لعنة الغلاء، نواب يكشفون أخطر أسباب «فوضى الأسواق».. برلمانيون يطلبون تغيير الحكومة ووضع سياسات اقتصادية جديدة تدعم الإنتاج المحلى وتفرض رقابة على الأسعار
تسلمت مصر 14 مليار دولار، قيمة الدفعة الثانية من أموال صفقة رأس الحكمة، أكبر صفقة استثمار مباشر فى تاريخ بلادنا بقيمة إجمالية 35 مليار دولار؛ لكن المحزن أن التأثيرات على حياة المواطنين حتى الآن تكاد تكون غير ملموسة بالمرة.
أسعار المواد الغذائية لا تزال مرتفعة للغاية، التضخم متفشٍّ، ولم يعد فى قدرة الكثير من المصريين البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة مواجهة الغلاء فى أسعار المواد الغذائية، باتت الأسواق تعانى من فوضى وجشع التجار والشركات للدرجة التى لم تعد تؤثر على الفقراء فحسب، بل دمرت الطبقة المتوسطة وزحف القلق إلى الأغنياء أيضا.
لماذا فشلت مبادرات الحكومة فى تخفيض الأسعار رغم تراجع سعر صرف الدولار ووصول الدفعة الثانية من مليارات صفقة رأس الحكمة؟ ولماذا لم يشعر المواطن بدور الأجهزة الرقابية فى مواجهة جنون الأسعار؟ وما هى الحلول والحكومة تكتفى بالمسكنات من معارض خاصة ومبادرات دون تدخل حقيقى للوصول إلى أسعار عادلة للسلع؟
«فيتو» تواصل فتح ملف الاقتصاد والأسعار من خلال استطلاع كافة الآراء والحلول والمقترحات من عدد من النواب والسياسيين والاقتصاديين والغرف التجارية والخبراء المختصين، فإلى التفاصيل:
حدد عدد من أعضاء مجلسى النواب والشيوخ، جملة من الأسباب التى تقف وراء ارتفاع أسعار السلع فى الوقت الحالى، رغم تراجع سعر الدولار وتوافر سيولة دولارية، مؤكدين أن هناك أسبابا قانونية وأخرى اقتصادية.
وقال النواب فى تصريحات خاصة لـ«فيتو»، إن هناك قصورا تشريعيا يتطلب التدخل والتعديل القانونى، لضبط الرقابة على الأسعار، بالإضافة إلى الحاجة إلى سياسة وخطة واضحة لمعرفة احتياجاتنا من السلع، واتفق النواب على أن الحل هو التوسع فى سياسة الإنتاج لتوفير السيولة الدولارية باستمرار، وسط مطالبات من البعض بتغيير الحكومة، وكذلك تشديد الرقابة على الأسواق.
النائب إيهاب رمزى، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب قال، إن استمرار أزمة ارتفاع الأسعار، لها عدة أسباب، منها جزء قانونى وجزء اقتصادى.
وأوضح رمزى فى تصريح خاص، أن ما يتعلق بالجزء القانونى يتلخص فى ضعف الرقابة على الأسواق، مما يتسبب فى ارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أن التشريعات الحالية لا تمكن السلطة التنفيذية من ضبط منظومة الأسعار بالشكل الكامل.
وأعلن رمزى إعداد مشروع قانون يسمح بتحديد هامش ربح فى كل خطوات السلعة وخاصة السلع الاستراتيجية، بحيث يكون هناك إلزام على التاجر فى كل مرحلة من مراحل تداول السلعة، بهامش ربح لا يتعدى ٢٥% على سبيل المثال، متابعا: يجب أن يكون هناك لجنة فى كل وزارة مسئولة عن تلك السلعة تتولى تحديد نسبة هامش الربح.
وأضاف أن ذلك التشريع سيكون ملزمًا للتاجر الذى يوافق على التعامل مع السلعة، وسيكون مخالفا أمام القانون حال زيادة هذه النسبة، وتابع عضو مجلس النواب: القانون سيساعد السلطة التنفيذية فى السيطرة على الأسواق، نظرا لأن فى الوقت الحالى، لا يجوز فيه تحرير أي محاضر ضد الذين يقومون برفع الأسعار لعدم وجود مخالفة، فالسلع ليست مدعمة وبالتالى تخضع لسياسة العرض والطلب.
