رئيس التحرير
عصام كامل

ما وراء اعتصام رابعة


دخل اعتصام مؤيدي الرئيس السابق برابعة العدوية شهره الثاني، ومازالت قيادات الجماعة وأنصارها يرفعون نفس الشعارات ونفس المطالب، المتمثلة في عودة الرئيس السابق محمد مرسي للحكم، وإلغاء قرار حل مجلس الشوري، وإعادة العمل بالدستور.


وعلي الرغم من إصرار قيادات الجماعة علي نفس هذه المطالب، وعدم تنازلهم عن أي منها، إلا أنهم يعرفون جيدا أن تنفيذ مثل هذه المطالب، يعد بمثابة شيء مستحيل، لأنهم ببساطة مدركون في قرارة أنفسهم لحجم الغضب والسخط الشعبي عليهم، ومدركون أيضا أنه لا مجال لعودة مرسي مرة أخري لممارسة الحكم، في ظل رفض كافة مؤسسات الدولة له.

إذن فإن تنفيذ هذه المطالب ليست هي الهدف من استمرار اعتصام رابعة العدوية، فالمسألة لم تعد متعلقة برغبة الإخوان في بقائهم في السلطة، بل أصبحت تتعلق برغبتهم في البقاء كفصيل سياسي -حتي ولو كان عديم المشاركة- واجتماعي داخل الدولة، والحفاظ علي وحدة التنظيم الداخلي، واحتواء ومنع أي محاولة لتمرد قواعده علي القيادات.

فجماعة الإخوان اليوم تتعرض لأزمة كبري، أعتقد أنها الأخطر في تاريخها، حيث أن كافة الأزمات التي تعرضت لها، من قبل، وعلي مدار أكثر من ثمانين عاما، كانت تتعلق بصراع بينها وبين السلطة الحاكمة، لكن الأزمة هذه المرة أصبحت تتعلق بصراع أوسع مع طرف جديد وهو المجتمع، بالإضافة بالطبع إلي الطرف القديم المعتاد، وربما تتفاقم الأزمة خلال الفترة المقبلة، ليشهد الصراع انضمام طرف جديد من داخل الجماعة ذاتها، وهو شبابها.

وقد أدي صراع الجماعة اليوم مع السلطة والمجتمع معا، إلي جعل مسألة بقائها كتنظيم سياسي ومجتمعي مهددا بالخطر، وبالتالي كان عليها امام هذا الخطر أن تبحث عن وسيلة لمنعه أو الحد منه، ولم تجد سوي استمرار اعتصام رابعة العدوية.

فقد وجدت الجماعة في هذا الاعتصام عدة فرص بدت لها ذهبية، لتحقيق هدفها في الحفاظ علي التنظيم من انهيار مرتقب، وتتمثل أولي هذه الفرص في توظيف استمرار الاعتصام، وما يترتب عليه من أضرار للدولة، كورقة ضغط علي النظام الحالي، لتوفير خروج آمن للجماعة يشمل الإفراج عن كافة القيادات التي تم إحتجازها، وعدم القبض علي القيادات الأخري المتواجدة داخل الاعتصام، ويضمن لهم أيضا المشاركة مرة أخري في العملية السياسية.

أما ثاني هذه الفرص فتتمثل في جعل الاعتصام نقطة بداية لفتح باب مظلومية جديد للجماعة، تسطيع من خلاله كسب تعاطف المجتمع معها مرة أخري، وقد ظهر ذلك بصورة واضحة من خلال محاولات القيادات لتقمص دور الضحية، بعد قيامها بدفع قواعدها لمواجهات كانت تعلم جيدا أن نهايتها ستكون دموية.

أما ثالث هذه الفرص فتتمثل في استخدام الاعتصام كوسيلة للتأثير علي قواعد الجماعة ومؤيديها، لاحتواء أو تأجيل غضب محتمل علي قيادتهم، ويظهر ذلك وبصورة واضحة من خلال خطاب المنصة الذي يقوم بالأساس علي محاولة تبرئة القيادات مما وصل إليه حال الجماعة، وتصوير المشهد علي أنه معركة دينية بحتة، ومؤامرة تُساق ضد مشروع إسلامي، كانت تتبناه الجماعة.

وبالتالي، وفي ضوء كل ما سبق الإشارة إليه، يتضح أن ماوراء رابعة العدوية ليس رغبة في إعادة رئيس معزول، أو برلمان منحل، أو دستور وعطل، بل رغبة في إنقاذ تنظيم مهدد بالانهيار.
nour_rahswan@hotmail.com
الجريدة الرسمية