بعد جدل زكاة الفطر، أحمد كريمة يحسم موقف الشرع في أداء القيمة في الصدقة
حرص الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف بالقاهرة، على توضيح الرأي الشرعي في أداء القيمة في الزكوات، وذلك على النحو التالي:
في غير صدقة الفطر
1- معنى الزكاة: -
أ- لغــة: لفظة مشتركة بين النماء والتطهير والصلاح
ب- اصطلاحًا: عرفها الحنفية بأنها: إيجاب طائفة من المال فى المال مخصوص لملك مخصوص
عرفها المالكية بأنها: اسم جزء من المال شرطه لمستحقه بلوغ المال النصاب
عرفها الشافعية بأنها: اسم لأخذ شيء مخصوص من المال على أوصاف مخصوصة لطائفة مخصوصة
عرفها الحنابلة بأنها: حق واجب فى مال مخصوص لطائفة مخصوصة فى وقت مخصوص
وهذه التعاريف وإن كانت مختلفة المبنى إلا أنها متحدة المعنى ويمكن القول بأن خلاصة ما سبق ينحصر فى الآتى: -
أداء حق واجب فى أموال مخصوصة، على وجه مخصوص، ويعتبر في وجبة الحول والنصاب – غالبًا - ولا يغيب عن البال أن هذا المعنى المستفاد مما سلف ينصب على زكاة الحولية – أي التي يشترط لوجوب الزكاة فيها مضي مدة حول على النصاب.
والزكاة المفروضة على المسلمين بمقتضى القرآن والسنة النبوية نوعان:
أولهما: زكاة المال ثانيهما: زكاة الفطر
2- اتفق العلماء سلفًا وخلفًا – فيما يتعلق بأساسيات فى الزكاة – على ما يلي: -
فرضية الزكاة وأنها مفروضة على كل مسلم حر بالغ عاقل مالك للنصاب ملكًا تامًا
أن الزكاة واجبة فى أربعة أصناف: المواشي وجنس الأثمان وعروض التجارة والمكيل المدخر من الثمار والزروع بصفات مخصوصة
إن الحول شرط فى وجوب الزكاة
إخراج الزكاة لا يصح إلا بنية
إن صدقة الفطر فرض على الإنسان عن نفسه وأولاده الصغار الذين لا مال لهم
وأنه يجوز إخراجها من خمسة أصناف: البر والشعير والتمر والزبيب والأقط.
إذا علم هذا: فإن الفقهاء اختلفوا فى أداء القيمة فى الزكوات المفروضة بين المانع وبين مجيز بغير الكراهة أو مجيز مع الكراهة أو من يجيز فى بعض الصور دون البعض ويتعلق بهذا الأمر مسألتان الأولى: حكم أداء القيمة فى غير صدقة الفطر: -
حكم أداء القيمة فى غير صدقة الفطر
أختلف كلمة الفقهاء فى ذلك على أقوال أشهرها قولان: -
القول الأول: - لا يجوز دفع القيمة فى الزكوات وأنها لا تجزئ. قال بهذا المالكية – فى المشهور والشافعية والحنابلة فى ظاهر المذهب والظاهرية.
القول الثاني: - يجوز دفع قيمة فى الزكوات وأنها تجزئ. قال بهذا الحنفية والحنابلة فى روايات، وهذا القول لطائفة من السلف الصالح – رضوان الله عليهم.
سبب الخلاف: - هل حقيقة ومقصود الزكاة أنها عبادة لله – تعالى – أم
حق واجب للفقراء فى أموال الأغنياء ؟ فمن نظر إلى أنها عبادة لله – تعالى – قال بإخراج الزكاة من عين ما جاء به النص الشرعي، ولم يجّو إخراج القيمة ومن نظر إلى أنها حق مالي قصد به سد خلة الفقراء جوز إخراج القيمة
دليل جواز وإخراج دفع القيمة فى الزكوات
استدل أصحاب القول الثاني وهم الذين قالوا بجواز وإخراج دفع القيمة فى الزكوات بدليل الكتاب والسنة والأثر والمعقول: -
دليل الكتاب : قوله– تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً }
دليل السنة : ما روي أن النبي -" - أبصر ناقة مسنة فى إبل الصدقة فغضب وقال: قاتل الله صاحب هذه الناقة ( أي الساعي الذي أخذها ) فقال: يا رسول الله – - إني ارتجعتها من حواشي الصدقة، قال فنعم إذن
وجه الدلالة : أن أخذ الناقة ببعيرين إنما يكون باعتبار القيمة
دليل الأثر : -
أ- ما روي أن معاذًا – رضي الله عنه قال لأهل اليمن: آتوني بعرض ثياب خميس أو لبيس فى الصدقة مكان الشعير والذرة.
وجه الدلالة: أن ذلك لا يكون إلا باعتبار القيمة.
