رئيس التحرير
عصام كامل

الخلافات الأمريكية الروسية تستعيد شبح الحرب الباردة

 الرئيس الأمريكي
الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"

بالرغم من رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في الانخراط في "بداية جديدة" مع روسيا، إلا أن العلاقات شهدت توترًا في السنوات الأخيرة، نتيجة عدد من المواقف المتباينة من الأزمة السورية، والملف النووي الإيراني، فيما عملت بعض القضايا من قبيل نظام الدرع الصاروخية، ونزع الأسلحة الإستراتيجية، والانتهاكات الروسية لحقوق الإنسان، وكان آخرها أزمة العميل الأمريكي "إدوارد سنودن" على إعادة أجواء الحرب الباردة مثل "سباق التسلح"، و"الاشتباه".


وشكلت إلغاء زيارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" إلى مدينة بطرسبورغ، حيث كان مقررا أن يلتقى بالرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في قمة مجموعة العشرين، شكلت آخر حلقات التوتر في العلاقات بين البلدين.

ويبدو قرار إلغاء المشاركة قمة العشرين بسبب تحدي روسيا للولايات المتحدة الأمريكية بمنحها حق اللجوء السياسي المؤقت للعميل الأمريكي سنودن، تمثل حصة كبيرة من توتر العلاقات بيد أنها تعتبر "غيضا من فيض".

يذكر أنه بعد تولي بوتين رئاسة روسيا من جديد، جاء على رأس القضايا التي رفعت من حدة التوتر في العلاقات بين البلدين، تباين المواقف من الأزمة السورية، والرؤى المتناقضة من الملف النووي الإيراني، كما ساهمت في ذلك قضايا نظام الدرع الصاروخي، ونزع الأسلحة النووية، والعلاقات التجارية.

بدوره أفصح الرئيس الأمريكي في تصريحاته الأخيرة أن علاقات بلاده بروسيا لم تتوتر بسبب قضية العميل سنودن، لافتًا إلى وجود التوتر الدائم في العلاقات منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، مبينًا في الوقت ذاته وجود تعاون وتنافس بين البلدين.

الإدارة الأمريكية منذ قدوم أوباما أبدت رغبة في إحداث تغيير ايجابي في العلاقات مع روسيا، واعتبرت الحرب الروسية الجورجية عام 2008 أسوأ فترة في العلاقات الثنائية بعد الحرب الباردة، بيد أن الخطوة الأولى في ترميم العلاقات بين البلدين، اتخذت لدى لقاء أوباما، بالرئيس الروسي "ديمتري مدفيديف" في قمة ثنائية بالعاصمة البريطانية لندن عام 2009، حيث تعهد الزعيمان بالتعاون الوثيق في قضايا من قبيل الإرهاب النووي.

وشكل هذا التعاون أول خطوات تطبيع ملموسة، إذ كانت قضية مراقبة الأسلحة نموذجًا لذلك، حيث أعقب مفاوضات استمرت مدة عام، لقاء بين أوباما ومدفيديف في أبريل 2010، تمخض عن توقيع اتفاقية خفض الأسلحة الإستراتيجية (ستارت).

بيد أن التفاؤل المنبعث من معاهدة (ستارت) التاريخية لم يدم طويلًا، حيث أشار أوباما في خطاب له في العام نفسه، أنه وبالرغم من أن البلدين أبديا رغبةً في خفض ترسانة الأسلحة، إلا أن روسيا لم تظهر استجابة موازية لذلك.

خدمات البحوث التابعة للكونغرس الأمريكي، في تقريرها الصادر لهذا العام، أظهر صعوبة التفاوض حول اتفاقية ستارت جديدة، عازيًا السبب إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لا يوجد لديهما نية بخفض ترسانتهما، إلى حين وضع قيود قانونية على برامج الدرع الصاروخية الخاصة بهما، الأمر الذي شكل ضربةً لرغبة البلدين بالشروع ب "بداية جديدة".

وتلا ذلك اعتراض روسيا على منظومة الدرع الصاروخية الأوربية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أدخل تفاهم "بداية جديدة" في خطر حقيقي، وبالرغم من الجهود المبذولة لتبديد قلق روسيا من منظومة الدرع الصاروخي الأوربي، سواءً في قمة الناتو التي عقدت العام الماضي بشيكاغو، أو في المحافل الدولية الأخرى، أو في اللقاءات الثنائية، الا انها لم تفلح في إقناع روسيا.


وكان انضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية في أغسطس أحد الأدلة على تطور انطلاق علاقات "بداية جديدة" في العلاقات التجارية، بيد أن مسألة حقوق الإنسان بقيت عالقة.

كما احتل البرنامج النووي الإيراني موقعًا مهمًا من الخلافات بين البلدين، وبالرغم من المواقف المتصاعدة من واشنطن حيال البرنامج الإيراني، إلا أن روسيا استمرت بدعمه بشتى السبل.

وفي الوقت الذي ارتأت فيه الإدارة الأمريكية ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم، فضلت روسيا الوقوف على الطرف الآخر من الأزمة، بسبب مصالحها المرتبطة بسوريا، ووجود قاعدتها العسكرية الوحيدة في البحر المتوسط الموجودة في ميناء طرطوس السوري.

وبالرغم من إصرار الإدارة الأمريكية على موقفها، إلا أن قرارًا بإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها النظام السوري لم يمر من مجلس الأمن بسبب فيتو روسي صيني، كما استمرت روسيا بدعم النظام السوري بالسلاح.

بالرغم من كل الشبهات التي شابت العلاقات الإستخبارية بين البلدين إلا أنها شهدت تحسنًا نسبيًا، وخصوصًا قبل هجمات بوسطن، حيث نبهت الوحدات الأمنية الروسية الولايات المتحدة الأمريكية من وقوع هجمات إرهابية.

بيد أن الأزمة التي نشبت بين البلدين حول العميل سنودن لم تكن أزمة سنودن نفسه، بل كانت أزمة من الذي يستطيع فرض قوته على الآخر من الدولتين، فإحجام روسيا عن إعادة سنودن لأمريكا كانت بمثابة استعراض قوة من روسيا لإظهار أنها قوة عظمى في العالم، وأن عملية التسليم تأتي في إطار الضعف والإستسلام لإرادة أمريكا.
الجريدة الرسمية