نزار قباني.. برع في الشعر الرومانسي والوطني.. عُرف بشاعر الحب والمرأة.. عشق مصر والنيل وتعاون مع أشهر المطربين.. ورحل في مثل هذا اليوم قبل 26 عامًا
نزار قبانى، أمير شعراء الرومانسية، تغنى بكلماته مشاهير الغناء، أشعاره جريئة، كتب القصائد الرومانسية والوطنية وبرع فيهما، ظهر نجمه فى الكتابة بداية الستينات، عُرف بإنتاجه الشعري الغزير، واشتهر بشاعر "الحب والمرأة"، وخاض معارك عنيفة على المستويين السياسي والديني؛ على خلفية أشعاره الجريئة والتي تجاوزت فى أغلبها الخطوط الحمراء، رحل فى مثل هذا اليوم عام 1998.
من أسرة سورية متوسطة الحال ولد الشاعر نزار قبانى عام 1923 فى حى مئذنة الشحم بدمشق سوريا،، فأبوه يملك مصنعا صغيرا للحلويات وتربى في عائلة أدبية، فوالده يقرض الشعر وجده هو "أبو الخليل القباني" أحد رواد المسرح العربي، كان له أثر في حب نزار للفن، فقد امتلك جده مسرحا كان يقدم أعمالا مسرحية لكن وشى به البعض بأنه خطر على الدين ومكارم الأخلاق والسيادة العثمانية التي قامت بغلق المسرح.
العمل بالسلك الدبلوماسى
وقال عن نفسه: “إن دمى ليس ملكيا ولا شاهانيًّا، وإنما هو دم عادى كدم آلاف الأسر الدمشقية الطيبة التى كانت تكسب رزقها بالشرف والاستقامة والخوف من الله ” درس الفلسفة بجامعة دمشق ثم درس الحقوق ليعمل بالسلك الدبلوماسى لمدة سبع سنوات عمل فيها ملحقا لسوريا بسفارات انقرة ولندن وبكين والقاهرة فى عهد الوحدة مع سوريا ليترك بعدها العمل الدبلوماسي ويتفرغ للشعر.
شاعر صاحب إحساس رقيق عاطفى وكان نزار قبانى أقوى معبرا عن المرأة والحب ولذلك سمى بشاعر المرأة والحب، ولأغنياته قصص وحكايات ومناسبات مع كل من غنوا كلماته، وأول هؤلاء موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذى كان أول من اكتشف في نزار قبانى حسه الموسيقى وأول من استشعر لغة الطرب في شعره فاختار له قصيدة " أيظن" لتكون أول قصيدة تلحن له عام 1960 لتتبعها ثلاث قصائد أخرى هى: ماذا أقول له، متى ستعرف كم أهواك، أسألك الرحيل من غناء نجاة الصغيرة، غنى له بعدها أغلب المطربين فقدم له عبد الحليم حافظ رسالة من تحت الماء، قارئة الفنجان.
حب العواصف والزوابع
عن أسلوب قصائده قال نزار قبانى::أنا لا أحب الطقس المعتدل.. أحب دائما العواصف والرياح والزوابع التي تعصف.. أنا لا أحب البحر الهادئ الذي يوصف من شدة هدوئه بالزيت.. مفروض أن يحدث الشاعر زلزالا والقصيدة زلزال، والغريب أن الذين يكرهوننى هم أكثر الناس حفظا لأشعارى.. وهذا هو النفاق بعينه.. فنحن مزدوجو الشخصية ولا نقر بالحقيقة.
عشق مصر ونهر النيل
عشق نزار قبانى مصر وعاش فيها طويلا منذ عمل موظفا بالسفارة السورية بالقاهرة، وكتب عنها كثيرا فقال: مصر حب كبير وعلاقتى بها مثل القضاء والقدر لايمكن لأحد أن يغيرها أو يشوهها،هى بيتى ادخله بالحب والود، وانا كشاعر عربى اعتبر نفسى فى ضيافة عمرو ابن العاص وفى ضيافة نهر النيل والتاريخ العريق وجمال الدين الافغانى ومصطفى كامل ومحمد عبده والطهطاوى واحمد شوقى والعقاد وطه حسين وجميع المبدعين والمفكرين والثائرين الذين علمونا أول درس فى الحرية والوطنية.
تعرض الشاعر نزار قبانى لمآس كثيرة فى حياته بدأت برحيل شقيقته “ وصال ” منتحرة، ابنه توفيق وزوجته بلقيس شهيدة، كما عانى نزار قبانى بسبب بعض قصائده التي تعرض بسببها لهجوم شديد من النقاد في الدول والحكومات، حتى أن الأديب عباس العقاد تجاهله ولم يعترف به كشاعر بسبب انتهاجه الشعر الحر، وصفه الشاعر فاروق جويدة بالنسر المحلق في سماء الشعر العربى لنصف قرن.
