إذاعة القرآن الكريم من القاهرة.. ستون عامًا على التأسيس.. طوفان الإعلانات يستوطن أثيرها ويطارد التلاوات القرآنية والأذان.. غضب شعبي ومطالبات بتصويب المسار.. فهل أدركتها الشيخوخة؟
إذاعة القرآن الكريم من القاهرة، وسط تحديات جسام، وحالة من عدم الرضا الشعبي..تحتفل إذاعة القرآن الكريم اليوم بمرور ستين عامًا بالتمام والكمال على إنشائها. شتان الفارق بين أمس واليوم؛ فإذاعة القرآن الكريم خلال العقود الماضية كانت شيئًا، واليوم صارت شيئًا آخر.
جرى العرف أن تبدأ الكيانات الإعلامية صغيرة ثم تكبر، ولكن إذاعة القرآن الكريم انطلقت كبيرة؛ وزاد شأنها عامًا بعد عام، لتبدأ في السنوات الأخيرة مرحلة من الانطفاء والهبوط الاختياري. نعم هو ليس هبوطًا اضطراريًّا ولكنه هبوط تتوافر فيه جميع عناصر العمد والقصد والترصد، حتى لو كان من خارج جدرانها، ولا ينكر هذا الهبوط إلا مستفيد من تلك الأوضاع البائسة التي آلت إليها.
تلك الحالة دفعت قطاعات عديدة من مستمعي أول إذاعة دينية وُضعت للناس بالأرض إلى الانتقاد المستمر لها أو الانصراف عنها، والبحث عن بدائل أخرى أحدث نشأة، ولكن لا يشوبها ما يشوب إذاعة القرآن الكريم من القاهرة من فوضى إعلانية تلتهم المساحات المخصصة للتلاوات القرآنية، وفوضى برامجية تتنافس في التكرار والسطحية، وحجب أصوات عديد من أعلام القراء، وتفاصيل أخرى عديدة، يعلمها القائمون على مقاليد أمورها، ولا ينكرونها، ولكن يبقى شعارهم: "ما باليد حيلة..هذه أمور خارجة عن إرادتنا".
بسبب الإعلانات.. تحذير برلماني من العزوف عن إذاعة القرآن الكريم
فواصل إعلانية ممتدة
هذه الشيخوخة التي تكتنف إذاعة القرآن الكريم من القاهرة في عامها الستين، ليست طارئة، ولكنها ممتدة وممنهجة منذ سنوات ليست قليلة، عندما تسللت إليها الإعلانات التجارية رويدًا رويدًا قبل أن تتوغل في كل ثنايا خريطتها البرامجية، حتى وصل الأمر إلى تقليص الثلاثين دقيقة المخصصة لتلاوة الشيخ محمد رفعت صباح كل يوم، ويتكرر الأمر بشكل أكثر فجاجة قبيل أذان المغرب في شهر رمضان، فضلًا عن الفواصل التي قد تستمر 10 دقائق متصلة في المرة الواحدة، وتتكرر على مدار اليوم مثنى وثلاث ورباع، ناهيك عن التخلص من الكوادر الإذاعية اللامعة أو تقييدهم، مقابل التمكين لآخرين لأسباب لم تعد خافية على الجميع.
برلمانية تطالب بمنع إعلانات إذاعة القرآن الكريم
طلبات إحاطة
الحالة التي وصلت إليها إذاعة القرآن الكريم من القاهرة في السنوات الأخيرة دفعت برلمانيين إلى تقديم طلبات إحاطة في مجلس النواب بشأن إعلانات المؤسسات التجارية والخيرية التي تستوطن أثيرها صباحًا ومساء وفي الغدو والأصال، وطالبوا بتدخل حاسم لتنقية أثير الإذاعة من هذه الإعلانات التي تحولت إلى سبب رئيس لإبعاد المستمعين عنها وهجرتها بلا عودة.
