رئيس التحرير
عصام كامل

التعليم لا يرمى إلى "تكوين المثقف"


حين تلج الكتاب والمدرسة، وتنتقل من صف دراسى إلى صف دراسى مختلف، ثم تلج أبواب المعاهد والجامعات، هل كنت تحمل هدفا بداخلك وغاية عظيمة هى أكبر من أن تتعلم حروف الهجاء، وتتخلص من رِقِّ الأمية، وكسب المعارف والعلوم فى تخصصات مختلفة .؟، هل كنت تطمح إلى ما هو أعلى من نيل شهادة علمية والحصول على وظيفة تحفظ كرامتك؟، هل كنت تحلم يوما بأن تكون إنسانا مثقفا وليس متعلما فقط ؟.


إن مشكلتنا اليوم هى مشكلة ثقافة لا مشكلة تعليم، فكل سنة يتخرج الآلاف من الطلبة والطالبات من الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية فى مختلف التخصصات، ولكن ماذا بعد التخرج ؟!!.

إننا ما زلنا نعانى من ضحالة الثقافة، ولهذا تتخبط الناشئة بين تيارات مختلفة تعصف بأفكارها، فلا تملك أن تحدد اختياراتها ولا قراراتها، ولا تملك أن تحلم وتحقق أحلامها، ولا تملك أن تواجه أزماتها وأسباب معاناتها وتتحداها، وترى الفشل نجاحا، ولا تملك أن تصنع لها بكل مرحلة بداية جديدة، والسبب أن مناهج التعليم لا ترمى إلى تنظيم الفكر وتوجيهه التوجيه المناسب، والمنسجم مع قدرات وكفاءات ومواهب المتعلمين، كما لا ترمى إلى تعليم الناشئة مناهج التفكير الصحيح، والتخطيط البعيد المدى، وكيف ستكون فى الغد وبعد سنوات، وكيف تحقق أحلامها اليوم فى المستقبل البعيد، مع تنظيم الوقت وترتيب أولوياتها منذ مرحلة الطفولة.
 
إن مناهج التعليم اليوم مازالت تمارس أفكار الأمس، وتنتج نسخا متكررة من المتعلمين، أقصى طموحهم الحصول على شهادة، بعدها يواجهون مصيرهم وواقعهم، واحتمالات النجاح أو الفشل، واحتمالات الحصول على وظيفة مناسبة أو مواجهة واقع البطالة، واحتمالات أخرى متعددة تبعث فى قلوبهم الأمل، والفرح، واستقبال أيامهم بهمة وعزيمة.. أو تبعث فى قلوبهم الشعور باليأس، والحزن، واستقبال أيامهم بانكسار وهزيمة وضعف.

كما أن "المعلم والأستاذ والمربى" ما زال حتى اليوم، يوجه الناشئة والمتعلمين خلال مراحل التربية والتعليم للحفظ ثم استظهار المحفوظ فحسب، يعنى بضاعتنا رُدَّت إلينا، ولكننا نحن بمرحلة متقدمة فى كل المجالات بما لا يسمح بالاقتصار على الحفظ والاستظهار فقط، بل التركيز على النهوض بالعقل للابتكار والإبداع، وهذا لا يتحقق إلا بغرس حب الكتاب، والتعلق بأهذابه، وصفحاته، والاستمتاع بقراءته، وتوظيف ملكة العقل فى التفكير والتحليل والنقد والتعليق، وتسجيل النتائج والملاحظات حتى لو كانت خاطئة.
 
إننا اليوم نحتاج إلى تكوين جيل من المثقفين، شبُّوا على حب العلم والارتباط بالكتاب حفظا وفهما، وتثقيف العقل وتطويره والنهوض به ليكون أهلا لإنتاج الأفكار الخلاقة، التى تبتكر وتخترع وتصنع ماهو جديد فى مجالات ومرافق الحياة، التى تؤهلنا لننافس الدول المتقدمة فى أخذها بأسباب التقدم العلمى.

كما نحتاج اليوم للارتقاء بالجهاز التعليمى وأقسامه والأطر التعليمية من معلمين ومدرسين وأساتذة و"دكاترة" جامعيين.. حتى يكونوا أهلا لتكوين جيل مثقف، هو من سيقود المجتمع المثقف بالمستقبل..
الجريدة الرسمية