رئيس التحرير
عصام كامل

حكومة المسكنات.. خبراء: التدخلات الرسمية أفسدت السوق وأشعلت الأسعار.. أمين صندوق الاتحاد العام للغرف التجارية: الحكومة دورها الرئيسى حماية آليات السوق وليس التدخل وفرض المبادرات

أسعار السلع
أسعار السلع

لا يسلم السوق من التدخلات الحكومية، وكل لمسة للحكومة فى السوق تفسده أكثر، هذه هى القاعدة المستقرة فى قوانين العرض والطلب، وألف باء سوق حر، لذا يعانى السوق المصرى من ارتفاع مستمر فى أسعار السلع، على الرغم من إعلان الحكومة عددا من المبادرات لخفض الأسعار بالتزامن مع تراجع سعر صرف الدولار، بسبب توافر السيولة الدولارية، الناتجة عن استلام الدفعة الثانية لصفقة رأس الحكمة.

يقول النائب الدكتور محمد عطية الفيومى أمين صندوق الاتحاد العام للغرف التجارية، رئيس غرفة القليوبية التجارية، إن السبب فى عدم انخفاض أسعار السلع مع إعلان المبادرات الحكومية، هو أن آليات السوق ليست مفعلة، وهذا دور الحكومة، مؤكدا أن دورها الرئيسى حماية آليات السوق وليس التدخل بفرض المبادرات دون النظر للظروف الحالية، وتحديد تكلفة الإنتاج الحقيقية للمنتج.

وأضاف: أن الممارسات الحكومية فى مصر خرجت عن دورها وأفسدت السوق ولم تصلحه، ولذلك لم تنخفض أسعار السلع، لأن الحل الفعال لضبط الأسواق كان أمام أعين الحكومة طوال الوقت، لكنهم بحثوا عن استخدام «المسكنات المؤقتة» بإطلاق المبادرات، لكن فى حقيقة الأمر السوق يحتاج إلى حماية تنفيذ الآليات الفعالة دون تدخل حكومى، موضحا أن أبرز الآليات لذلك ضرورة حماية حرية المنافسة، وعدم إعطاء امتيازات لجهة دون أخرى مثل إلغاء الضرائب أو إعفاءات جمركية، بل يجب توحيد الامتيازات والعطاءات لجميع القطاعات والمستثمرين دون تمييز.

وتابع: إضافة إلى منع الممارسات الاحتكارية، هناك جهاز كامل منوط بذلك اسمه جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الذى له صلاحيات كبيرة وبه عدد من الموظفين يحصلون على أجور تقدر بملايين الجنيهات، لكن أين الجهاز من القيام بدوره وواجبه؟

وأشار إلى أن من آليات السوق المهمة العرض والطلب، والشفافية التامة مع المواطنين فى عرض السلع وتحديد أسعارها، والجودة هى التى تفرض السلعة ومدى الإقبال عليها.

وضرب «الفيومي» مثلًا قائلا: تدخل الحكومة فى السوق يفسد ولا يصلح، إذ عندما قامت العام الماضى بتسعير الأرز، ومن جهتنا حذرنا من هذا الأمر، ولكنها لم تستمع للتحذيرات، فكانت النتيجة ارتفاع أسعار الأرز وحدوث أزمة غير مسبوقة.

وأشار «الفيومي» إلى أن دول العالم لا تتدخل الحكومات فى مسارات السوق ابدًا، بل تتركه لمساره الطبيعى، وحدث ذلك خلال جائحة كورونا، ارتفعت أسعار السلع فى أسواق الدول دون تدخل الحكومات، ثم انخفضت بعدها مع زيادة المعروض.

وتابع: الحكومات فى دول العالم لا تحمى الأسواق من الصدمات، بل تتركه يقاوم وفق الآليات السليمة وتقوم بدورها فى ضمان تنفيذ هذه الآليات، لذلك الأسواق العالمية صحية.

وأضاف: على عكس ذلك نجد السوق المصرى فريسة للقرارات غير المدروسة، منها على سبيل المثال مبادرة السماح بدخول الذهب مع القادمين من الخارج، وكان لها أكبر أثر سلبى على الاقتصاد المصرى، فبدلًا من تحويل المصريين للعملات الأجنبية المورد الرئيسى والهام لتعزيز موارد الدولة؛ حرصوا على شراء الذهب والقدوم به إلى مصر.