7 أعوام من الجدل.. الإعلانات تثير أزمات في إذاعة القرآن الكريم
أحد طلبات الإحاطة شدد على أن إذاعة القرآن الكريم من القاهرة هي أيقونة الإذاعات وغذاء الروح وسكينة النفس، وكانت منذ يومها الأول في المقدمة بين جميع المحطات والإذاعات في كثافة الاستماع، حيث احتلت مكانة خاصة في نفوس عموم المصريين؛ لاضطلاعها بمسؤولية توعية وتثقيف المستمعين والارتقاء بأخلاقهم وسلوكياتهم، مشيرًا إلى أن الإعلانات أصبحت تقتطع جزءًا كبيرًا من محتواها الأصلي وهدفها السامي والتنويري، وهو تقديم آيات الذكر الحكيم والأحاديث الشريفة والبرامج الدينية الجادة والرشيدة والإصلاحية على مدار اليوم.
مبادرات شخصية بالمقاطعة
كما شهدت السنوات الماضية مبادرات شخصية بمقاطعة إذاعة القرآن الكريم من بعض الأسماء البارزة، وأرجعوا ذلك إلى المستوى العام لإذاعة الكريم، وما اعتراها من مناطق ضعف كثيرة غير توغل الإعلانات، مثل: تراجع المساحات المخصصة للتلاوات القرآنية، وحجب بعض القراء المهمين مقابل التمكين لأصوات شديدة الضعف تسللت إلى الإذاعة في غفلة من الزمن عبر لجان اختبار غير صارمة، مُعربين عن صدمتهم من الحالة التي وصلت إليها إذاعة القرآن الكريم، وعدم وجود رغبة صادقة في تصويب المسار.
اللافت في الأمر أن الحصيلة المعلنة لإعلانات إذاعة القرآن الكريم لا تمثل رقمًا مهمًّا في معادلة الإعلانات؛ إذ يتم تقديرها بـ30 مليون جنيه فقط سنويًّا، كما صرح رئيس الإذاعة محمد نوار في وقت سابق، ربما زادت الحصيلة قليلًا، ولكن يبقى الرقم هزيلًا ولا يستحق التضحية بواحدة من أهم منابر الوعي والتثقيف والتربية التي كان يجب تنزيهها وتطهيرها من هذا العبث على غرار الإذاعات والفضائيات الدينية العربية التي بنت مجدها على تراث إذاعة القرآن الكريم في الأساس، وتبث محتوياتها عبر الساعة دون هذا الطوفان من الإعلانات. وفي هذا الإطار..برزت دعوات "شبه جادة" لجمع هذا الرقم من المستمعين ومن بعض رجال الأعمال المقتدرين في سبيل إعادة إذاعة القرآن الكريم إلى سيرتها الأولى وإنقاذها من "شيطان الإعلانات" الذي يتعاظم قُبحه يومًا بعد يوم.
إذاعة رائدة وأساتذة كبار
عطفًا على ما تقدم.. يقول الإعلامي الكبير تهامي منتصر: إذاعة القرآن الكريم التي تربعت علي القمة بلا منافس بضعة وخمسين سنة، بيَّضت خلالها وجه مصر الإسلامية كأول إذاعة في الشرق الأوسط تبث القرآن مرتلًا ومجودًا، ثم تطورت حتى ظهرت البرامج الإذاعية مع روادها الكبار: كامل البوهي، عبدالخالق محمد عبد الوهاب، محمد كمال إمام، محروس فرحات، عبد القادر الزنفلي، طلعت عزام، وإبراهيم عمارة، مضيفًا أنه ينتمي إلى الرعيل الثاني من مذيعي إذاعة القرآن الكريم، وقدم عددًا من برامج التفسير والحديث والفتوي والإعجاز العلمي، كما نال شرف إعداد وتقديم الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر الشريف.
