ألغام موازنة مصر.. ارتفاع معدل الدين لـ95.7% من الناتج المحلى.. و«المالية» تستهدف تخفيضه لـ84% فى 2028 على الإدريسى: سعر الفائدة المرتفع أبرز العقبات أمام الموازنة العامة للدولة
يترقب الخبراء والاقتصاديون إصدار منشور إعداد الموازنة العامة للدولة للعام المالى ٢٠٢٤/٢٠٢٥، إذ يأتى فى ظل حالة من التوترات الجيوسياسية وعدم اليقين، بسبب الصدمات العنيفة التى أصبحت مثل الأمر المعتاد فى ظل اقتصاد عالمى هش يتسم حاليا بضعف النمو واتساع الفجوات وارتفاع التضخم وأسعار الفائدة، حيث توالت الصدمات بدءًا من جائحة كورونا ٢٠٢٠ والموجة التضخمية تلتها حرب أوكرانيا وأخيرا الحرب على غزة.
ويؤثر استمرار حالة عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط ليس فقط على أسعار الطاقة إنما على حجم المعروض من الغاز والنفط.
كما يطول تأثيرها قطاعات اقتصادية مهمة مثل التجارة والسياحة، ورفع معدل التضخم، وقد تدفع الاقتصاد العالمى إلى مزيد من التباطؤ والركود، وقد يكون من الصعب التكهن بالتداعيات الاقتصادية لما يجرى فى المنطقة، ولا حتى مجرد ترقب ما يمكن أن يحدث مستقبلا.
ومن المقرر أن تشهد الموازنة العامة للدولة تحقيق فائض أولى قدره 3.5% وخفض العجز الكلى على المدى المتوسط إلى 6% من الناتج المحلى الإجمالى، إلى جانب نمو الإيرادات بالموازنة العامة للدولة بنحو 36% لتصل إلى 2.6 تريليون جنيه، ونمو المصروفات العامة للموازنة العامة للدولة بنسبة 29% لتصل إلى 3.9 تريليون جنيه، وتخصيص 575 مليار جنيه للأجور، و636 مليار جنيه للدعم.
وسيتم لأول مرة هذا العام إدخال مفهوم موازنة الحكومة العامة بما يسهم فى بيان القدرات الحقيقية للمالية العامة للدولة وفق قراءة موضوعية تعكس كامل إيرادات ومصروفات الدولة وهيئاتها العامة، وسيتم عرض موازنة «الحكومة العامة» فى العام المالى 2024\2025 وتشمل الموازنة العامة للدولة وموازنات 40 هيئة اقتصادية كمرحلة أولى، ليبلغ إجمالى إيرادات موازنة الحكومة العامة 4 تريليونات جنيه بينما يبلغ إجمالى مصروفاتها 4.9 تريليون جنيه.
ولعل من أبرز تحديات الموازنة العامة للدولة 2024-2025 هى معدل دين أجهزة الموازنة العامة التى وصلت فعليا فى 2022-2023 إلى 95.7% من الناتج المحلى وتستهدف الحكومة خفضها إلى 84% خلال موازنة 2027-2028، وهو ما أدى إلى تشديد خطة ترشيد الإنفاق العام إلا فى التعليم والصحة والحماية الاجتماعية حيث تخصص لها الحكومة 636 مليار جنيه.
وتشمل مخصصات الدعم الحكومى، 144 مليارًا للسلع التموينية و154 مليارًا لدعم المواد البترولية نتيجة لارتفاع أسعار البترول عالميًا وأثر تغير سعر الصرف، إضافة إلى أكثر من 40 مليار جنيه لتكافل وكرامة، إضافة إلى زيادة مخصصات الصحة والتعليم بنسبة 30% وهو ما أكده الدكتور محمد معيط وزير المالية خلال استعراضه أبرز المؤشرات النهائية لمشروع الموازنة العامة للعام المالى المقبل.
