محنة الدواء.. نقص أصناف عديدة في الصيدليات ومعاناة المواطنين فى الحصول على الأدوية.. سر تفاقم الأزمة رغم وفرة العملة الصعبة
أزمة مزمنة يعيشها قطاع الدواء المصري، فهذا القطاع الضخم الحيوى أصبح يصارع من أجل البقاء. صحيح أن الأزمة تصيب المواطن بالدرجة الأولى بسبب استمرار نقص الأدوية بدرجة غير مسبوقة وصلت إلى عشرات الأصناف، لكن القطاع نفسه يعيش محنة كبرى.
وأساس الأزمة ضَعف قدرة الصيدليات على توفير أغلب أصناف الدواء إلا بعد معاناة، حيث زادت التكلفة أضعاف ما كانت عليه فى نهاية عام 2023، وانعكس ذلك على نقص الإمدادات بسبب مشكلة التسعير المختلف عليها بين أغلب الجهات المسئولة عن الملف فى ظل إصرار الحكومة على تنظيم أسعار الأدوية بشكل صارم لضمان حصول أقل المواطنين دخلا على العلاج الذى يحتاجون إليه، كما أن هناك متضرر آخر هو الصيدلي.
وحسب عدد من الصيادلة ومسئولى النقابة، النقص يزداد وأصبح فى مستوى حرج، والكثير من المرضى الذين يحتاجون إلى الدواء هجروا الصيدليات ولجأوا إلى قنوات غير رسمية، وهو أمر ينذر بمخاطر كارثية، فالسوق السوداء فى النهاية لا رقابة عليها، وتوزع أدوية منتهية الصلاحية تحت الضغط الشديد للحصول عليها.
ما العمل، ولماذا تشتعل الأزمة رغم توافر العملة الصعبة، وما سر تضارب الآراء والتوجهات، وما هى سيناريوهات الحل.. هذا ما يطرحه ملف «فيتو».
منذ إنهاء صفقة رأس الحكمة بنجاح وتوفير العملة الصعبة فى مصادرها الرسمية، والمريض يحلم بتوافر الأدوية التى تساعده على الحياة، لكن ما يحدث هو العكس، إذ يتنقل من صيدلية إلى أخرى لصرف الروشتة كاملة ويبذل جهودا صعبة من أجل العثور على الأدوية المكتوبة له أو بدائلها، فما هى أسباب استمرار هذه الأزمة.. ومتى تنتهى؟
أرجع الدكتور على عوف رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية أسباب استمرار هذه الأزمة إلى عدة عوامل متداخلة، أولها طريقة تداول الأدوية فى مصر، فهناك بعض الأطباء يصفون أدوية بأسماء تجارية معينة للمريض ويصرون عليها، على عكس ما يحدث فى الدول الأوروبية التى تسير على توصياتها فى التداول والتعامل الدوائى وهناك يتداولون الأدوية باسمها العلمى وليس بالاسم التجارى.
وأضاف رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية أنه فى أى دولة أوروبية يدخل المريض إلى الصيدلية ويطلب مادة فعالة معينة أو اسم علمى محدد، ويحصل على الدواء الموصوف له لكن بأسماء تجارية مختلفة، أما فى مصر يبحث المريض عن الدواء باسم تجارى معين وإذا لم يجده فى إحدى الصيدليات يظل يبحث عنه فى صيدليات أخرى على الرغم من توافر نفس المادة الفعالة للدواء الذى يبحث عنه بأسماء تجارية أخرى.
وتابع عوف فى تصريحاته لـ«فيتو»: الدولار ليس هو المشكلة الوحيدة أمام أزمة نقص الأدوية، لكن هناك عوامل كثيرة متداخلة تتحكم فى وفرة وإتاحة الأدوية فى السوق، منها على سبيل المثال الخامات الدوائية، أحيانا نطلب مادة خام معينة من دولة أجنبية فترد علينا الشركات الموردة لهذه الخامات أن توفيرها يحتاج 6 أشهر على سبيل المثال، وعند توفير الخامة ووصولها إلى مصر يتم تحليلها، وقد ترسب فى نتائج هذا التحليل ونكتشف أن بها ميكروبات فيتم إعدامها.
استكمل: وقد ينزل الدواء إلى السوق بالفعل ثم تكتشف هيئة الدواء أن هناك مشكلة فى رقم تشغيلة معينة، ويتم سحب الدواء من السوق مرة أخرى، وقد تحدث المشكلة أثناء التصنيع بسببت عطل ترس فى ماكينة ويتوقف الإنتاج حتى يتم إصلاح الماكينة لأنها مستوردة وقطع غيارها تأتى من الخارج فتظل مُعطلة لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر حتى تصل قطع الغيار من الخارج، لذا نقص وعدم توافر الأدوية قد يحدث نتيجة مجموعة كبيرة من الأسباب.
ولفت الدكتور على عوف إلى أن مدخلات صناعة الأدوية تأثرت بالارتفاع الأخير لسعر الدولار فى البنوك من 31 جنيهًا إلى 48 جنيهًا، مشيرا إلى أن الـ17 جنيهًا قيمة الزيادة فى سعر الدولار تمثل عبئًا على الصناعة وعلى الشركات، ما يتطلب توافر سيولة نقدية لدى الشركات والمصنعين لتغطية فرق تكاليف الإنتاج.