يستطرد "منتصر": تمكنت إذاعة القرآن الكريم في قلوب وعقول المسلمين في مصر وما حولها حتى أوروبا، فقد شاء الله تعالي لها أن يكون إرسالها فائق القدرة، حتى إنه فاق في جودته ودقة وصوله إرسال شبكتي: البرنامج العام وصوت العرب؛ لذا فإنها كانت تمثل للشعب بكل طوائفه وثقافاته منبعًا صافيًا ونهرًا متدفقًا للثقافة الإسلامية تناسب العامل والمهندس والأكاديمي المتخصص حتى تاجر الخردة والبقال؛ بسبب ما كانت تقدمه من خطاب إعلامي مهني قادر على مخاطبة جميع الفئات وإرضاء أذواقهم؛ لأنها كانت إذاعة رائدة ويقودها أساتذة كبار ومخلصون ومؤمنون برسالتهم، وفي نفس الوقت يملكون قرارهم، ولا يُفرض عليهم شيء من خارجهم.
وبنبرة حزينة.. يُشخِّص "منتصر" الحالة التي وصلت إليها إذاعة القرآن الكريم حاليًّا بقوله: "أجيب مضطرًا: سقطت، تخلفت، تراجعت، والتفت عنها المستمعون؛ فقد تسطحت برامجها وانصرف مذيعوها إلي تقديم الإعلانات التي غشيتها كأنها ظلماتٌ ثلاثٌ تدعو للكآبة والحزن وتثير الاشمئزاز في السمع"، مضيفًا: كما تسببت التدخلات من خلال جدران إذاعة القرآن الكريم في تفاقم حالة الوهن التي توطنت فيها وفرضت كلمتها عليها.
ويختتم "منتصر" كلامه: "أهمس في عين وأذن كل مسؤول أنصحه مخلصًا: لا تُضيعوا القوى الناعمة المؤثرة في إعلامنا المصري، حافظوا علي صروح أضاءت سماء مصر وعطرت ترابها ومنها إذاعة القرآن الكريم من القاهرة، أعيدوا لها وقارها ورزاتنها ورسالتها، كفي عبثًا وتضييعًا، امنعوا هذه الإعلانات التي تشوِّه هواءها وإرسالها".
الآفة الكبرى
يرى الإذاعي الكبير إبراهيم خلف أن طوفان الإعلانات هو الآفة الأكثر بروزًا في أثير إذاعة القرآن الكريم خلال السنوات الماضية، منوهًا إلى إنه عارض رئيس الإذاعة الأسبق نادية مبروك في عام 2017 بسبب الإعلانات، فلم يكن جزاؤه سوى إبعاده عن الإذاعة التي نشأ وتربى مهنيًّا بين جدرانها، وذاب فيها عشقًا، وقدَّم عبر أثيرها حزمة من البرامج البارزة والملهمة والمؤثرة مثل: المصحف المعلم، خواطر الإمام، اللهم بلغت، واللهم إني صائم.
يستطرد "خلف": “اعترضت على دخول الإعلانات إذاعة القران الكريم، وقلت لهم: اتركوا المحطة لله، واتركوها للناس؛ فهي أهم روافد القوة الناعمة في أرض الكنانة والأزهر الشريف، وانشروا إعلاناتكم في محطة غيرها.. فكان جزائي قرار النقل التعسفي مديرًا عامًّا لإحدى المحطات الفرعية”.
يعرب "خلف" عن أسفه وحزنه لاستيطان وتوغل الإعلانات التجارية في خريطة إذاعة القرآن الكريم بهذا الشكل المناهض لأدنى درجات العقل والحصافة والذكاء، وإفساد الأجواء الروحانية لها، بما في ذلك شهر رمضان، وعدم التجاوب مع الرأي العام الغاضب من هذا التراجع الرهيب لمكانة إذاعة القرآن الكريم، مضيفًا أن الأزمة الكبرى في إذاعة القرآن الكريم حاليًّا تتجسد في طوفان الإعلانات، وخلافًا لذلك فإن أية مشاكل أخرى -من وجهة نظره- يمكن التعامل معها واحتواؤها والسيطرة عليها وتصحيح مسارها.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة، أخبار مصر، أخبار الاقتصاد، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، كأس مصر، دوري القسم الثاني، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، والأحداث الهامة والسياسة الخارجية والداخلية، بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والاقتصادية والرياضية