بطل معركة أبو عطوة: أوقفنا شارون عن التقدم للإسماعيلية وجاءتنا الأوامر من السادات: لا تسمحوا للعدو بالاقتراب منها (حوار)
>> المقدم علمى كامل تخرج قبل الحرب بأشهر قليلة.. وقام بأدوار عبقرية لمنع احتلال الإسماعيلية
>> الرائد إبراهيم الدسوقى قال لي: لن تعيش طويلا طالما دخلت الصاعقة يا بطل وأنت مشروع شهيد من أجل الوطن
>> تعلمنا فى التدريبات على أيدى قادة عظماء أن الطلقة بجندى ولا يجب الخطأ فى التنشين أبدا
>> الصاعقة لا تعرف المستحيل وكل فرد فيها يعرف أن كل مهمة هى رحلة بلا عودة
>> شارون اختبأ بأحد بيوت الفلاحين بالإسماعيلية هو واثنين من جنوده
>> العدو ترك ميدان القتال الواسع فى سيناء وبدأ عملياته القذرة وسط المدنيين
العاشر من رمضان تاريخ عامر بالبطولات والتضحيات وما زالت تحوى أسرارا كثيرة تم الإفراج عنها بمناسبة مرور 50 عاما ميلادية بعد النصر على العدو المغتصب واسترداد كافة أراضينا، ومن هذه الوثائق الهزيمة التى منى بها الجيش الإسرائيلى فى الثغرة ولم يتمكن من احتلال مدينة الإسماعيلية.
ومن أبطال معركة أبو عطوة هناك شاهد عيان على هزيمة المتغطرس شارون ورجاله فى الثغرة، وهو المقدم علمى كامل أحد أبطال الكتيبة 133 صاعقة التى تصدت للقوات الإسرائيلية فى منطقة أبوعطوة وكبدته خسائر فادحة فى الجنود والمعدات.
حيث حاورته “فيتو” في السطور التالية:
*بداية، هل عاصرت حرب الاستنزاف؟
فى أول سنة بالكلية الحربية كانت حرب الاستنزاف قد بدأت، قاموا بنقلنا إلى جبل الأولياء فى السودان، قضينا هناك سنة كاملة نعيش فى خيام، لا وجود للمبانى، والجو حار جدا، لم ننزل إجازة إلا مرة واحدة، كنا دفعتين كاملتين دفعة 61 و62، هذا الجبل كان قريبا من النيل، وكنا نذاكر ليلا والتماسيح بالقرب منا شكلها مخيف وتثير الذعر والمنطقة صحراوية جدا، وعندما تهب الرياح كانت تقتلع الخيام وكل شيء أمامها وكنا نأكل الأكل بالحصى والرمل، هذه الأيام جعلتنا صامدين كالصخور وشكلت معادنا لنصبح ضباط صاعقة أشداء نتحمل كل التضاريس الصعبة.
عدنا بعدها وتخرجت فى الكلية الحربية الدفعة 62 وكانت دفعة الأبطال حيث كان دفعتى الفريق عبد المنعم التراس قائد الدفاع الجوى ورئيس الهيئة العربية للتصنيع حاليا.
*ماهى تفاصيل التدريبات العملية بعد العودة من السودان وكيف كانت تدريبات الصاعقة استعدادا للمعركة؟
الصاعقة تعتبر حياتى وبيتى، تخرجنا فى يوليو عام 1972 دفعة الفريق صادق، وقتها كانت هناك هدنة ترتب عليها وقف إطلاق النار بعد مبادرة روجرز، وطبعا كان الزعيم جمال عبد الناصر قد توفى، وجاء الرئيس السادات لم نعرف ملامح الدنيا وقتها، فعبد الناصر كان صريحا فى الأخذ بالثأر
أما السادات فلم تظهر نيته بعد، لقد تعلمت فى مدرسة الصاعقة على يد معلمين أشداء مثل الضليفى مسئول جناح البيانات ونبيل أبو النجا ومعتز الشرقاوى مع حفظ الألقاب وحسين سيد والعميد نبيل شكرى قائد وحدات الصاعقة وقتها وطارق عبد الناصر ومحسن العشماوى أسماء لامعة فى تاريخ الصاعقة والجيش المصرى وتم ترشيحى وأنا ملازم أول معلما للصاعقة.