ولفت رئيس شعبة الأدوية إلى أن 94% من الأدوية الموجودة فى مصر محلية والباقى مستورد، إذ يتم استيراد 6% فقط للأمراض النادرة والأورام وبعضها ليس له بدائل، ويتم صرفها بالروشتة والرقم القومى من صيدليات الشركة المصرية “صيدليات الإسعاف”، مشيرا إلى أنه لا يمكن إتاحة هذه الأدوية بكافة الصيدليات الموجودة فى مصر لأن الحقنة فيها يتجاوز سعرها الـ 30 ألف جنيه والجرعة كاملة تتجاوز 300 ألف جنيه، وأيضًا لإحكام الرقابة عليها وعدم بيعها فى السوق السوداء بأسعار تتجاوز أضعاف مضاعفة لسعرها الأصلى.
وأوضح رئيس شعبة الأدوية أن أكثر أدوية معرضة للغش هى التى ليس لها بدائل، لذا بيع هذه الأدوية بصيدليات الشركة المصرية لتجارة الأدوية يحمى المريض من تناول دواء مغشوش يودى بحياته.
وكشف عوف أن نسبة نواقص الأدوية فى مصر الآن لا تتجاوز 2- 3%، والأدوية التى كان بها نقص من بضعة شهور بدأت تنزل إلى السوق مرة أخرى ومنها دواء جلوكوفانس 500 لعلاج مرض السكرى، وأيضًا دواء الغدة المستورد وكذلك أدوية أخرى كثيرة.
ومن جانبه أكد الدكتور محمد أشرف استشارى التصنيع الدوائى أن توافر الدواء فى السوق يتطلب المرور بعدة مراحل منها توفر الخامات المستوردة بالمعامل المركزية وتحليلها وهذا يأخذ وقتا لأن التحليل يتطلب الوصول إلى مواد قياسية معينة، لكن نقص الدولار يتسبب فى حدوث عجز بالخامات والمواد القياسية المطلوبة لتحليلها، ويترتب على ذلك تأخر خروج الدواء إلى السوق لمدة أكبر، وإذا تم الانتهاء من مرحلة تحليل الخامات والحصول على الموافقة، والانتهاء من صناعة وتركيب الدواء فإنه يتم تحليله مرة أخرى بمعامل هيئة الدواء لخروجه كمنتج نهائى مصرح بتداوله فى السوق المصرى.
ولفت استشارى التصنيع الدوائى إلى أن أزمة نقص الأدوية تحتاج من هيئة الدواء المصرية لاتخاذ إجراءات شجاعة لتحريك سعر الدواء، لافتا إلى أن الأزمة تنبع من أن هيئة الدواء تقوم من فترة لأخرى بتحريك أسعار الأدوية الموجودة بالفعل فى السوق دون تحريك أسعار الأدوية التى لم تنتج بعد.
وطالب خبير التصنيع الدوائى فى حديثه إلى “فيتو” بضرورة دعم شركات التصنيع لدى الغير، ومحو الإجراءات العقابية المفروضة على الشركات والمصانع ووضع تيسيرات غير مسبوقة لتحفيز الإنتاج وتشجيع دخول الموردين الجدد، ما يسهم فى زيادة عدد البدائل المطروحة للأدوية المستوردة فبدلا من أن يكون لدينا بديل واحد أو اثنين فقط لدواء مستورد يكون لدينا 15 و20 بديلا.
ومن جانبه كشف مصدر بغرفة صناعة الأدوية –فضل عدم ذكر اسمه- الأسباب الرئيسية وراء استمرار أزمة نقص الأدوية على الرغم من توافر الدولار، لافتا إلى أن نقص الدولار كان أحد الأسباب الرئيسية فى نقص الدواء، حتى جاء قرار التعويم، فتوفر الدولار مرة أخرى لكن فى نفس الوقت ارتفع سعره، وأصبح هناك فرق كبير فى السعر الرسمى للدولار قبل وبعد التعويم، وأصبحت أسعار الأدوية غير متناسبة مع تكلفة إنتاجها فاستمرت أزمة نقص الأدوية، لذا كان لا بد من تحريك الأسعار للأدوية المسعرة جبريا.
وأضاف المصدر فى تصريحاته لـ«فيتو» أن شركات الأدوية تقدمت بطلب لهيئة الدواء المصرية لتحريك أسعار المستحضرات الدوائية، نظرا لتحرير سعر الصرف مارس الماضى، فطلبت هيئة الدواء منهم تحديد الأولويات، وأعطوا مهلة حتى 26 مارس الماضى لتقديم القائمة النهائية للأدوية المطلوب رفع أسعارها، مؤكدا رفع أسعار نحو 500 صنف من إجمالى القائمة المقدمة بدءا من الأسبوع الجارى، وبشكل تدريجى بواقع 90 نوع من الأدوية كل شهر، وستكون نسبة الزيادة فى الأسعار من 45 إلى 60%، وستكون الأدوية المزمنة هى الأقل فى نسبة الزيادة.
وأكد عضو غرفة صناعة الأدوية أنه مع تحريك الأسعار سيتم انتهاء أزمة نقص الأدوية فى غضون شهرين على الأكثر، لأن أسعار الدواء ستكون متناسبة مع تكلفة الإنتاج، مشيرا إلى أن رفع سعر الدواء ليس بالقرار السهل، لكنه يخضع إلى دراسات ومفاوضات لإحداث عملية التوازن بين السعر وتكلفة الإنتاج.