وأشار إلى أن السوق أيضًا تأثر بعدم الاحتكام لآليات السوق المنضبطة، وتدخل الحكومة بفرض التخفيضات بإعلان المبادرات، دون مراعاة دورة إنتاج السلع، مضيفا: خلال الفترة المقبلة سيشهد السوق انخفاضات تدريجية واضحة فى السلع بسبب أن دورة الإنتاج أخذت مسارها الطبيعى، ومعها بدأت المصانع فى استخدام مستلزمات الإنتاج الجديدة بسعر الدولار الحالى الذى شهد انخفاضات واضحة.

أما الدكتور عبد العزيز السيد رئيس شعبة الثروة الداجنة بالغرفة التجارية بالقاهرة، فيرى أن إعلان المبادرات الحكومية لخفض أسعار السلع ليست الحل لضبط السوق وإرضاء المواطنين، فالمواطن يريد استمرارية حصوله على السلع بأسعار مناسبة.

وأضاف «السيد» أن ليس من دور الحكومة إعلان المبادرات بل هو دور المصانع والشركات، التى تعلن عن المبادرات لجذب المستهلكين مع زيادة المعروض من منتجاتها.

وضرب «السيد» مثلًا بمبادرة خفض أسعار الدواجن والبيض التى أعلنها رئيس مجلس الوزراء بالتوافق مع اتحاد منتجى الدواجن، التى لم تنفذ مع إعلان تطبيقها، بل فوجئ المواطنون بانخفاض أسعار الدواجن عن السعر المعلن فى المبادرة، وذلك بسبب توفير الأعلاف ومستلزمات الإنتاج مما أدى إلى خفض سعر المنتج، أي أن آليات السوق هى التى انتصرت.

وتابع: وكان على العكس البيض الذى ظلت أسعاره مرتفعة ولم يصل لسعر المبادرة إلا بعد أن انتهى موسم شم النسيم، وبدأ يستجيب إلى آليات السوق، حيث انخفضت أسعاره حاليًا.

واستنكر «السيد» عدم التزام أصحاب المهنة الذين اجتمعوا مع الحكومة وأطلقوا وعودهم بخفض الأسعار، متسائلًا: لماذا لم تحاسبهم الحكومة على عدم الالتزام بوعودهم.

وأشار «السيد» إلى أنه طالما الحكومة جلست وتحدثت مع ممثلى القطاع، واتفقوا على تخفيض الأسعار، كان لا بد من تنفيذ هذه الوعود مهما حدث، لكن للأسف لم تنفذ هذه الوعود، التى كانت سببًا فى حدوث بلبلة فى السوق، فإعلان مبادرة خفض أسعار الدواجن والبيض وضعت الحكومة فى موقف حرج أمام المواطنين، وكانت سببًا فى زعزعة الثقة فى قدرة الحكومة على ضبط السوق.

وأضاف: أنه لم يكن على الحكومة التدخل لفرض خفض الأسعار؛ بل كان الأحرى أن تقوم بدورها فى توفير مستلزمات الإنتاج، وتحديد السعر العادل للمنتج بحساب التكلفة وهامش الربح، وإعلانه من خلال جهة مسئولة التى منها تفعيل بورصة الدواجن الرئيسية.

من ناحيته، يرى محمود العسقلانى رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء لحماية المستهلك، أن مبادرات الحكومة لم تنجح، لأن الحكومة ظلت تستخدم نظرية تقديم الجزر للتجار دون التلويح بالعصا ولو مرة، وفى كل مرة تقدم لهم الجزر فى صورة إعفاءات ضريبية وجمركية وتسهيلات وتدبير عملة وغيرها، لكن التجار أكلوا كل جزر مصر ولم يتركوا أو يعطوا شيئًا واحدًا، قدموا مصالحهم ومكاسبهم على مصالح الوطن، ولو أن الحكومة لوحت لهم باستخدام العصا فى فرض العقوبات لما وصل السوق لهذه الحالة من التدهور، مستطردًا: «تحس من سياسات الحكومة أن التجار دول أقاربها أو أنها هى التى تتاجر فى السوق».

