رئيس التحرير
عصام كامل

صحة المصريين خط أحمر.. غضب برلمانى من قانون المنشآت الصحية رغم إقراره.. نواب: كارثة وشهادة جديدة على فشل الحكومة فى إدارة المستشفيات

مجلس النواب، فيتو
مجلس النواب، فيتو

فجَّر قانون إدارة وتشغيل المرافق الصحية الذى أقره مجلس النواب مؤخرًا الكثير من الجدل، إذ يمنح القطاع الخاص سلطة إنشاء وإدارة وتشغيل المرافق الطبية التابعة لوزارة الصحة، وسط مخاوف متزايدة لدى أغلب المصريين بشأن المخاطر المحتملة من هذا القانون حال إقراره، وفى مقدمتها إهدار الحق الدستورى للمواطنين فى رعاية صحية بأسعار معقولة ومناسبة وخاصة محدودى الدخل.

وتطرح النخب من كل الاتجاهات مخاوفها من الفكرة خاصة فى ضوء ما يعانيه القطاع الطبى حاليا من أزمات بالجملة، فيما أكد خبراء أن القانون لا يتضمن شروطا واضحة لتسعير الخدمات الصحية عندما يتم نقل إدارة مرفق صحى عام إلى القطاع الخاص، وهذا الشرط ضرورى لمنع المستثمرين من تضخيم الأسعار لتعظيم عوائدهم فى الوقت الذى تقدم جميع المستشفيات الحكومية خدماتها “مجانا” أو بأسعار رمزية لأكبر عدد من المرضى.

ولا ينص القانون على أى نوع من الاشتراطات التى وضعتها فى الحسبان البلدان الأخرى التى فعَّلت الشراكة  بين القطاعين العام والخاص فى الخدمات الصحية، إذ تجاهل القانون أيضا مصير العاملين فى مجال الرعاية الصحية، بما فى ذلك الأطباء والممرضات وغيرهم من الموظفين فى هذه المرافق العامة، وإذا ما قرر المستثمر الخاص خفض القوى العاملة لتحقيق أرباح أعلى لن يكون أمامه إلا تسريح أعداد كبيرة من العمالة الطبية وتشريد أسرهم.

«فيتو» تناقش فى هذا الملف مع كافة المعنيين وفى مقدمتهم نقابة الأطباء وكبار العاملين بالقطاع الطبى والنواب والسياسيين هذا المشروع المثير للجدل، والوضع الحالى فى القطاع الصحي، ورحلة هذا القطاع فى عهود رؤساء مصر، فإلى التفاصيل:

 

تباينت آراء أعضاء مجلس النواب حول قانون منح إنشاء وتطوير وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية للقطاع الخاص، والذى يعد من القوانين المهمة التى وافق عليها مجلس النواب نهائيا خلال جلساته العامة الماضية، وسط حالة من الجدل والاختلاف حوله تحت قبة البرلمان، قبل أن تصوت عليه الأغلبية البرلمانية بالموافقة.

وفى الوقت الذى أبدت فيه المعارضة البرلمانية، تخوفاتها من تطبيق ذلك القانون على تكلفة الخدمات الصحية المقدمة للمواطن، إلا أن الأغلبية البرلمانية رأت أنه يستهدف تحسين الخدمة الصحية ويوسع مشاركة القطاع الخاص ويضمن عدم ارتفاع أسعار الخدمات الصحية.

من ناحيته، قال الدكتور أشرف حاتم رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، إن قانون منح التزام إنشاء وتطوير وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية يعد من القوانين المهمة، التى تستهدف تحسين مستوى الخدمة الصحية المقدمة للمواطنين بفكر مختلف، دون تحميل المواطنين أعباء مالية إضافية، كما أنه يحقق خطة الدولة نحو توسيع مشاركة القطاع الخاص فى تقديم الخدمات للمواطنين.

وأضاف حاتم، أن الشائعات حول بيع المستشفيات الحكومية هو كلام غير صحيح بالمرة، نظرا لأن مشروع القانون حتى بالنسبة للمستشفيات القائمة الهدف منه هو تطوير هذه المستشفيات ليس بالبيع وإنما بالانتفاع ولمدة أقصاها 15 عاما، وهو أمر ونظام معمول به فى دول العالم ومنصوص عليه فى الدستور المصرى، حيث نص الدستور الحالى فى المادة (32) منه على ذلك النظام، كما نص على تشجيع الدولة على مشاركة القطاع الخاص فى خدمات الرعاية الصحية فى المادة (18).

وتابع رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، بأن مواد مشروع القانون تحافظ على حقوق المواطنين وعدم المساس أو الانتقاص من الخدمات الصحية الإلزامية والمجانية التى تقدمها الدولة للمواطنين بمختلف المستشفيات ومتشآت القطاع الصحى.

وأضاف رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، أن مشروع القانون يتماشى مع منظومة التأمين الصحى، ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، كما أنه يستثنى عددا من المستشفيات والمنشآت الطبية التى تقدم خدمات التطعيم والرعاية الصحية للأسرة وعلاج الأورام ورعاية الطفل وقيد المواليد، وغيرها من المنشآت التى تقدم خدمات مجانية للمواطنين.

بينما وصف النائب أحمد الشرقاوى، عضو مجلس النواب، القانون بالكارثة على القطاع الصحى فى مصر، موضحا أنه سيضع أعباء مالية كبيرة على المواطنين.

