«الحشاشين» يعيد أزمة المسلسلات التاريخية إلى الواجهة.. د. عفيفى: صناع العمل يواجهون تحديًا صعبًا والحكم عليه متسرع.. الشناوى: اللغة الفصحى ليست ملزمة والمؤلف فى مأزق
حالة من الجدل أثارها مسلسل الحشاشين بطولة النجم كريم عبد العزيز مع عرض عدد من حلقاته، حيث يشارك فى الموسم الرمضانى الجارى، ويتناول قصة طائفة الحشاشين ومؤسسها حسن الصباح، حيث لاقى المسلسل العديد من الإشادات والرسائل الإيجابية، كما تعرض فى نفس الوقت لبعض الانتقادات خاصة فيما يتعلق باللغة المستخدمة فى العمل وهى اللهجة العامية المصرية، بالإضافة إلى عدد من الأحداث التى وردت ضمن تسلسل العمل الأضخم خلال شهر رمضان.
وأعاد المسلسل التساؤلات من جديد حول الأعمال التاريخية التى تقدم والعديد من التفاصيل التى ترتبط بها، وفتح الباب أيضًا أمام المؤرخين والنقاد لمتابعة وتقييم ما يتم عرضه للجمهور، وهل العمل التاريخى يجب أن يكون نقلا للتاريخ أو مستوحى منه.
الدكتور محمد عفيفى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، أكد أنه من غير المعقول إصدار أحكام على مسلسل ذى طابع تاريخى من أول ثلاث أو أربع حلقات فقط، مشيرا إلى أنه من الصواب أن يتم تأجيل إصدار الأحكام على الأعمال حتى انتهاء عرضها حتى يكون الحكم موضوعيا.
وأضاف محمد عفيفى أن صناع المسلسل يواجهون تحديا كبيرا يتمثل فى كون المشاهد العربى يعتبر بصورة واضحة أن العمل الدرامى التاريخى هو تاريخ مطلق، ونحن هنا أمام وجهتى نظر الأولى تتمثل فى المتلقى العربى الذى يحب أن يرى العمل التاريخى تاريخا على الشاشة بحذافيره، أما الثانية فهى تتمثل فى الكاتب أو مخرج العمل الذى يرى أنه من حقه التعامل مع المادة التاريخية فى حدود المقبول مما يؤثر إيجابيا على الرؤية الدرامية للعمل.
وتحدث الدكتور محمد عفيفى عن اللغة أو اللهجة التى تستخدم فى الأعمال التاريخية قائلا: “أرى أن انتقاد أى عمل بسبب استخدام لهجة أو لغة معينة هو أمر مبالغ فيه بشكل كبير.. لأن الدراما التاريخية تقدمها للملتقى والمشاهد فى الوقت الراهن وحتى لو قدمتها باللغة العربية الفصحى.. فالفصحى فى زماننا على غير الفصحى فى العصور السابقة.. أنت تقدم العمل للجمهور واللغة هنا وسيط ليس إلا.. وإذا نظرنا للأعمال التاريخية التى تنتج من دول الجوار فنجد أن هناك العديد من الأعمال التاريخية المدبلجة بلهجة سورية للعمل”.
وعن أبرز ما لاحظه من أخطاء تاريخية خلال الحلقات الأولى تحدث الدكتور محمد عفيفى عن مسألة تواجد حسن الصباح فى مصر وقت الشدة المستنصرية بالعصر الفاطمى قائلا: “الثابت تاريخيا فى هذا الأمر أن الصباح وصل لمصر بعد انتهاء الشدة المستنصرية وليس فى ذروتها”، مشيرا إلى أن مثل هذه الأمور البسيطة فى الأعمال التاريخية سيكون حلها وجود مستشار تاريخى للمسلسل أو الفيلم لمراجعة كافة التفاصيل والأمور التى تتعلق بالحقبة التى يتناولها العمل.
وثمن أستاذ التاريخ الحديث جهود عودة مصر لإنتاج الأعمال التاريخية قائلا: “ما زلت أصر أن انسحاب مصر فى فترة من الفترات عن إنتاج هذه الأعمال جعل دولا أخرى كإيران وتركيا تسبق وتتقدم فى هذا الملف.. لذلك فإنه من المميز أن تعود مصر من جديد لهذا النوع من الدراما.. بالتأكيد البداية ستكون صعبة بعض الشيء.. ويكون فيها عثرات وأخطاء لكن ليس معنى ذلك أن تتوقف الدراما التاريخية المصرية أبدا”.
فى السياق ذاته، أوضحت الدكتورة زبيدة عطا الله أستاذ تاريخ العصور الوسطى أن حالة الهجوم من غير المتخصصين فى التاريخ على مسلسل الحشاشين تعد ظاهرة غريبة ليس لها تفسير منطقى، مشيرة إلى أن ذلك يؤكد لها أن أى عمل مصرى تاريخى سيقدم سيقابل بهذا الهجوم غير الموضوعى.
وتابعت: “الغريب فى الأمر أن مهاجمى العمل لم يظهروا للحديث عن الأخطاء التى تتواجد بالجملة فى الأعمال التاريخية الدرامية التركية والسورية والتى انتشرت فى السنوات الأخيرة.. وبشكل واضح فجميع المسلسلات التركية تحديدا التى أنتجت فى الأعوام الماضية بها أخطاء تاريخية كبيرة”.
