رئيس التحرير
عصام كامل

نهاية زمن الدعم.. التسلسل التاريخى لقضية الدعم فى مصر.. بدأ بقرار من الملك فاروق خلال الحرب العالمية الثانية لمساندة البسطاء على تحمل الأزمة.. وتوسع مع عبد الناصر

رغيف الخبز
رغيف الخبز

لا حديث فى مصر، إلا عن رفع سعر رغيف العيش 300%، والرغيف كما يعرف الجميع هو آخر ملاذ للغالبية الكاسحة من المصريين فى زمن صعب يشهد قفزات جنونية فى أسعار جميع السلع، وفى وقت تخطط فيه الحكومة لرفع الدعم عن الخدمات أيضا ومن بينها الكهرباء غير عابئة أو مكترثة بالمواطنين خاصة الغلابة والبسطاء، بل تصر على تحميلهم الفاتورة الكاملة لقناعاتها وسياساتها. ما يجرى -وفقا لخبراء الاقتصاد- هو فاتورة الاتفاق مع صندوق النقد الدولى وفرضه سياسات ليست مناسبة للمجتمعات النامية ومن بينها مصر، والتى تشكل عقبة صعبة أمام تحقيق أى عدالة اجتماعية فى دول يعانى اغلب سكانها من الفقر والعوز، لذا لا يحقق الانفتاح على سياسات إلغاء دعم الطاقة والخبز، والكهرباء، أى نجاح يذكر على الأرض ولا يحد من التضخم، بل يصبح الأمر أشبه بشن حرب ضد الفقراء والمحتاجين مرورا بالطبقة الوسطى التى تعانى الأمرين حاليا. كل المعطيات تقول إن الحكومة فى سبيل تنفيذ اتفاقها مع الصندوق ومواجهة غول التضخم ماضية قدما فى رفع الدعم تدريجيا فى ظل غياب السياسات الذكية والحكيمة التى تراعى البعد الاجتماعى والسياسى وتنظر لأوضاع المواطن بعين تعى وتدرك ما يعانيه، وخطورة بقائه فى هذه الزاوية. «فيتو» تفتح ملف الدعم، وما يمكن أن يحدثه رفع الدعم فى المجتمع، وكيف يمكن الخلاص من هذه الأوضاع التى يعانيها المواطن حاليا، وخطورة تصرفات الحكومة فى وقت شديد الصعوبة، فإلى التفاصيل:

بدأت مسيرة الدعم فى مصر منذ 110 أعوام مع الحرب العالمية الأولى، إذ حاول وقتها الملك فاروق دعم أبناء الطبقات الفقيرة فى مواجهة التضخم وغلاء المعيشة، وذلك عام 1941، وخصص لهذا الغرض مبلغ 2000 جنيه، وإثر ذلك وفرت الحكومة آنذاك الدقيق والسكر والزيت والكيروسين والشاى والمنتجات الأخرى الأساسية وبأسعار مخفضة تناسب دخول البسطاء مع تحمل الدولة فارق التكلفة الحقيقى.

وفى عهد الرئيس جمال عبد الناصر، زاد الدعم بشدة وأصبح يغطى مجالات وقطاعات مختلفة، ولم يقتصر على السلع الأساسية، بل وصل لقطاعات التعليم الصحة والإسكان، وتوسعت الحكومة المصرية بعد ثورة ٢٣ يوليو فى تقديم الدعم، بحسب دراسة “آليات ترشيد سياسة الدعم فى مصر”.

وشمل برنامج الدعم السلع الغذائية، وخاصة بعد تطبيق سياسة الإصلاح الزراعى، وتوفير الخدمات الاجتماعية للمواطنين من صحة وتعليم، حيث قامت الحكومة بإصدار البطاقات التموينية، وكان هدفها توفير السلع الأساسية للمواطنين لمواجهة النقص فى هذه السلع، وشمل برنامج الدعم القمح والسكر والأرز، وزيت الطعام، والصابون، والكيروسين، وبعض المنتجات القطنية.