التوضيــح : أن أهل اليمن كانوا مشهورين بصناعة الثياب، فكان دفعها منه ايسر عليهم، وكان أهل المدينة آنذاك فى حاجة إلى الثياب، وقد كانت الصدقات تفضل عن أهل اليمن فبعث بها معاذ إلى المدينة، وهذا الأثر الذي اُشتهر يدل على أنه لم يفهم من الحديث الآخر " خذ الحب من الحب والشاة من الإبل" أنه إلزام بأخذ العين ولكن ؛ لأنه الذي يطالب الأموال، والقيمة تؤخذ باختيارهم وإنما عين تلك الأجناس فى الزكاة تسهيلًا على أرباب الأموال ؛ لأن كل ذي مال إنما يسهل عليه الإخراج من نوع المال الذي عنده كما جاء فى بعض الآثار أنه – – جعل فى الدية على أهل الحلل حللًا( )
ب – ما روي أن عمر ابن الخطاب – رضي الله عنه – كان يأخذ العروض فى الصدقة من الدراهم. دليل المعقول: بوجوه منها: -
1- أن المقصود من الزكاة إنما هو اغناء الفقير أو حاجة الفقير وهذا المعنى يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين فوجب أن يجوز كالجزية
2- أن المقصود دفع الحاجة ولا يختلف ذلك بعد اتحاد المالية باختلاف صور الأموال
المختار: بعد عرض القولين بالأدلة والمناقشة فإن الجمع أولى من الترجيح بمعنى أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة معتبرة لا يجوز ؛ لأن النبي - قدر الجيران بشاتين أو عشرين درهمًا ولم يعدل إلى القيمة، وقد يقع فى التقويم ضرر من عدم مطابقة ما يجب إخراجه لاختلاف المقادير أزمنة وأمكنة وفى هذا لا تجور القيمة. أما إذا وجدت حاجة وتحققت مصلحة معتبرة ككون القيمة انفع للفقراء لاسيما المقيمين بالحضر أو لسد حاجة تعين فيها المال النقدي أو ايسر للمزكى ومثاله من كان عنده إبل وليس فى محله شاه فإنه يجزئه إخراج القيمة ولا يكلف مشقة الانتقال والبحث ويترك تقدير الحاجة والمصلحة لعرف الناس وعادتهم " ولأنه ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن " وقد مال إلى هذا الجمع بعض الأئمة كابن تيمية – رحمه الله تعالى – وبعض المعاصرين.
حكم أداء القيمة في الزكوات
صدقة الفطر
معنى صدقة الفطر اصطلاحًا: صدقة تجب بالفطر من رمضان
الحكم التكليفي: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنها واجبة على كل مسلم والأصل فى ذلك ما رواه ابن عمر – رضي الله عنهما – قال ( فرض رسول الله - - زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين )
وبقوله - ( أدوا عن كل حر وعبد وصغير وكبير، نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير )
وجه الدلالة: أن معنى ( فرض ) هنا: ألزم وأوجب بدليل اقترانهما بحرف ( على )، وقوله ( أدوا ) أمر يقتضي الوجوب.
اتفق الفقهاء على أن المسلمين مخاطبون بها ذكورًا كانوا أو إناثًا صغارًا أو كبارًا، عبيد أو أحرارًا، واتفقوا على أإنها تجب على الإنسان نفسه وعلى أولاده الصغار إذا لم يكن لهم مال وإنها زكاة بدن لا زكاة مال .
وذهب الجمهور إلى أن من لزمه فطرة نفسه تلزمه فطرة من تلزمه نفقته بقرابة أو زوجية أو ملك إذا كانوا مسلمين.
وذهبوا إلى أنه يشترط فيها الإسلام وملك ما يجب عليه من صدقة فضلًا عن قوته وقوت من تلزمه نفقته يوم العيد وليلته لعموم خبر " كل حر أو عبد "
واتفقوا على أن الواجب إخراجه فى الفطرة صاع من جميع الأصناف التي يجوز إخراج الفطرة منها " عدا القمح والزبيب "، والأصل فى ذلك خبر أبي سعيد الخدري – رضي الله عنهما – قال: " كنا نخرج زكاة الفطر إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من أقط.."
واختلفوا فى نوع الواجب إخراجه: فيرى الحنفية أن الواجب أن تكون من أربعة أشياء " الحنطة والشعير والتمر والزبيب "
وقال المالكية إنها من غالب قوت البلد: العدس والأرز والفول والقمح والشعير والسلق والتمر والدخن
ويرى الشافعية: أن الواجب إخراجه ما يجب فيه العشر " أي غالب القوت والمحل والمعتبر فى غالبه قوت العام ".
ويرى الحنابلة: أنها تجب فى المنصوص عليه: البر والشعير والتمر والزبيب والاقط.