*ماهى قصة إصابتك وإصرارك على استكمال التدريبات؟
كنت أتسلق الجبال فى منطقة عتاقة بالسويس وأثناء نزولى تعثرت قدمى فى صخرة فوقعت على كوعى الأيمن وأصبت إصابة بالغة، وتوقف قائدى وقتها الرائد نبيل أبو النجا وقال لى: "هترجع مؤخرة" يعنى دورة الصاعقة التى أتدرب فيها يتم إلغاؤها، وكنت وقتها على وشك التخرج، فرفضت وقلت سوف أكمل التدريبات وقاموا بربط الجرح واجتزت الدورة بنجاح، ولكن حدث تلوث لكوعى والعظم بدأ يظهر، فتم تحويلى إلى مستشفى كوبرى القبة.
* ماذا عن شعورك قبل حرب أكتوبر وذكريات انضمامك للكتيبة ١٣٣؟
تخرجت قبل الحرب بشهور قليلة فى الدفعة 62 حربية، وكان بداخلى بركان ثائر، وكل ما أحلم به دخول الحرب واسترداد الأرض، وهذا مطلب كل جيلى وقتها، وأتذكر أول يوم أرتدى فيه بدلة ضابط بنجمة واحدة، ووزعت على الكتيبة 133، وكانت تتمركز وقتها فى الهرم بمنطقة دهشور.
فى هذا اليوم ذهبت لتسليم نفسى لقائد الكتيبة الرائد على أمين ولم أجده، فذهبت للرائد صادق عبد الواحد رئيس عمليات الكتيبة 133 وكان شخصا هادئا جدا يرتدى الأفرول المموَّه، وجسمه ممشوق جميل، تشعر أنه قائد من أول وهلة، يتكلم بهدوء وثقة، وقال لى “أهلا وبانضمامك، اذهب للنقيب إبراهيم الدسوقى قائد السَّريّة لتوزيعك على السرية الأولى”.
وفى السرية الأولى وجدت أيضًا الرائد إبراهيم الدسوقى شخصية هادئة يظهر على وجهه الوقار والتدين والاحترام، عكس الصرامة والحزم اللذان رأيتهما فى مدرسة الصاعقة أثناء التدريبات، واستقبلنى قائلا هيا لتتسلم الفصيلة الأولى واترك الدنيا، لا يوجد شيء تفكر فيه لأنك لن تعيش طويلا طالما دخلت الصاعقة يا بطل، لأنك مشروع شهيد من أجل الوطن.
* حدثنا عن مهام الصاعقة آنذاك، وكيفية التعامل على الأرض؟
«تعلمنا أن الأرض عرض والحفاظ عليها بالروح والدم، ولا نتركها إلا على جثثنا، وما حدث فى حرب أكتوبر كان ملحمة تاريخية لا يستطيع أحد توقعها، الضباط والجنود يتقدمون أمام الدبابات بأجسادهم دون خوف، وهذا الموضوع أرعب العدو وجعله يفر من أمامنا، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك».
ولم تكن لدينا إمكانات كبيرة فى التسليح، تسليح فرد الصاعقة بندقية آلية روسى دِبشِك منطوى، وكنا نضع ثلاث خَزنات أي 90 طلقة موزعة فى جيوب الأفرول، وتعلمنا فى التدريبات على أيدى قادة عظماء أن الطلقة بجندى، ولا يجب الخطأ فى التنشين أبدا والقائد يراقب من بعيد قيادة السرية من على مكان مرتفع، لمراقبة مسرح العمليات أو الميدان كاملا تحته.
