رمضان فى مصر «حاجة تانية».. والسر فى التفاصيل.. الإنشاد والضيافة سر الأقصر..الأورية هدية أسوان.. و«مطبخ الهنا» والبيارق تميز قنا.. أهالى سيوة يستطلعون الهلال بأنفسهم
«رمضان فى مصر حاجة تانية والسر فى التفاصيل»، نعم لم تكن مجرد أغنية شهيرة بل حقيقة أثبتتها قرى ومدن مصر، ففى كل جزء هناك تفصيلة ما، وفى كل فعل حضارة متوارثة سواء فرعونية أو مسيحية أو إسلامية، ومهما مرت العقود تظل تلك الحقائق ثابتة.
ومع بداية شهر رمضان الكريم، نسرد خلال السطور التالية بعضًا من تقاليد وعادات أهل المحروسة، وأصل تلك العادات واختلافها من بيئة لأخرى.
الأقصر
البداية تلك المرة لن تكون من القاهرة، بل من الأقصر حيث التاريخ بجذوره العريقة، والحضارة بصورتها الزاهية، فبمجرد بدء الشهر الكريم فى أرض الآثار، تفتح العائلات “الدواوين” أو “المضيفة” لاستقبال الأهل والأصدقاء فى سهرات تستمر على مدار الـ30 يومًا، وفيها يستمع الأهلى إلى الإنشاد الدينى على أنغام العود، بجانب تجهيز المشروبات الساخنة التى يتم توزيعها حتى وقت السحور.
ومن أغرب ما يقوم به أهالى الأقصر، خروج المئات من منطقة المطاعنة بمركز إسنا قبل قدوم الشهر الكريم فى مسيرة تسمى “تابوت الأولياء”، حيث تحمل عربة صغيرة تابوتا خشبيا أخضر اللون يرمز لأولياء المنطقة، ويتقدم المسيرة الشباب والأطفال بالسيوف “وأعلام الصوفية الخضراء وينشد أشهر المنشدين فى المنطقة المدائح النبوية ابتهاجًا بالشهر الكريم،.
أما سيدات الأقصر، فيحرصن على تجهيز مشروب الإبرية وتتطوع إحدى السيدات لتوزيعها على الجيران، وتتكرر هذه العادة بين نساء القرى حتى ينتهى الشهر، كما أن كثيرًا من مناطق إسنا وقراها ما زال يتناول أبناؤها طبق “الفول النابت بالليمون” مع الخبز المحمص، عقب الانتهاء من صلاة التراويح.
أسوان
يتخذ الاحتفال بشهر رمضان فى أسوان أشكال مختلفة، فالقبائل العربية لها عادات والنوبية لها عادات وهكذا، فالمرأة النوبية مثلًا تبدأ الاحتفالات قبل قدوم الشهر الفضيل حين تبدأ فى إعداد “الإبرية” و”النشابى” وهو خبز رقيق يصنع قبل رمضان ويخزن حتى يستخدم يوميا بوضع الليمون عليه ليصبح المشروب الأساسى والرسمى لكل النوبيين بعد صلاة التراويح.
ومن أطعمة الإفطار أيضًا “الأوريه” وهو من الورق الناعم المجفف أشبه بالملوخية، أما الملوخية فتسمى “الإتر” وهو الملوخية المفروكة، أما “الكابد” فهو خبز سميك أشبه بالقطايف الضخمة يحلى بالعسل الأسود والسمن البلدى.
قنا
“مطبخ الهنا”، هكذا يبدأ رمضان فى مدينة قوص، حين يقوم مجموعة من الشباب متطوعين بمساعدة أهل الخير فى تصنيع وجبات تقدم وجبات للفقراء والمحتاجين.
وتتزين شوارع وحوارى قنا بـ”البيارق”، ويتنافس الصغار فى اختيار أزهى الألوان وأكبر كمية من عقود البيارق بطول الشارع، مع صنع الفوانيس من جريد النخل، ملفوفة بورق ضف شفاف، لتتم إضاءتها لمدة 30 يوما هى أيام الشهر الكريم.
سوهاج
ومن سوهاج تتزين الشوارع وتضاء بالمصابيح فيما تنتشر عربات الفول والمخلل وأفران الكنافة البلدى والقطايف، وتحرص غالبية الأسر السوهاجية على لم شمل الأسرة فى أول أيام الشهر الكريم، وعمل إفطار جماعى لكافة أفرادهم، لزيادة صلة الرحم، كما يتم فى الأيام التالية دعوة الأصدقاء والجيران على الإفطار لتقوية العلاقات بين الناس، ويحرص أهالى القرى على عمل سرادقات إفطار كبيرة، تضم العائلات التى تربطها علاقات النسب والمصاهرة مما يسهم فى إنهاء الخصومات والنزاعات.
الشرقية
وللشهر الكريم مذاق آخر فى قرى الشرقية، حيث تفترش معظم العائلات الأرض ويتجمع أفراد كل عائلة على حدة، ليأكلوا من وجبات الشهر الكريم، مثل “المحاشى والملوخية والكنافة والقطايف” علاوة على بعض المشروبات مثل العرقسوس والتمر هندى وغيرها من المأكولات والمشروبات الأخرى التى تتفنن المرأة الشرقاوية فى إعدادها.
كما اعتادت مجموعة من الأهالى تقديم وجبات إفطار لركاب القطارات التى يصادف دخولها المحطات وقت أذان المغرب كعادة موروثة عن قرية أكياد التابعة لمركز فاقوس الذين “عزموا القطار” منذ نحو أكثر من نصف قرن حين تعطل وقت أذان المغرب أمام القرية.