وفى دراسة بعنوان “إصلاح منظومة الدعم وانعكاساته على سوق الصرف الأجنبى فى مصر” للباحثين دكتور عطا الله أبادير وإسراء ياسر صيام، ذكرت أن مصر استمرت على استخدام الدعم لفترة طويلة لتخفيف المعاناة عن المواطنين بسبب ارتفاع الأسعار وتدنى مستويات الدخل.

لكن اختلفت مخصصات الدعم فى الموازنة العامة للدولة وإجمالى الإنفاق الحكومى، إذ بلغ نصيب الدعم من الموازنة العامة فى عام 1952 حوالى 7.3% من إجمالى قيمة الإنفاق العام وبلغ نصيب الفرد من الدعم حوالى سبعين قرشًا.

بينما كان ملف الدعم فى عصر الرئيس السادات منقسما إلى مرحلتين، الأولى استمراره وزيادة مخصصاته، بين عامى ۱۹۷۰ و۱۹۷۷، حيث توسعت الحكومة فى تقديم الدعم وشمل عددًا أكبر من السلع بلغت ۱۸ صنفا “الفول والعدس والأسماك والدجاج واللحوم المجمدة”، بالإضافة إلى دعم الكهرباء، وخدمات النقل الداخلى، والبنزين، واستهدف جميع المواطنين، بحسب دراسة “آليات ترشيد سياسة الدعم فى مصر”.

وفى عام ١٩٧٦، ومع اتفاق الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولى انخفض الدعم كجزء من حزمة للإصلاحات الاقتصادية، التى تلت حرب أكتوبر، ومع مرور البلاد بأزمات اقتصادية، وبناء على الاتفاقية مع الصندوق رفعت الحكومة أسعار عدد من السلع “العيش الفينو، الدقيق والسكر والأرز والشاي” لخفض الدعم، واندلعت “انتفاضة الجياع”، وتراجعت الحكومة عن هذه السياسات.

بعد وفاة السادات زادت مخصصات بند الدعم عام 1980، حيث أصبح الدعم 15.6%، من إجمالى الإنفاق العام المخصص لهذا العام، ومن ثم ارتفعت نسبته من الإنتاج المحلى الإجمالى ليبلغ 10.1%، وارتفع أيضًا نصيب الفرد ليبلغ 37.5 جنيه.

بلغ الدعم فى عهد الرئيس مبارك أكثر من مليار جنيه فى الموازنة العامة للدولة، وذلك لأول مرة فى بداية الثمانينيات، واستمر الدعم طوال حكم مبارك، مع خفض عدد المستفيدين من البطاقات التموينية من 99% من السكان إلى نحو 70% فيما استمر دعم الحكومة لرغيف الخبز، الذى ظل سعره ثابتا عند 5 قروش منذ عام ۱۹۸۹.

وتراجع الدعم من حيث عدد السلع المدعمة، حيث تبنت الحكومة برنامج “إصلاح” نظام دعم السلع الغذائية، حيث كانت الحكومة ترى أن حجم الدعم هو السبب الرئيسى فى عجز الموازنة العامة، لذا حدث خفض تدريجى لعدد السلع الغذائية المدعمة، بعد أن كان نظام الدعم عام ۱۹۸۰ يغطى نحو ۲۰ صنفًا.

وانخفضت نسبة مخصصات الدعم عام 1990، وبلغت حوالى 8.7% من إجمالى الإنفاق العام، ثم أصبح يمثل 4.1% من الإنفاق عام 2001، أما فى عام 2011 فبلغ حجم الدعم من الإنفاق العام 26%، بحسب مركز دعم واتخاذ القرار.

وفى الفترة ما بين ۱۹۹۰ و۱۹۹۲ تم رفع الدعم عن السمك والدجاج واللحوم المجمدة والشاى، والأرز، وخلال عام 1997 كان هناك أربعة أصناف فقط مدعمة وهى الخبز البلدى، والدقيق البلدى، والسكر، وزيت الطعام.

كما قلصت حكومات مبارك عدد الأشخاص الذين يملكون بطاقات التموين والمستحقين للدعم الغذائى، حيث بدأت عام ۱۹۸۹ فى التوقف عن تسجيل مواليد جدد فى نظام الدعم، وفى عام ۱۹۹۲ رفعت الحكومة الدعم عن الخبز ذو الجودة المرتفعة، وتم إنقاص وزن الرغيف من ١٥٠ إلى ۱۳۰ جرامًا.