* معركة أبو عطوة كانت معركة مفصلية، كيف انتصرت كتيبة الصاعقة على جحافل الجيش الإسرائيلى؟
الصاعقة لا تعرف المستحيل، وكل فرد وضابط فيها يعرف أنه فى كل مهمة هى رحلة بلا عودة ويوم 18 أكتوبر سمعنا فى أجهزة اللاسلكى بأن الجنرال شارون استطاع عبور القناة ودخل منطقة الديفرسوار بسبعة دبابات فكلفتنا القيادة بالتحرك للقضاء فورا على السبع دبابات فتحركنا من المطار إلى طريق الزقازيق الزراعى حتى وصلنا الإسماعيلية وتحديدا قرية أبو صوير، ثم دخلنا معسكر الجلاء وكانت معنوياتنا عالية جدا نتأهب للقتال.
وقد تم إمدادنا بصناديق ذخيرة وقنابل مضادة للدبابات، وعندما خرجنا للشارع وجدنا الأهالى يصطفون فى القرى التى مررنا عليها يشجعوننا على القتال والقضاء على العدو الخسيس، حتى لا يدخل مدينة الإسماعيلية، وكان وقتها تسليحنا عبارة عن «آر بى جى» ومسدسات وقنابل يدوية وهجومية، وخرجنا ومعنا قائد الكتيبة الرائد على أمين ورئيس عمليات الكتيبة الرائد صادق عبد الواحد.
وطبيعة هذه المعركة كانت صعبة لأن العدو ترك ميدان القتال الواسع فى سيناء، وبدأ عملياته القذرة وسط المدنيين، فكانت العملية صعبة مثل جراح القلب الذى يقوم بإجراء عملية دقيقة دون جرح الشرايين.
فى أرض المعركة كان الكل صائمين، ووصلنا إلى سرابيوم على بعد 12 كم من الديفرسوار، وأول ما دخلنا قبل عزبة أبو عطوة بـ3 كم اتجهنا شمال سرابيوم عبر مدق لا يحتمل سوى سيارة واحدة، وفتح علينا العدو كمينا، وكنا رتل عربات تحمل الجنود والضباط والذخيرة، وتساقطت علينا الطلقات من كل ناحية وقفزنا سريعا إلى الأرض فى الحدائق على الشمال، والعربات تتلقى الضربات وبدأت المدافع تشتعل الواحد تلو الآخر.
هذا الضرب من كل مكان يقول إن العدو لديه قوات كبيرة وليست كما كلفتنا القيادة 7 دبابات نقوم بأسرها بمن فيهم، هنا وقف العقيد أسامة إبراهيم ينادى على المقدم على أمين ومدحت عثمان، ووقفوا كالأسود أمامنا ينادون على بعضهم ويخططون للمواجهة، ووجه السرية الأولى لمواجهة العدو بقيادة النقيب ماجد شحاتة.
وشرح لقيادة الكتيبة أن العدو بينه وبين الإسماعيلية مسافة قليلة ودخل عدة محاور منها محور نفيشة وأبو سلطان والجندى المجهول، محاصرا الجيش الثانى، وكان هدفه احتلال مدينة الإسماعيلية، وبدأ القتال الشرس وزاد وطيس المعركة، وكان العدو يضرب ونحن نرد، ولكننا لم نرَ أي واحد منهم، ثم نزلنا فى أرض منخفضة ناحية سرابيوم والعدو دخل المدق وحاصرناهم فى الحدائق لأن دباباتهم لا تصلح للحركة فى الحدائق، وتم توزيع مجموعات وعمليات فردية فدائية من الدرجة الأولى، وعملنا حفرا برميلية حول عزبة أبو عطوة.
وبدأنا فى فتح أجهزة اللاسلكى، وجاءت الأوامر من قائد الجيش الثانى والرئيس السادات شخصيا قائلا: «احموا مدينة الإسماعيلية بأجسامكم ولا تسمحوا للعدو بالاقتراب منها مهما كلفنا من أرواح».
