البوسطجي.. 56 عامًا على تقديم رائعة يحيى حقي.. إدراجه ضمن قائمة أفضل 100 فيلم.. والسعدني يتهم المؤلف بسرقته من "زوربا"
فيلم البوسطجى ــ عرض فى مثل هذا اليوم عام 1968 ـــ كتب قصته الأديب يحيى حقى قدمت أغلب قصصه الروائية للسينما، وقد ارتفعت معظم أفلامه إلى مستوى النقد وشغلت الرأى العام إما بالمدح أو بالذم وتعليقا على النقد قال المؤلف يحيى حقى أن "ارتفاع الأفلام عندنا لمستوى النقد مرحلة ينبغي أن نبلغها من قبل أن نصل إلى فيلم يجرؤ على دق أبواب المهرجانات الدولية ثم يخرج لا أقول بلا جائزة بل أقول بلا كسوف".
حقق فيلم البوسطجى ــ الاسم السينمائى ــ لرواية يحيى حقى "دماء وطين" نجاحا ملفتًا بفضل الأداء المتميز لنجوم العمل، والبصمات الإخراجية للمخرج حسين كمال، كما تم اختيار الفيلم ضمن قائمة أفضل 100 فيلم بتاريخ السينما المصرية.
دماء وطين الاسم الحقيقى للفيلم
كتب يحيى حقى قصته " دماء وطين " فى استانبول عام 1933 حيث كان يقيم هناك بحكم عمله الديبلوماسى، وهى عبارة عن رواية قصيرة لا تزيد عن خمسين صفحة، وتصف مجتمع الصعيد من خلال واقع عايشه يحيى حقي بقرية " كوم النحل " القرية النائية بالصعيد الجوانى حيث الفقر والبؤس والتخلف، ويعترف حقي قائلًا: "إنني كنت هنا متأثرًا بقصة "الأبله" لدستويفسكي – هذا المحايد الذي لا عليه ولا له يقلب حياة كل مجتمع يخالطه، ينبش مجرد ظهوره بين أفراد المجتمع كل ما يخفونه من نوازع وعواطف فيكون هو القنطرة الصماء التي يعبرون عليها إلى مصيرهم ".
تبدأ رواية فيلم “ البوسطجى ” مع قصة عباس، ناظر البريد، الذي يتم نقله من القاهرة إلى قرية بصعيد مصر، يبدأ من لحظتها في المقارنة بين البيئتين، القاهرة حيث السهر ووسائل الرفاهية، والقرية البدائية بما تمثله من ملل وكآبة، ولكن لم تكن تلك المشكلة الوحيدة، فمع أول معاملة بينه وبين رجال القرية، يجد جشع واستغلال العمدة عندما يطلب منه أن يستأجر منزلا للإقامة..
ومع مرور الوقت، يلمس البوسطجى فيهم طبائع النفاق وتدبير السوء، ويظهر ذلك في مشاهد متنوعة، أبرزها المشهد الذي يستضيف عباس "الغازية" في منزله، فيجد تجمهرًا أمام المنزل، مطالبين له بأن يكف عن أفعاله المنافية للأخلاق، ليثور ويبدأ في تحديهم، تذهب فيه "جميلة" ابنة "سلامة" أحد أعيان القرية لتلتحق بالمدرسة "الأمريكانية" التى افتتحت أبوابها فى أسيوط على بعد عشرين كيلو من القرية، وفى المدينة تقع جميلة فى حب خليل الطالب بالمدرسة، ثم تقع فى الخطيئة التى يكتشفها عباس من خلال فتحه الخطابات المتبادلة بين الحبيبين بمكتب البريد رغبة فى التسلية وقتل الفراغ والملل الذى يشعر به، وفي ذات اللحظة التى كان عباس يبحث عن جميلة ليسلمها الخطابات المفقودة، لكنه صعق للمشهد الجنائزي المؤلم، بانتهاء حياة جميلة قتلا على يد والدها غسلا للعار وانتقاما للشرف،حيث حملها والدها وهى قتيلة وطاف بها القرية كلها، وتأكد عباس أنه أحد المتسببين لما حدث، ليهيم على وجهه ملقيا بالخطابات التي معه، وتتناثر في الهواء.
تصوير واقعى للقرية
اعتمد المخرج حسين كمال فى تصوير المشاهد الخارجية لفيلم البوسطجى داخل ديكور واقعي، ولم يكتف ببناء ديكور داخل أحد الأستديوهات يمثل القرية التي دارت فيها الرواية، فكان الانتقال لقرية "النخيلة" بأسيوط؛ ما ساهم ذلك في إضفاء المصداقية، وجعل المشاهد شاهدًا ومتفاعلًا مع الأحداث، وكان أهم ما تميز به التناول السينمائى لرواية البوسطجى هو عمل حسين كمال على الابتعاد تماما عن الطائفية والدين، فقد تجاهل تماما فكرة حب جميلة لشاب مختلف عنها مذهبيا، واعتمد على عادات المجتمع فى الصعيد كسبب لرفض الأب لابنته الزواج ممن تحب، أو الارتباط بعلاقة قبل الزواج.
