قبل الماضى، دخلت مصر فى أزمة شح الدولار بعد إعلان تخارج أكثر من 20 مليار دولار من السوق بشكل مفاجئ وفى إطار ضبط سوق الصرف لجأت الحكومة المصرية إلى أكثر من إجراء كان من أهمها العودة إلى صندوق النقد الدولى وطلب تمويل جديد.
وأضافت الحماقى قائلة: كيف تم التفاوض مع الصندوق؟! وهل التفاوض معه تم الوصول إلى ما يناسب الاقتصاد المصرى؟! هذا هو السؤال الأهم، فالحديث عن السيناريوهات المتوقعة الفترة المقبلة يكاد يكون ضبابيا لعدم وجود شفافية من جانب الحكومة، وما حدث فى الخبز سيحدث فى الكهرباء والسولار وواردات الجمارك والأسمدة، مشيرة إلى أن الدعم فى حد ذاته لم يعد مطبقا فى العديد من الاقتصادات العالمية ولكن من الصعب رفع الدعم بشكل كامل فى مصر، ولكن ما سيحدث هو التحول تدريجيا من الدعم العينى إلى الدعم النقدى.
وأشارت الحماقى إلى أن مصر هى ثانى أكبر مدين للصندوق بعد الأرجنتين، فالاقتصاد المصرى يعانى من ضائقة مالية بسبب عدم إدارة الملف الاقتصادى بشكل احترافى، ويمكن القول إن قروض صندوق النقد تتيح له وضع شروطه كاملة وأبرز السيناريوهات المقبلة هو رفع أسعار الكهرباء للشرائح الأعلى مما يرهق الطبقة المتوسطة فى المجتمع ويرفع كلفة الأعباء عليها نتيجة سوء إدارة الملف الاقتصادى.
وأضافت الحماقى قائلة: لم تلتزم مصر بثمانية تعهدات وشروط من الإصلاحات الهيكلية الموضوعة من برنامج صندوق النقد الدولى، وذلك وفقًا لتقرير الخبراء الخاص بأول مراجعتين من برنامج التمويل.
وأوضحت أن صندوق النقد الدولى كشف فى مراجعته للاقتصاد المصرى أن الحكومة المصرية استوفت 7 إصلاحات هيكلية من ضمن 15 معيارًا هيكليًا وضعها الصندوق، مشيرة إلى أنه من المتوقع الانتهاء من المراجعة الثالثة لبرنامج التمويل فى 15 يونيو الجارى والمراجعة الرابعة فى 15 سبتمبر المقبل، حيث تعهدت مصر بموافاة صندوق النقد الدولى بالبيانات الدقيقة وفى الوقت المناسب لمراجعات البرنامج.
ومن جانبه قال الدكتور هانى جنينة، خبير الاقتصاد، إن الانخفاض الطفيف فى الأسعار بالأسواق المصرية يعنى أن هناك موجة تضخمية كبيرة قادمة على الاقتصاد المصرى خاصة فى يونيو ويوليو بسبب تنفيذ مطالب وشروط صندوق النقد الدولى والتى بدأت برفع أسعار الخبز المدعم، موضحا أن قرارات رئيس الوزراء جاءت ضمن الشروط التى تم الاتفاق عليها مسبقا مع صندوق النقد والتى من بينها رفع الدعم عن السلع بنسب محددة، بالإضافة إلى دعم المواطنين محدودى الدخل.
وأضاف جنينة قائلا: من أبرز السيناريوهات المتوقعة الفترة المقبلة لتنفيذ مطالب وشروط صندوق النقد المتبقية للحصول على باقى شرائح القرض 5 شروط تتمثل فى إلغاء دعم الطاقة المتمثلة فى الكهرباء والبنزين والسولار، وزيادة الشراكة مع القطاع الخاص وجميع الطروحات الحكومية
وخفض الدين المحلى والأجنبى، وتحقيق معدل نمو بأرقام عالية وتخفيض التضخم وخلق فرص عمل جديدة، وإيجاد سقف للاستثمارات العامة بنحو تريليون جنيه وتخفيضها.
وأكد هانى جنينة أن الاقتصاد المصرى سيشهد ارتفاعا جديدا فى أسعار البنزين والكهرباء والدواء والأسمدة والتوريد المحلى والمواصلات ومن المتوقع أن ترتفع الأسعار بنسبه تصل إلى 300% خلال المتبقى من 2024 وعام 2025، وأشار جنينة إلى أن ما سيحدث سيندرج اقتصاديا تحت مفهوم الصدمات السعرية الإدارية، وقد تتحول إلى صدمة تضخمية من جانب الطلب.