صدام مع السلطة
كما اصطدم الشاعر نزار قبانى بالحكام العرب، فاضحا سياستهم تجاه الغرب وإسرائيل وكاشفا عوراتهم ومساوئهم وسعيهم إلى تكديس الأموال والثروات، وإشباع الغرائز، إضافة إلى تكبيل الحريات وتكميم الأفواه، فكانت كلمات نزار قبانى بمثابة السوط الذي يجلد الحكام العرب، لذلك منع من دخول الكثير من العواصم العربية، ومنعت أشعاره من دخول معظم البلدان،
ففي عام 1954 بعد نكبة ضياع فلسطين، فاجأ نزار قبانى المجتمع السوري المحافظ والمجتمع العربي بأكمله بصرخة تمرد أطارت صوابه بجرأتها في تعرية الواقع في قصيدة "خبز وحشيش وقمر" عبر فيها عن ضباب الحشيش والمخدر وأجواء ألف ليلة وليلة التي لا يريدون أن يتحرروا منها، فصرخ فيهم لاستجماع الهمم وخلع رداء الخمول والخنوع واستعادة الصحوة العربية، إلى أن ثار عليه بعض رجال الدين وطالبوا بقتله،
البرلمان يحاكم شاعر المرأة
يقول نزار قبانى في مجلة الكواكب عام 1976: كل قصيدة كتبتها أثارت زوابع وحرائق من حولى لأنى أصدم عواطف الناس وآرائهم الراكدة، حدث هذا منذ أول قصيدة كتبتها (خبز وحشيش وقمر) فبسبب هذه القصيدة انعقد المجلس النيابى السورى لمناقشتها ومحاكمتى وكدت أطرد من وظيفتى الدبلوماسية بلندن، وكانت أول مرة في تاريخ البرلمانات ينعقد البرلمان لمناقشة قصيدة ويتضمنها محاضر البرلمان.
وأضاف نزار قبانى: أيضا هوجمت مهاجمة شديدة بعد صدور ديوانى الأول (قالت لى السمرا) وكنت وقتها طالبا في الصف الثانى بكلية الحقوق، وكان عودى ما زال غضا لا يستطيع التصرف إزاء هذا الهجوم، قالت لى السمرا كانت صرخة لغوية وصرخة في المضمون، كان مختلفا عن الشعر الشائع، صرخت بمواضيع كانت كلها محرمة.
ويتابع نزار قبانى:أما قصيدتى "هوامش على دفتر النكسة" أحدثت دويا كبيرا خاصة في أبياتها التي تقول: يا وطنى الحزين حولتنى بلحظة.. من شاعر يكتب شعر الحب والحنين لشاعر يكتب بالسكين.. قامت الدنيا ووصفونى بأننى شاعر عابث وأننى سبب من أسباب النكسة ووصفوا القصيدة بأنها إدانة للعالم العربى وللنفس ولى ذاتيا، قلت فيها: ياوطنى الحزين..حولتنى بلحظة / من شاعر يكتب الحب والحنين / الى شاعر يكتب بالسكين.
هجوم شديد بسبب قصيدة النكسة
وبعد نشر قصيدة " هوامش على دفتر النكسة " تعرض نزار قبانى للهجوم الشديد، وصودرت المجلة التى نشرت القصيدة ـــ الآداب اللبنانية ـــ وأحرقت أعدادها، وكان نزار يشاهد الحجارة المتساقطة على نوافذه بكل هدوء، ووجهت إليه حينها عريضة اتهام بأنه شاعر وهب روحه للشيطان والمرأة، وللغزل الفاحش فلا يحق له أن يكتب عن الوطنية، وأنه المسئول عن النكسة بما نشره من شعر عاطفي أفسد الأخلاق، وأنه بذلك يرقص فوق جرح أمته، وتبارت الأقلام تطالب بمنع إذاعة قصائده ومنع دخوله إلى مصر،
التقى صوت أم كلثوم مع أشعار نزار قبانى عام 1969، من خلال أغنية "أصبح عندي الآن بندقية" من ألحان محمد عبد الوهاب، في عام 1968 حين كانت قصائد نزار قبانى ممنوعين من دخول مصر بسبب قصيدته " هوامش على دفتر النكسة " زلزلت قصيدة ( أصبح عندى الآن بندقية الى فلسطين خذونى معكم ) في ذلك الوقت وتدخل الرئيس عبد الناصر لإلغاء المنع عن نزار وقصائده، عرض عبد الوهاب القصيدة على أم كلثوم التي تحمست لها ولحنها عبد الوهاب وغنتها أم كلثوم فأحدثت اثرا كبيرا عند الملايين من العرب تضامنا مع القضية الفلسطينية.
شهادة عبد الوهاب فى حق نزار قبانى
عن نزار قبانى قال الموسيقار محمد عبد الوهاب:نزار قبانى ينظم الشعر بعينه لا بقلبه، فهو مصور أشعاره لوحات جميلة بأسلوب جذاب بسيط ورشيق، لم أشعر في شعره بانتفاضة قلبه..أو بمأساة عاشها، أو مشكلة مر بها واعتصرت قلبه وصاغها شعرا، بل انه مصور، وقد كشف هو عن نفسه حين أصدر ديوانا من الشعر عنوانه " الرسم بالكلمات .. إنه عندما ينظم بلسان المرأة فإنه يرى مشاكلها ويرقبها بدقة ويصورها نظما، لأنه يحس بإحساس المرأة بصدق، وأنا لم أقرأ له شعرا حزينا أو به من الشعر ما يجعلنى أشعر بأنه التاع وسهر وبكى.زانه كما قال عن نفسه رسام بالكلمة.
وقال عنه الاديب نجيب محفوظ: نزار قبانى شاعر وهب حياته لمعشوقتين المرأة والقومية العربية، وكتب فيهما أجمل الاشعار التى وصلت الى قلوب الجماهير
تزوج نزار قبانى مرتين، زوجته الأولى كانت ابنة خاله "زهراء آقبيق "، أما زواج الحب في حياته هو زواجه الثانى فكان من "بلقيس الراوي" التقى بها في أمسية شعريّة في بغداد لكنها لقيت حتفها أثناء الحرب الأهلية اللبنانية في حادث انتحاري استهدف السفارة العراقيّة في بيروت حيث كانت تعمل عام 1982 ورثاها نزار بقصيدته الشهيرة "بلقيس" التي قال فيها إن الجميع كان لهم دور بقتلها وقد أنجب منها ابنيه عمر وزينب ولم يتزوّج بعدها حتى وفاته.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.