دمياط
أما الأسرة الدمياطية فلها طقوس وعادات، تبدأ من الاستعداد بتوزيع «المواسم» التى تضم البط والأرز والسكر والزيت والسمن وياميش رمضان على بناتهن المتزوجات، وتأتى “الأممة” على رأس أشهر الأكلات الدمياطية على الإفطار وهى تصنع من الرقاق واللحم، ومن أشهر الأكلات أيضًا “البط بالمورتة” كوجبة أساسية فى رمضان.
حلايب وشلاتين
يتناول الجميع طعامه من طبق واحد، دلالة على التكاتف والمحبة، هكذا يتمسك أهالى البشارية والعبابدة فى حلايب وشلاتين بعاداتهم خلال شهر رمضان الكريم، بل وكل شيخ من مشايخ القبائل فى رمضان له يوم معين يقوم بتجهيز وليمة يحضرها الناس دون دعوة.
وأفضل وجبة غذائية يتم طهيها فى المنطقة هى وجبة “السلات”، وهى شواء لحم الضأن على أحجار البازلت بعد تسخينها لأن البازلت يمتص الدهون، بجانب الأرز المكمور وهو يشبه الأرز المعمر، وفتة العيش البتاو بالشوربة والكشك والعصيدة التركية، وشكشوكة السمك وهى صينية البطاطس مع رءوس السمك والطماطم.
وبعد تناول الإفطار تُقام جلسات السمر مع مشروب “الجبنة” المصنوع من البن المضاف له الحبهان ويشرب منه الفرد أربعين أو خمسين فنجان فى الجلسة الواحدة.
مطروح
تتمتع مطروح ببيئة طبيعية متنوعة، ففيها البادية وفيها الساحل، ورغم زحف المدنية وتأثر القبائل البدوية بها، لكن ما زالت العادات الرمضانية ثابتة، مثل استطلاع رؤية الهلال بأنفسهم وهى عادة توارثوها منذ الفتح الإسلامى، وتكون النساء قد أعدت من قبل ذلك “القديد” وهو لحم الشاة الذى يوضع عليه الملح وينشر فى الشمس حتى يجف اللحم ليكون خزين الشهر بدون حفظه فى ثلاجة، وكذلك يخزن “الرُّب” بضم الراء، وهو مصنوع من التمر “دبس التمر”.
والوجبة الرئيسية التى يسمونها “الضحوية”، وتشتمل على شوربة مغربى وكسكسى وأرز أحمر وأرز أصفر ولحم الضأن البرقى، والثالثة وجبة السحور.
واحة سيوة
يستقبل أهالى واحة سيوة شهر رمضان بطقوس خاصة، إذ تقوم النساء والأطفال بتنظيف الساحات حول المنازل وقطع بعض عراجين البلح وتعليقها على الأبواب ابتهاجًا بالشهر الكريم، كما يقدّموا هدايا للمغتربين المقيمين فى الواحة مثل البلح والطعام.
ورغم أن رؤية الهلال تتم بواسطة المؤسسات الرسمية للدولة مثل دار الإفتاء، لكن حتى سنوات قريبة كان أهالى سيوة يعتمدون على شخص حاد البصر ويتمتع بالسيرة الطيبة ويطلق عليه “القدوة” يتمركز عند أعلى نقطة فى جبل “شالى” أو “جبل الدكرور”، ومعه طبلة كبيرة من ضمن مهامه استطلاع الهلال من مكانه المرتفع، ومن عادة أهل الواحة يقوم مجموعة بالطواف على المنازل لجمع الطعام والنقود وإعادة توزيعها على بيوت الواحة حتى لا يسبب حرجا للفقراء، حيث يعطون ويأخذون فتتشابه موائدهم فى رمضان.
شمال سيناء
بمجرد أن يؤذن الأذان فعلى كل فرد أن يحمل ما تيسر له من الطعام ويأتى ليفطر، هكذا يفعل أهالى شمال سيناء خلال الشهر الكريم، فالكل يجلس بجوار الكل فى “إفطار جماعي” مستمر.
وبعد انتهاء صلاة التراويح يستكمل الأهالى السهر حتى منتصف الليل مع إيقاد الحطب “راكية النار” لعمل القهوة التى يحضرها البعض كهدايا لزوم الجلسات، والعودة للبيوت، وأحيانا تجتمع النساء فى بعض البيوت على مائدة واحدة.
الوادى الجديد
ولم يختلف أهالى الوادى الجديد عن ما سبق، وإن تميّزو بحرصهم على طهى العديد من المأكولات، بالإضافة إلى عمل المشروبات، وأهمها عصير المشمش المخلوط بالتمر وعصير الدوم، الذى يعد سمة أساسية على مائدة الإفطار اليومى، بجانب أطباق البلح والتمور المختلفة التى اشتهر بها أهالى الواحات.
وبالرغم من وجود تشابه فى المأكولات التى يحرص عليها المواطن الواحاتى، فإن كل مركز بالمحافظة يتمسك بعاداته وموروثاته، ففى بلاط يكون طبق الفتة اليومى باستخدام العيش الشمسى أساسيا، وفى الخارجة الأرز واللحم الأحمر وطهى الكنافة على الحطب، وفى مركز الداخلة الرقاق باللحم مع الشعرية البلدى، وفى باريس الملوخية والممبار.