وقال «العسقلاني»: إن عدم نجاح المبادرات الحكومية كان سببه التجار الذين يدفعون ثمن غبائهم الاقتصادى، مضيفًا: التجار فاشلون ويعانون من غباء اقتصادى بالمغالاة فى رفع الأسعار الذى أدى بهم إلى الوقوع فى حالة ركود عنيفة هزت الأسواق، ومعها انخفضت القوة الشرائية للمواطنين انخفاضا بالغ الخطورة.

وأضاف: أن ارتفاع أسعار المنتجات فى المحال التجارية أنعش الأسواق الموازية، مثل سوق «الكانتو» أي وكالة البلح، وانتعشت أيضًا تجارة المنتجات المعاد تدويرها مثل الأجهزة الكهربائية والمعدات، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المنتجات الجديدة.

أما رامى زهدى، خبير الشئون الاقتصادية الأفريقية، عضو الهيئة العليا لجمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، فيقول إنه فيما يتعلق بالتحركات الحكومية لخفض الأسعار فى السوق المصرى والسيطرة على الأداء السعرى والإتاحة للمنتجات، سواء كانت هذه التحركات فى شكل مبادرات يعلن عنها، توافقات مع المنتجين والتجار والموزعين، أو على مستوى القوانين، التشريعات، أدوات الرقابة، يظل هناك فجوات كبيرة ما بين النيات المخلصة والأمنيات الطموحة للحكومة ومابين النجاح فى تحقيق الأهداف.

وأضاف: المواطن وحده هو من يستطيع تأكيد أو نفى أي تحرك للحكومة لخفض الأسعار وإتاحة المنتجات، فمهما أصدرت الحكومة من بيانات وتقارير وعقدت مؤتمرات، فى النهاية هناك ربة منزل أو رب أسرة يحاول الموازنة بين دخله المادى والأسعار فى ظل نسب تضخم غير مسبوقة.

وأضاف: الأسعار وصلت نقطة اللاعودة، ثم بإدارة وإرادة محكمة من القيادة المصرية، وأجهزة ومؤسسات الدولة وبأداء حكومى مقبول وإن لم يكن مناسب لحجم الأزمة كان يجب ويمكن أن يكون أفضل، بدأت الأزمة فى التراجع وبالفعل انخفضت الأسعار، لكن الانخفاض من حيث القيمة أو المعدل الزمنى للانخفاض لم يكن مرضيا أبدا وربما خارج أي قواعد للمنطق، وعمدت الحكومة لمبادرات وتوافقات وتشريعات وأدوات رقابية لخفض الأسعار، لكن المواطن كان غير راض ولا يشعر بشيء ملموس، بل إن مبادرات المواطنين بمقاطعة بعض المنتجات مثل الأسماك أو اللحوم أو البيض كانت أوقع وأقوى تأثيرًا على الأسعار من مبادرات الحكومة.

وقال «زهدي» الشعوب لا تأكل بيانات مجلس الوزراء، الشعب يحتاج لتوازن حقيقى بين الدخل والإنفاق، ومستوى أسعار متوازن ومنطقى، وفى النهاية لن يشترى المواطن طعامه بورقة صحف أو «لينك» على السوشيال ميديا يؤكد انخفاض الأسعار، فى النهاية يدفع أموالا يحددها المنتجون والتجار مقابل السلع والخدمات.

وتابع: بالفعل انخفضت الأسعار، لكن السلعة التى ارتفع سعرها 400٪ فى آخر شهر، لا يمكن أبدا الشعور بالرضا عن سعرها إذا انخفضت بنسبة 200٪ من الزيادة غير المنطقية على سعرها الأصلى فى الأساس، بمعنى السلعة التى مثلا كانت متوسط أسعارها 120 جنيهًا مثل اللحوم، وارتفعت إلى 550 جنيهًا كأعلى سعر وصلت إليه، ثم تنخفض إلى 400 أو إلى 380 جنيهًا بالتأكيد ما زال السعر مبالغ فيه وغير منطقى قياسًا إلى التحسن فى أسعار الصرف، وزيادة التدفقات الدولارية وإعلان الحكومة دائمًا عن مبادرات وانخفاضات فى الأسعار.

وأضاف: إذا الانخفاض يحدث لكن غير كاف، وكان يجب على الحكومة بذل مزيدا من الجهد فى الإصلاح الاقتصادى بشكل عام ومحاولة حل المشكلات من العمق، لأن اقتصاديات السوق المفتوح لن تسمح للحكومات بالتحكم المطلق فى حركة التجارة الداخلية.

الجريدة الرسمية