وفيما يتعلق بالجزء الاقتصادى فى الأزمة، أوضح أنها تعود إلى افتقاد سياسة أو خطة واضحة تنظيم احتياجاتنا من كل سلعة، فالأمر يخضع للأهواء ويتسبب فى عجز ونقص فى سلع نضطر لاستيرادها مما ينعكس على ارتفاع تكلفتها وزيادة أسعارها.
واستشهد رمزى بالأزمة الدائرة فى محاصيل الأعلاف التى تتحكم فى أسعار سلع مهمة مثل الدواجن واللحوم والأسماك والبيض، وكذلك محصول القمح الذى نستورد منه كميات كبيرة.
وأكد أن الحل يكمن فى اتباع سياسة زراعية واضحة، وإعادة الدورة الزراعية، وإلزام المزارعين بزراعة محاصيل معينة مقابل حصولهم على عائد جيد، متابعا، للأسف الحكومة كانت تعرض أسعار منخفضة على المزارعين فى تلك المحاصيل، ثم تذهب لاستيرادها من الخارج بمبالغ ضخمة.
من ناحيته قال النائب محمود سامى الإمام، عضو لجنة الشئون المالية والاقتصادية والاستثمار بمجلس الشيوخ، إن السبب فى استمرار ارتفاع الأسعار رغم وجود سيولة دولارية بعد صفقة رأس الحكمة، ثلاث أسباب أولها هو عدم اكتمال الدورة التجارية لهذه السلع، حيث تحتاج فترة من ٣ إلى ٦ شهور لاكتمالها، وخاصة فى سلع كبيرة مثل السيارات والأجهزة، حيث يحرص التجار على عدم الخسارة، لا سيما أنهم قاموا بشرائها فى ظل ارتفاع سعر الدولار من قبل، ولذلك يتوقع الخبراء أن انخفاض الأسعار سيبدأ مع النصف الثانى من العام أي بداية من الشهر المقبل.
وتابع عضو مجلس الشيوخ، السبب الثانى هو عدم سيطرة الحكومة على التضخم بالشكل الكامل أو المطلوب، مشيرا إلى أنه رغم وجود محاولات لامتصاص آثار التضخم إلا أنه ما زال موجودا، ويتسبب فى ارتفاع الأسعار.
وأضاف النائب أن السبب الثالث يتلخص فى عدم ثقة المواطنين فى استمرارية توافر السيولة الدولارية، لأن استقرار السوق يتطلب الإنتاج، وبالتالى يتوقعون العودة مرة أخرى للأزمة وارتفاع الأسعار، مضيفا: نحن فى حاجة للاستدامة وتوفير السيولة الدولارية من خلال الإنتاج وليس الاستثمار الأجنبى المباشر.
وأشار إلى ضرورة استغلال الوضع الحالى، مضيفا: رغم عدم تغيير تصنيفنا الاقتصادى إلا أن النظرة المستقبلية لنا من جانب المؤسسات العالمية تحسنت وأصبحت إيجابية.
وأكد عضو لجنة الشئون المالية والاقتصادية والاستثمار بمجلس الشيوخ، ضرورة التوسع فى الإنتاج الصناعى والتكنولوجى وجذب الاستثمارات والشراكات، وتوفير البيئة المناسبة والمحفزة لذلك.
وأيده فى ذلك النائب فريدى البياضى، عضو مجلس النواب، مشيرا إلى أن أحد أهم أسباب تمسك التجار بالأسعار المرتفعة للسلع، هو عدم ثقتهم فى انخفاض الأسعار، حيث يرون أن الوضع الحالى هو وضع مؤقت بسبب التدفقات الدولارية من الخارج وسيواصل الدولار الارتفاع عقب ذلك.
وأضاف البياضى: أيضًا لا توجد أي مؤشرات لتحسين السياسة الاقتصادية، ولذلك يتعامل المواطنين مع الوضع الحالى بشكل مؤقت، وخاصة التجار الذى يطرحون السلع بأسعار مرتفعة، وتابع عضو مجلس النواب: الحل هو سياسات اقتصادية جديدة قائمة على الإنتاج تضمن توافر السيولة الدولارية.
ودعا البياضى، إلى تغيير الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة لديها رؤية وصلاحيات كاملة، تمكنها من تنفيذ تلك السياسات الجديدة وشدد عضو مجلس النواب على أن المواطنين أصبحوا يعون ذلك المشهد جيدا، والخبراء يتوقعون أزمات أكبر حال عدم تغيير السياسات والأشخاص فى الملف الاقتصادى.