وأكد جنينة أن أبرز السيناريوهات المتوقعة هو تحول الدعم العينى الفترة المقبلة إلى دعم نقدى وهو الأكثر فاعلية وأكثر كفاءة حيث يذهب مباشرة للمستحقين، أما الدعم العينى أو السلعى يتضمن فاقد يصل إلى 35%، وبالتالى يعتبر التحول من الدعم العينى إلى النقدى نقطة مضيئة فى الملف الاقتصادى المصرى.
من جهته، قال الدكتور كريم العمدة خبير الاقتصاد السياسى، إن ملف الدعم بصفة عامة من الملفات الحساسة التى تقوم الحكومات والمعارضة بالمتاجرة بها على حساب المواطن البسيط، ولكن مبررات الحكومة فى ملف الدعم مع التغيرات السياسية الحالية أصبحت مقبولة، مضيفا أن الدعم يعنى تحمل الحكومة لجزء من تكلفة السلع الأساسية لفترة زمنية معينة للفئات الأكثر احتياجا بحيث لا يكون الدعم بدون ضوابط.
وتابع: الأمر الذى دفع الحكومة لأخذ قرار برفع سعر الخبز المدعم لأن الخمسة قروش أصبحت غير موجودة ولا تعنى شيئا من تكلفة إنتاج الرغيف الذى يحتاج إلى عمالة ووقود وغيرها من مدخلات الصناعة التى ارتفعت فى الفترة الأخيرة، مضيفا أن توقيت هذا القرار لم يكن مناسبا نظرا للمساعى التى قامت بها الحكومة فى الفترة الأخيرة من أجل السيطرة على الأسواق وتخفيض أسعار السلع، وبالتالى لا بد أن تسعى الحكومة إلى عدم تأثير هذا القرار على باقى السلع لأن الخبز المدعم لا يتم استخدامه فى المطاعم أو المحال التجارية، وبالتالى لا ينعكس على باقى المنتجات.
وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن انخفاض سعر الخبز المدعم أسهم بشكل كبير فى وجود هدر للسلع من أصحاب المخابز من خلال بيع الدقيق فى السوق السوداء وغيرها ومن ناحية المواطنين فى استخدام الخبز كعلف للمواشى وغيره، وبالتالى لا بد أن تسعى الحكومة فى عملية تحويل الدعم العينى إلى نقدى بشروط تضمن وصول هذا الدعم لمستحقيه مع وجود ضمانات لاستقرار أسعار السلع حتى يستطيع المواطن الأكثر حاجه للاستفادة من المنظومة الجديدة والاستعانة بتجربة البرازيل وغيرها من الدول.
وتوقع ألا تشهد المرحلة المقبلة زيادة مرة أخرى فى أسعار الخبز، معتبرا أن ما قامت به الحكومة هو خطوة نحو معالجة الأمور وتصحيح المسار لأن منظومة الخبر فى مصر تتعرض للكثير من الفساد سواء من أصحاب المخابز وغيرها.
وعن التأثيرات الاجتماعية لغلاء الأسعار وارتفاع سعر رغيف الخبز المدعم، أوضح العمدة، أن ارتفاع أسعار الخبز له أثر سلبى يتمثل فى زيادة الإنفاق على بند الغذاء فى ميزانية الأسرة المصرية، خاصة بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود، مما يضطرهم إلى تقليص نفقاتهم على احتياجات أخرى أساسية مثل التعليم والصحة، ومن بين الآثار السلبية أيضًا، تفاقم مشكلة الفقر خاصة بين الفئات الأكثر ضعفا مثل كبار السن وذوى الإعاقة، بالإضافة إلى زيادة معدلات التضخم مما يؤثر سلبًا على القوة الشرائية للجنيه المصرى.
وأكد العمدة ضرورة أن تتخذ الحكومة المصرية خطوات للتخفيف من التأثيرات السلبية لرفع سعر رغيف الخبز المدعم على المواطنين، مثل تقديم برامج دعم اجتماعى للأسر ذات الدخل المحدود، وتحسين جودة الخدمات العامة، وتعزيز الشفافية فى استخدام الأموال التى يتم توفيرها من دعم الخبز المدعم.