وسبب اختلافهم: اختلافهم فى مفهوم حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – فمن فهم التخيير قال: إن أخرج من هذا أجزأ عنه، ومن فهم أن اختلاف المخرج ليس سببه الإباحة ؛ وإنما سببه اعتبار قوت المخرج أو قوت غالب البلد قال به.
واتفقوا: على أنها تجب بالفطر من رمضان، وعلى صرفها لفقراء المسلمين لخبر " أغنوهم ذل السؤال فى هذا اليوم "
إذا علم هذا: فإن حكم أداء القيمة فى صدقة الفطر قد اختلف فيه الفقهاء على أقوال أشهرها قولان:
القول الأول: لا يجوز ولا يجزئ أداء القيمة فى صدقة الفطر، قال: بذلك المالكية( ) والشافعية ( )والحنابلة( ) والظاهرية
القول الثاني: يجوز ويجزئ أداء القيمة فى صدقة الفطر، قال: بذلك الحنفية( ) ومن وافقهم كعمر بن عبد العزيز والحسن والثوري.
سبب الخلاف: هل الزكاة عبادة أو حق واجب للمساكين ؟ فمن قال أنها عبادة، قال: إن أخرج من غير تلك الأعيان لم يجزئ ؛ لأنه إذا أتي بالعبادة على غير الجهة المأمور بها فهي فاسدة. ومن قال هي حق للمساكين فلا فرق بين القيمة والعين عنده.
استدلال أصحاب القول الثاني: المجوزون أداء القيمة لصدقة الفطر بدليل الكتاب والسنة، الأثر، والمعقول: -
أولا ) دليل الكتاب: قوله - تعالى -: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً }
وجه الدلالة: المال هو الأصل، وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم المنصوص عليه إنما للتيسير ورفع الحرج لا لتقييد الواجب، وحصر المقصود فيه.
ثانيًا ) دليل السنة: خبر " أوجب رسول الله - - من التمر صاعًا ومن البر نصف صاع ".
وجه الدلالة: هذا الدليل على اعتبار القيمة ؛ لأن نصف صاع بر يساوي صاع شعير. خبر معاذ – رضي الله عنه – لما أمره النبي - عند خروجه إلى اليمن بالتيسير على الناس فكان يأخذ الثياب مكان الذرة والشعير؛ لأنه أهون عليهم( )
وجه الدلالة: إذا جاز أخذ القيمة فى الزكاة المفروضة فى الأعيان فجواز هذا فى الرقاب أولى وهى صدقة الفطر.
ثالثًا ) دليل الأثر:
1- روي أبي شيبة عن عون قال: سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ إلى عدي بالبصرة " وعدي هو الوالي ": " يؤخذ من أهل الديوان من أعطيتهم من كل إنسان نصف درهم "
2- روى عن الحسن قال:" لا بأس أن تعطى الدراهم فى صدقة الفطر "
3- عن ابن إسحاق قال: أدركتهم وهم يؤدون فى صدقة الفطر الدراهم بقيمة الطعام.
رابعًا ) دليل المعقول بوجوه منها:
1- أن فقه أخراج الزكاة فيه مقصود إيصال الرزق الموعود إلى الفقير وقد حصل.
2- أن الواجب فى الحقيقة إغناء الفقير لقوله- - " أغنوهم عن المسألة فى مثل هذا
اليوم "
3- الإغناء يحصل بالقيمة بل أتم وأوفر ؛ لأنها أقرب إلى الحاجة وبه يتبين أن النص معلول بالأغنياء وأنه ليس فيه تجويز القيمة يعتبر حكم النص فى الحقيقة
كريمة يحسم الجدل حول حكم الشرع في إخراج قيمة زكاة الفطر
المختـــار: وبعد عرض القولين بالأدلة والمناقشة، فأرى أن الجمع بين القولين أولى من الترجيح بمعنى أن الحاجة لو دعت فى زمان ومكان وأشخاص إلى أخذ طعام وكان ذلك سهلًا ميسورًا على المؤدي منتفعًا به الفقير فيكون الأداء مما جاءت به النصوص الطعام أو الحبوب.
وإن دعت الحاجة فى الزمان ومكان لإخراج القيمة وكان ذلك سهلًا ميسورًا على المؤدي منتفعًا به لدى الفقير فيجوز الأداء بالقيمة ؛ لأن الحق الذي يجب المسير إليه أن التشريع الإسلامي فى قواعده ومقاصده يسر لا عسر، رفق لا عنت، عدل لا ظلم، وعاء ومظلة لكافة البشر عرب وغير عرب فى شتى العصور والأمصار فحيث كانت مصلحة الفقير يكون الأداء الذي شرع لسد خلة الفقراء، وقد كتب العديد من أهل العلم مثل هذا والأمر هنا للجواز فليس أمرًا جازمًا يقضي أداء الطعام وليس نهيًا عن أداء القيمة وما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، ولا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.