اضافات خدمت الفيلم
تعرض فيلم البوسطجى للنقد والهجوم لاختلاف بعض أحداثه عن القصة الأصلية التى كانت نهايتها مفتوحة، لكن وضع السينارست صبرى موسى نهاية مغايرة بذبح البطلة فى مشهد قاسى مما منع دخول الفيلم اى من المهرجانات فى أوروبا، فكتب يحيى حقى مؤلف القصة يقول: أن الحكم على السيناريو قد اختلف، وأنا لا أملك إلا الثناء عليه، إذ كان تسلسل المشاهد وتركيب بعضها فوق بعض يسيران باتصال مقنع ومريح لا يقطعه تخلخل وركود أو غموض وحشو لا طائل تحته، مؤكدًا أن الإضافات التي أدخلها المخرج على القصة خدمت الفيلم، ولكني كنت أتمنى أن يلجأ السيناريو إلى حيلة تنجي الفيلم من الهجوم عليه حيث يوهمنا بأن القصة بنت اليوم في قرية اليوم، مع أن القصة كتبت منذ 35 سنة؛ ولا شك أن القرية قد تغيرت ولو في بعض ملامحها، الا أن المخرج هو صانع الفيلم لا كاتب القصة وكل نجاح أو فشل للفيلم ينبغي أن ينسب كله للمخرج.. من نجاحه هو وحده يستمد أعوانه من الممثلين نجاحهم شأن الأوركسترا مع قائدها، فكم من أفلام ناجحة سينمائيًا لو قرأت السيناريو المقدم لها قلت عنه: هذا لعب عيال والعكس صحيح فتعالوا نحكم على الفيلم من داخله فحسب بعيدا عن الرواية.
اختلافات بين الفيلم والرواية
كتب الناقد عبد الفتاح البارودى تحليلا للفيلم يقول فيه: لقد كانت هناك اختلافات كثيرة بين النص الأدبى والنص السينمائى، لكنها فى الحقيقة كانت شخصيات ومواقف استدعاها النص السينمائى لترجمة الأوصاف الأدبية التى كتبها ببساطة قلم الأديب، معتمدا على مخيلة القارئ التى تترجم ما يقرأه إلى صور.. عكس السينما التى يقرأها المتفرج بعينه، كما أن عقدة الرواية عند يحيى حقى كانت فى اختلاف المذهبين للبطل والبطلة، ولهذا يرفض والدها تزويجها من حبيبها حينما خطبها منه، بينما أصبح سبب الرفض فى الفيلم هو أن الفتى قد رأى الفتاة وقابلها، أى عرفها قبل الزواج، مما يتعارض مع التقاليد الصارمة للصعيد، وهى بهذا الشكل أكثر شمولا وتأثيرا.
من المفارقات الخطيرة فى الفيلم أن الفنان الراحل صلاح منصور اندمج كعادته اثناء التمثيل فى الفيلم في أحد مشاهد "البوسطجي" فجرح زيزي مصطفي بالسكين في صدرها، في مشهد نهاية الفيلم، حيث كان من المفترض أن يطعنها بسكين في صدرها وهي سكين "اكسسوار" وأن به "سوستة" مع الطعن يدخل السلاح داخل اليد وهو أمر متعارف عليه سينمائيا، ولكن يبدو أن الـ "سوستة" تالفة ومع اندماج صلاح منصور، قام بجرحها بالسكين في الصدر، وستر الله أن الجرح كان سطحيا.
قام بالتمثيل فى فيلم البوسطجى شكرى سرحان وزيزى مصطفى فى أول أدوارها للبطولة، سهير المرشدى، صلاح منصور، سيف عبد الرحمن، وحصد فيلم البوسطجى جوائز السينما لعام 1968، وفى الحفل الذى أقيم بقصر محمد محمود خليل باشا، وحضره المخرج العالمى روسيللينى، أعلن وزير الثقافة ثروت عكاشة عن فوز فريق عمل "البوسطجي" بتسع جوائز، بينها جائزة السيناريو وجائزة الحوار لصبرى موسى، والقصة ليحيى حقى، والإخراج لحسين كمال، والتصوير لأحمد خورشيد، والتمثيل لشكرى سرحان، والمونتاج لرشيدة عبد السلام، والديكور لحلمى عزب، والإنتاج لشركة القاهرة إحدى شركات مؤسسة السينما.
مقال ساخر لفيلم البوسطجى
فى مجلة صباح الخير عام 1968 كتب الكاتب الساخر محمود السعدنى مقالا يتهم فيه صانعى فيلم "البوسطجى" باقتباسه من فيلم "زوربا" قال فيه: أفلامنا جميعا مجرد حواديت كما حواديت أمنا الغولة، وأبطالها جميعا يسلكون ثلاث سكك لا غير: سكة السلامة وسكة الندامة وسكة اللى يروح ولا يرجعش، وهى غالبا قصة صراع بين امرأة بيضاء كالبفتة، ورجل شرير كالشيطان، أو امرأة شريرة كالذئبة، ورجل طيب كعمنا الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.
وأضاف السعدنى: لذلك هى كلها ساذجة، كلها هايفة تافهة وكلها بنت ستين كلب لذلك يظهر فيلم "البوسطجى" كالخيارة وسط حقل الفجل، وهى محاولة تثبت أننا نستطيع أن نصنع أفلاما خيرا من التى صنعناها وأنه لا ينقص أفلامنا إلا بعض العقول التى تفكر وبعض الأفكار التى خرجت من عقول.. رغم تأثير فيلم "زوربا" على كاتب السيناريو، ورغم بعض الأخطاء فى اختيار الممثلين، ورغم التلفيق فى الحوادث إلا أنه فيلم طيب وبشرة خير تؤكد أننا كسبنا مخرجا طيبا هو حسين كمال وكاتب سيناريو ممتاز هو صبرى موسى، ونجمة سيصبح لها مكانة مرموقة فى المستقبل هى زيزى مصطفى لو اهتمت بتخفيض وزنها.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.