واشتدت المعركة يومى 18 و19 حتى يوم 22، كنا نقاتل العدو فى مساحة ضيقة جدا، ولم نسمح أن يتقدم شبر واحد بكل ما أوتينا من قوة، وفى نظرى 36 فدائيا من الكتيبة 133 استطاعوا أن يوقفوا شارون عن التقدم للإسماعيلية.
فى الـ3 أيام الأولى لم نتلقَ فيها أي تعزيزات جوية حتى يوم 22، وقبل أذان الظهر فتحنا عليهم أحد الكمائن.
ودخل شارون بدباباته وأصيب فى رأسه، واختبأ كما ذكر فى مذكراته فيما بعد بأحد بيوت الفلاحين هو واثنين من جنوده، وفى هذا الكمين ضربنا دبابة وعربة مجنزرة، واستشهد فيه الرائد إبراهيم الدسوقى، الذى صعد فوق إحدى دبابات العدو ووضع فيها قنبلة يدوية محاولا أسر أحد جنود العدو، ولكنها انفجرت واستشهد فيها ومعه الشهيد الجندى سعدون، وتولى القيادة بعده حامد شعراوى، وبدأ فى تنظيم القوة ونجحنا فى ضرب 3 دبابات إسرائيلية مما أجبر العدو على إيقاف إطلاق النار ولملمة ضحاياه وترك منطقة أبو عطوة بعد انتصار قوات الصاعقة فى صده وبعدها ذهب إلى السويس.
*وماتفاصيل الأحداث يوم 23 أكتوبر بعد قرار وقف إطلاق النار؟
تولى على أمين قائد الكتيبة 133 بعد إبراهيم الدسوقى وصادق عبد الواحد رئيس عمليات الكتيبة.
يوم 23 أكتوبر صباحا سمعنا صوت جنازير دبابات مرة أخرى برغم قرار وقف إطلاق النار، لم نتلق أي تعليمات بمعركة أخرى بدأ صادق عبد الواحد يجمع القوة ليرى من استشهد ومن أصيب، ووجد من صمدوا فقط 36، والقوات الإسرائيلية لم تلتزم بوقف إطلاق النار برغم الخسائر التى تكبدوها وجثثهم محترقة ومتناثرة فى كل مكان ودباباتهم مشتعلة، وقال لنا صادق: سنقاتل بالسونكى، ووزعنا 36 منا على حفر برميلية، ونحن نسمع صوت الدبابات تتحرك والأوامر نطلع فوق الدبابات من الخلف ويطعن السائق وحامل الرشاش بالسونكى، ولكن إرادة الله فوق كل شيء، فقد دخل اليهود إلى الموقع لجمع جثثهم المتفحمة وعادوا ليكملوا رحلتهم وتركوا الإسماعيلية.
لتكون معركة أبو عطوة هى المعركة المفصلية التى أوقفت القوات الإسرائيلية من الزحف ناحية الإسماعيلية والقاهرة، وذلك بفضل رجال الكتيبة 133 صاعقة الأشداء
* بعيدا عن الحرب نريد التعرف على المقدم علمى كامل الإنسان؟
أنا علمى سيد حسين كامل، مواليد حى الحسين، أحد الأحياء الشعبية العريقة بالقاهرة، ولدت فى أسرة متدينة تعشق الرياضة، وكلهم أبطال فى السباحة، والدى كان ضابط جيش سابق، شارك فى حرب 48 فى فلسطين، وكان يؤمن بأنه لا تفريط فى الأرض حتى لو كلفنا ذلك الشهادة دفاعا عنها، وأسرتى مكونة من 9 أشقاء 5 أولاد و4 بنات كلهم أبطال سباحة، وما زالوا حتى الآن يحصدون بطولات الماستر والميداليات الذهبية بالرغم من أن أعمارهم تعدت الستين.
وكنت أستمع إلى خطب الشيخ الشعراوى يوم الجمعة وبعدها نجلس معه أنا وابنه أحمد الذى كان صديقى وزميل الدراسة بعد الخطبة ونسأله فى أمور الدين ونتعلم منه.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو) ، تغطية ورصد مستمر علي مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.