بدوره قال الخبير الاقتصادى محمد فؤاد، الخبير الاقتصادى وعضو مجلس النواب السابق، إن الدين المصرى ينمو على مر السنين، وتضاعف تقريبًا من 769 مليار جنيه مصرى فى يونيو 2010 إلى 1.4 تريليون جنيه مصرى فى يونيو 2013 ثم ارتفع بمقدار 3 أضعاف بحلول يونيو 2020 ليصل إلى 4.2 تريليون جنيه مصرى.
ويمكن بكل سهولة توقع نمو الدين مع نمو الاقتصاد لأن هذا يعنى عادة المزيد من الإيرادات الحكومية، إذ تتعامل الحكومة مع الديون على أنها بمنزلة ريع اقتصادى، مما يتيح لها أن تقترض المزيد وتظل ضمن الأمان.
وأضاف فؤاد فى تصريح خاص لـ”فيتو” أن المعضلة تتمثل فى أن خدمة الدين المصرى ترتفع بشكل مستمر، ليس فقط من حيث القيمة المطلقة ولكن أيضًا كنسبة مئوية من الإيرادات الحكومية، وارتفعت خدمة الدين كنسبة من الإيرادات الحكومية من 57% فى عام 2010 إلى نسبة مثيرة للقلق بلغت 86% فى عام 2013، وأصبحت نسبة مخيفة تماما تبلغ 110% فى عام 2022، وهذا يعنى أن الحكومة كانت تقترض لسداد الفوائد وأصل الدين، ناهيك عن تمويل عملياتها.
وأشار إلى أن الاقتراض المفرط من السوق لم يكن كافيا لتمويل هذا الإنفاق المتوسع، فبينما كانت الخزانة العامة تقترض من السوق من خلال إصدار أذون وسندات وكانت البنوك تسعد بهذا النوع من الاستثمار الذى عظم أرباح البنوك، حيث إن 51٪ من الودائع المصرفية تم استثمارها فى الأوراق المالية الحكومية مما حسن من ربحية وملاءة هذه البنوك.
وألمح إلى أن الحكومة بدأت أيضًا فى الاعتماد بشكل أكبر على الاقتراض من البنك المركزى من خلال ما يسمى “تسييل الديون” أو الـdebt monetization وهو إجراء شديد الخطورة بالنسبة للتضخم، حيث يعتبر بمنزلة زيادة صريحة للمعروض النقدى دون ظهير إنتاجى، ولهذا فإن مشروع ضم الموازنات يسهم بشكل أساسى فى حل معضلة الإيراد المتدنى نسبة لخدمة الدين، مشددًا على أهمية ترشيد الإنفاق العام، مع زيادة شبكات الحماية الاجتماعية.
ومن جانبه قال الدكتور على الإدريسى، الخبير الاقتصادى، إن أبرز العقبات أمام الموازنة العامة للدولة يظل سعر الفائدة المرتفع والذى تم رفعه 19% تقريبا خلال العامين الماضيين منهم 8% مع بداية العام الحالى، وهو ما يؤثر بشكل واضح على الدين الحكومى.
وأوضح أن الحكومة تُعد أكبر مقترض من الجهاز المصرفى، وسعر الفائدة يؤثر على حجم المصروفات الحكومية، بجانب وجود التضخم وتأثيراته على حجم الإنفاق الحكومى والاضطرار لاتخاذ إجراءات خاصة من خلال زيادة الإنفاق على الأجور والمعاشات ما سيؤثر على زيادة حجم المصروفات.
وأضاف الإدريسى فى تصريح خاص لـ”فيتو”، أن المصروفات العامة ارتفعت 30% عما كانت عليه فى العام المالى السابق، ولكن على الجانب الآخر نرى وزارة المالية تستهدف تخفيض مستويات الدين من 95.7% باعتبارها نسبة من الناتج المحلى ليتم تخفيضها إلى 75% فى 2030.
وألمح الإدريسى أن وزارة المالية تتحرك لتوجيه نصف الإيرادات التى تأتى من الطروحات الحكومية إلى تخفيض مستويات الدين وهو أمر جيد، مشيرًا إلى أن الحكومة عملت على زيادة مخصصات التعليم والصحة بنسبة 30% عن العام الماضى وهو أمر جيد للغاية أيضًا، موضحا أنه استحقاق دستورى تلتزم به وزارة المالية.