وقامت الدولة بعدة إجراءات أخرى لتقليص دعم السلع الغذائية، أهمها تقسيم المنتفعين من حاملى البطاقات التموينية إلى فئتين، حاملى البطاقات الخضراء، ويتمتعون بدعم كامل، وحاملى البطاقات الحمراء، ويتمتعون بدعم جزئى؛ مع زياد أسعار السلع التموينية الملحقة فى البطاقات وتقليص عدد المنتفعين من الدعم.

وفى دراسة بعنوان “كفاءة وعدالة الدعم فى مصر” للدكتورة أمنية حلمى، ذكرت أن “الدعم الظاهر بلغ أكثر من 18 مليار جنيه مصرى فى عام 2004/2005، وهو ما يمثل نحو 14% من إجمالى النفقات العامة للدولة، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.

ويعتبر الدعم المباشر للسلع والخدمات الأساسية المكون الرئيسى فى الدعم الظاهر، حيث يستحوذ على نحو 15.6 مليار جنيه منه، أما غير المباشر فيتمثل فى تمويل عجز الهيئات الاقتصادية العامة، ويبلغ 2.5 مليار جنيه، ويشمل هذا النوع من الدعم مجموعة من السلع الغذائية وبعض الأدوية الأساسية.

وفى عام 2005 انخفض عدد البطاقات التموينية نظرا لاستبعاد المقيمين بالخارج والمتوفين، كما تم تقديم دعم ضمنى للمنتجات البترولية بحوالى 22 مليار جنيه فى عام 2005، وهو ما يمثل 9.16%من إجمالى الإنفاق العام، و6.4%من الناتج المحلى الإجمالى، واستحوذ دعم الغاز الطبيعى على أكثر من 43% من إجمالى دعم المنتجات البترولية.

وبلغ دعم الكهرباء عام 2005 حوالى 27% من التكلفة الكلية له، أى 5.2 مليار جنيه، بحسب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، وبلغ دعم التعليم قبل الجامعى والعالى 11 مليار جنيه.

وارتفع دعم السلع التموينية عام۲۰۱۰ فبلغت ٤.٤ مليار جنيه، واستمرت فى الارتفاع إلى أن وصلت إلى ٨٩ مليار جنيه فى عام ۲۰۲۰، وبلغت ٢٦,٦% من إجمالى الدعم فى عام ۲۰۱۱، ثم أخذت فى التراجع إلى أن وصلت إلى ۱۷.۲% فى عام ۲۰۱۷، ثم أخذت فى الارتفاع مرة أخرى إلى أن وصلت إلى ٢٧.٢% فى عام ۲۰۲۰.

وأعيد النظر فى الدعم بعد أحداث ۲۰۱۱، وتم تحريك الدعم فى موازنة 2014/2015، حيث بلغت تقديرات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية فى هذه الموازنة بنحو ١٩٨.٦ مليار جنيه، بما يمثل ٢٧,١% من إجمالى المصروفات وبلغت مخصصات دعم السلع التموينية ٣٩,٤ مليار جنيه، مقابل 30.8 مليار جنيه فى العام السابق، وتراجع الدعم على المواد البترولية إلى ۱۰۰,۳ مليار جنيه، بعد أن كان ١٤٢ مليار جنيه فى العام السابق.

وقررت الحكومة رفع أسعار البنزين والسولار بدءًا من يوليو ۲۰۱٤، وتم خفض دعم المواد البترولية فى موازنة 2015/2016 من ۱۰۰,۳ مليار إلى ٥١,١ مليار جنيه أى بنسبة ٤٩%، وانخفض دعم الكهرباء من ٢٨,٥ مليار جنيه فى موازنة ۲۰۱7 إلى ٢٧,٦ مليار جنيه، وفى المقابل ارتفع دعم السلع التموينية من ٤٢,٧ مليار جنيه فى ۲۰۱٦، إلى ٤٧,٥ مليار جنيه فى 2017، وبلغ الدعم 138.72 مليار جنيه عام 2016، أى بنسبة 13% من إجمالى الإنفاق العام.


 

الجريدة الرسمية