وقال الشرقاوى، إن البلاد بوضعها الحالى غير مستعدة لتطبيق نظام “الملتزم” فى القطاع الصحى، سواء كان المستثمر محليا أو أجنبيا، فهى غير مهيأة لتطبيق ذلك القانون حاليا، وسيكون هناك مشكلات مختلفة عند تطبيقه.

وأضاف عضو مجلس النواب، كان من المفترض، أن يخضع مشروع القانون لحوار مجتمعى وسياسى موسع حوله، قبل إقراره، نظرا لأنه يرتبط بخدمة مهمة يحتاج إليها المواطنون، مشيرا إلى أن الخدمات الصحية هى التزام دستورى على الدولة مثلها مثل خدمة التعليم، وبالتالى لا يجوز حصر إقرار مصيرها داخل لجنة الصحة بالبرلمان، فقط، نظرا لأن مثل تلك الالتزامات تتعلق بكافة فئات المواطنين بشكل عام.

وتابع النائب أحمد الشرقاوى، بأن المواطن المصرى يدفع مقابل تلك الخدمات المجانية التى يحصل عليها فى قطاعات الصحة والتعليم، وذلك من خلال الضرائب، وفى المقابل تقدم الدولة له خدمات صحية وتعليمية واجتماعية

وواصل عضو مجلس النواب، أن تطبيق ذلك القانون على القطاع الصحى، سيزيد من الأعباء الاقتصادية على المواطنين فى القطاع الصحى، حيث يوجد حاليا نظام علاج استثمارى ونظام علاج على نفقة الدولة، وبموجب ذلك القانون، سيتم تعزيز العلاج الاستثمارى.

وأوضح أنه من الطبيعى سعى أى مستثمر للربح، وسيسعى للحصول على أفضل منشأة حالية تساعده على تحقيق الأرباح، حتى وإن كان ذلك على حساب المرضى.

وقال النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصرى الديمقراطى بمجلس النواب، أن القانون يعد دليلا واعترافا واضحا من الحكومة بفشلها فى إدارة المستشفيات والمنشآت الصحية، مما دعاها إلى الاستعانة بأطراف أخرى سواء مستثمرين محليين أو أجانب، لإنجاح تلك المنشآت.

وأضاف منصور: وفقًا لهذا المنطق، يمكن تطبيق تلك الفكرة فى باقى القطاعات، وكذلك على مستوى الحكومة نفسها، بمعنى أن أى قطاع لا يحقق نجاح أو فشلنا فى إدارته مثل التعليم أو المحليات، يتم إسناده لمستثمر أجنبى، وهل وفقًا لذلك المنطق، يمكن أن نستعين بخبرات أجنبية لإدارة الحكومة.

وردا على أن الهدف من القانون هو توسيع مشاركة القطاع الخاص، قال عضو مجلس النواب، إن تشجيع المستثمرين، وتوسيع قاعدة مشاركتهم فى المشروعات وتقديم الخدمات، يمكن أن يتم من خلال طرق عديدة، منها منحهم تسهيلات وإعفاءات ضريبية وكذلك تسهيل إجراءات حصولهم على التراخيص، لتشجيع القطاع الخاص على إنشاء مشروعات جديدة فى مختلف القطاعات، بدون فكرة منح التزام تشغيل وإدارة منشآت ومرافق حالية وهامة تتعلق بتقديم خدمات مهمة جدا للمواطنين.

وأوضح النائب إيهاب منصور، أن القانون الذى وافق عليه المجلس ينص على إمكانية التعاقد على منح التزام بشأن منشآت حديثة وأخرى قائمة بالفعل، متابعا: ليس لدينا مانع فى منح التزام لإنشاء المنشآت الجديدة، ولكن لا داعى للتطبيق على المنشآت القائمة، لأننا نتحدث عن صحة المصريين ونخشى أن يتأثر المواطنين، ولا يجدوا الخدمة الصحية نظرا لارتفاع تكلفتها.

وقال عضو مجلس النواب: يعانى المواطن حاليا بشكل يومى، فى رحلة بحث عن أسرة الرعاية والحضانات، فماذا سيكون الوضع فى حال منح التزام تلك المرافق لمستثمر، الذى من حقه رفع قيمة تكلفة تلك الخدمة، مع تقديم نسبة مجانية غير محددة من الخدمات للمنتفعين، وفقًا للقانون.

وتابع منصور: توجد نصوص أخرى تثير المخاوف، مثل النص على الالتزام بتشغيل نسبة ٢٥ فى المائة من العمالة بالمنشأة الحالية، دون الإشارة إلى مصير نسبة الـ ٧٥ فى المائة الباقية، متابعا، وهذه النسبة لم يحدد القانون مصيرها.

وقال النائب أحمد فرغلى، عضو مجلس النواب، إن قانون منح التزام إنشاء وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية، سيتسبب فى زيادة معاناة المواطن البسيط، فى القطاع الصحى، برفع أسعار الخدمات الصحية، مشيرا إلى أن الحكومة فشلت حاليا فى تطبيق منظومة التأمين الصحى، وكذلك فشلت فى الرقابة على الأسواق والأسعار، ومحاصرة التضخم، متسائلا: كيف ستضمن السيطرة على أسعار الخدمات الصحية.

 

الجريدة الرسمية