وعبرت “عطا الله” عن سعادتها بالمسلسل قائلة: “أعجبنى العمل للغاية ومن الوارد أن يكون هناك بعض الأخطاء التاريخية كقصة إلقاء أحد الشباب من أتباع حسن الصباح نفسه من فوق القلعة بعد طلب الصباح فهذا ورد فى كتاب الرحالة الإيطالى ماركو بولو.. ولا يوجد أى عمل تاريخى قدم عبر مدى السنوات والعصور المختلفة لا يحتوى على بعض الأخطاء فى الوقائع أو الأحداث”.
وتابعت: “كل هذا لا ينفى أن مسلسل الحشاشين مهم ويعزز تقديم هذا النوع من الدراما.. وصنع بشكل جيد ويحتوى على العديد من الوقائع التاريخية الحقيقية وقدمت بشكل صحيح كما أنه ظهر واضحا فى الحلقات الأولى من العمل حجم الاهتمام بكافة الجوانب والعناصر الثانوية التى تبرز الحقبة التاريخية التى يتضمنها المسلسل”.
وأوضحت أستاذ التاريخ أن معايير العمل التاريخى الجيد تستند بالأساس على عدم طغيان الدراما على النص التاريخى السليم، مشيرة إلى أنه ممكن أن يكون هناك بعض التصرف فى النص التاريخى ليتماشى مع الدراما لكن يكون له حد، وهناك فرق بين الكتابة التاريخية أو الفيلم التسجيلى والعمل الدرامى الذى يستند على أسس وتفاصيل مختلفة.
الناقد الفنى طارق الشناوى تحدث عن تجربة مسلسل الحشاشين فى حلقاته الأولى حتى الآن، مشيرا إلى أن القاعدة القانونية تقول إن العقد شريعة المتعاقدين وبالإسقاط على مسلسل الحشاشين فإن العقد هنا يكون بين الكاتب والمخرج فى الصورة النهائية للعمل بمعنى هل هو عمل تاريخى أم رؤية درامية لحقبة تاريخية، وإذا كان العمل يتضمن رؤية درامية فهى تحتمل الواقع وجزءا من الخيال.
وأضاف “الشناوي” إلى أن شخصية حسن الصباح زعيم الحشاشين كتب عنها العديد من الأمور المتناقضة فى أغلب الكتب والروايات التى تحدثت عنهم، وهنا من حق صانع العمل الفنى حقًّا مطلقا أن يتبنى الرؤية والحديث الذى يختاره من كل هذه الأطروحات التى تحدثت عنهم.
وعن اللغة الأنسب للعمل التاريخى تابع: “نحن طبقنا قاعدة ليست حقيقية منذ انطلاق الإذاعة المصرية وارتبط لدينا كمستعمين ومتلقين وأصبح فى جيناتنا عبر الأجيال المتعاقبة أن العمل التاريخى أو المسرح العالمى يقدم باللغة العربية الفصحى.. لكنها ليست قاعدة بل اجتهاد، وهو أمر يحتمل الأخذ به أو لا وفقًا لرؤية صانع العمل أيضًا”.
وعن أبرز التحديات الفنية التى تواجه صناع المسلسل تابع: “أكبر صعوبة تواجه الكاتب عبد الرحيم كمال كانت إزاى أقدر أقول معلومات عديدة وأسردها وفى نفس الوقت يكون الملتقى تكون على نفس الدرجة من استقبال هذه المعلومات بشكل لا ينفره من العمل خاصة أن الجمهور لا يحب المعلومة بقدر حبه للأكشن والأحداث هذه هى الصعوبة التى واجهت الكاتب فى العمل وهو تساؤل: كيف أقدم أكبر قدر من المعلومات وأحافظ على النسق الجماهيرى للعمل؟”.
وعن رأيه فى أولى حلقات العمل أكد طارق الشناوى أن صناع الحشاشين اضطروا فى الحلقات الأولى تقديم زخم كبير من المعلومات مما أثر على التدفق الدرامى، موضحا أن ذلك ربما يتلاشى مع مرور الحلقات ويعود التدفق الدرامى بشكل أكبر بعدما يضمن صناع العمل جذب الجمهور وفهمه لكافة جوانب الحالة التاريخية المتناولة فى المسلسل والعلاقات بين الشخصيات وجميع تفاصيل المسلسل وظروفه.
الأمر الذى جعل مخرج العمل بيتر ميمى يخرج عن صمته ويرد على أبرز الانتقادات التى وجهت للمسلسل وكان أبرزها تأكيده على أن العمل من وحى التاريخ، وليس وثيقة تاريخية، بالإضافة إلى توضيح أن شخصية حسن الصباح لم يجمع عليها الكتاب والمؤرخون وكل ما كتب عنه هو اجتهادات فقط.
وأشار بيتر ميمى إلى أن الحشاشين مسلسل تاريخى بالعامية المصرية، والأحداث بين أتراك وفرس، موضحا أن ما قدم عن الحشاشين من الأتراك قبل ذلك قدموه باللغة التركية، وعندما تناوله صناع الفن الأمريكى قدموهم بالإنجليزية.
كذلك تحدث عن سر اختيار شخصية حسن الصباح قائلا: “الصباح شخصية غريبة ومستفزة أنك تعرف عنها.. ومش لازم يكون رمزا للخير عشان يتعمل مسلسل.. وهتلر وراسبوتين كانوا فى منتهى الشر لكنهم شخصيات فذة غيرت العالم، أو على مستوانا المصرى خط الصعيد أو سفاح إسكندرية”.