ما حكم اعتكاف المرأة في العشر الأواخر من رمضان؟ رأي جمهور الفقهاء يحسم الجدل
الاعتكاف في العشر الأواخر، هو لزوم المسجد لطاعة الله للتفرغ للعبادة، في الليل أو النهار، ساعة أو يومًا، أو ليلة أو أيامًا أو ليالي. فالاعتكاف من أعظم أسباب جمع القلب على العبادة، لما فيه من قطعٍ للعلائق والشواغل، ومن توفر على أنواع من العبادات، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصًا على الاعتكاف هو وأصحابه، واعتكف نساؤه أمهات المؤمنين من بعده. وكما قال الله جل وعلا: "وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ" [البقرة:187].
وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه اعتكف العشر الأواخر من رمضان. وأنّ الاعتكاف سُنّة في حقّ النساء كما هو سُنّة في حقّ الرجال؛ وقد ثبت عن عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ذَكَرَ أنْ يَعْتَكِفَ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ، فأذِنَ لَهَا، وسَأَلَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أنْ تَسْتَأْذِنَ لَهَا، فَفَعَلَتْ).
والاعتكاف سنة للرجل إجماعا، والمرأة على مذهب الجمهور بشرط أن لا يخلا بسببه بما عليهما من الواجبات المتحتمات والتي يعوق الاعتكاف عن مباشرتها.
ويُشار إلى أنّ الله -تعالى- شرع الاعتكاف لغاياتٍ كثيرة، ومن ذلك: تفرُّغ القلب عن مشاغل الدُّنيا والانشغال بالخَلْق إلى الانشغال بطاعة الله -تعالى-، والأُنْس والخُلوة به؛ بحيث يُصبح ذِكر الله -تعالى-، وحُبّه، والتفكُّر في مرضاته من أعظم الطاعات عند المُعتكِف.
مذهب جمهور الفقهاء في مدى اشتراط المسجد لصحة اعتكاف المرأة
اختلف الفقهاء في اشتراط المسجد لصحة اعتكاف المرأة؛ فيرى جمهور الفقهاء أنَّ المرأة كالرَّجُل في اشتراط المسجد لصحة اعتكافها، وذلك على صفة المسجد التي تتحقق بإقامة الصلوات الخمس فيه؛ مع الاتفاق على أفضلية المسجد الجامع الذي تقام فيه الجمعة.
واستدلوا لذلك بقول الله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187].
وبما ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يعتكفَ، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف إذا أخبيةٌ: خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب، رضي الله عنهن، فقال: «آلبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ؟!» ثم انصرف، فلم يعتكف حتى اعتكف عشرًا من شوال" متفق عليه.
قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (8/ 68، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي هذه الأحاديث: أن الاعتكاف لا يصحُّ إلا في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه وأصحابه إنما اعتكفوا في المسجد مع المشقة في ملازمته، فلو جاز في البيت لفعلوه ولو مرة، لا سيما النساء؛ لأن حاجتهن إليه في البيوت أكثر] اهـ.
وقال العلامة علاء الدين ابن العطار في "العمدة في شرح العدة" (2/ 922-923، ط. دار البشائر الإسلامية): [وفي هذا الحديث أحكام... ومنها: أنَّ الاعتكاف لا يصحُّ إلا في المسجد، وأن كونه فيه شرط لصحَّته؛ حيث اعتكف صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه فيه مع المشقَّة في ملازمته، ومخالفةِ العادة في الاختلاط بالنَّاس، لا سيما النِّساء، فلو جاز الاعتكاف في البيوت لَمَا خولف المقتضى؛ لعدم الاختلاط بالنَّاس في المسجد، وتحمُّل المشقة في الخروج لعوارض الخلقة، وهذا مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وداود، والجمهور] اهـ.
وقال الحافظُ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (4/ 277، ط. دار المعرفة): [وفيه: أن المسجدَ شرطٌ للاعتكاف؛ لأن النساء شُرع لهنَّ الاحتجاب في البيوت، فلو لم يكن المسجد شرطًا ما وقع ما ذُكِر من الإذن والمنع، ولَاكْتُفِي لهن بالاعتكاف في مساجدِ بيوتهن] اهـ، وبنحوه للحافظ العيني في "عمدة القاري" (11/ 148، ط. دار إحياء التراث العربي).
وروى عمرو بن دينار عن جابر أنه سُئل عن امرأةٍ جعلت عليها أن تعتكف في مسجد بيتها؟ قال: لا يصلح، لِتعتكفْ فِي مسجد؛ كما قال الله: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187] أخرجه أبو بكر الأثرم، كما ذكر الحافظ ابن رجب في "فتح الباري" (3/ 170، ط. مكتبة الغرباء)، وقال عقبه: "وجابرٌ هذا يُحتَمَل أنه جابر بن عبد الله الصحابي رضي الله عنهما، ويحتمل أنه جابر بن زيد أبو الشعثاء التابعي".
نصوص جمهور الفقهاء في هذه المسألة
على ذلك تواردت نصوص جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.
قال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (2/ 535، ط. دار الغرب الإسلامي): [ولا تعتكف المرأة في مسجد بيتها، وقاله ابن حنبل خلافًا (ل "ح" و"ش") محتجين بما في الموطأ: "أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه وجد أخبية: خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب، فلما رآها سأل عنها، فقيل له: هذا خباء عائشة وحفصة وزينب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ!» ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرًا من شوال"، وجوابه: أنه حجة لنا من جهة فعلهن لذلك، فدل على أنه معلوم عندهم، وإنكاره صلى الله عليه وآله وسلم لم يصرح فيه بأنه للمسجد، بل لكونهنَّ قصدنَ القرب منه غيرة عليه، فخشي عليهنَّ ذهاب الأجر، ولأنه شرط للرجال فيكون للنساء] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 480، ط. دار الفكر): [لا يصح الاعتكاف من الرجل ولا من المرأة إلا في المسجد، ولا يصح في مسجد بيت المرأة ولا في مسجد بيت الرجل، وهوالمُعتَزَل المهيَّأ للصلاة، هذا هو المذهب وبه قطع المصنف] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 190-191، ط. مكتبة القاهرة): [وللمرأة أن تعتكف في كلِّ مسجد... وليس لها الاعتكاف في بيتها... ولنا قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187]، والمراد به: المواضع التي بنيت للصلاة فيها، وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد؛ لأنه لم يُبْنَ للصلاة فيه، وإن سُمِّيَ مسجدًا كان مجازًا، فلا يثبت له أحكام المساجد الحقيقية؛ كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا»، ولأن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم استأذنَّه في الاعتكاف في المسجد، فأذن لهن، ولو لم يكن موضعًا لاعتكافهن، لَمَا أذن فيه، ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لَدَلَّهُنَّ عليه، وَنَبَّهَهُنَّ عليه، ولأن الاعتكاف قربة يشترط لها المسجد في حقِّ الرجل، فيشترط في حقِّ المرأة؛ كالطواف، وحديث عائشة رضي الله عنها حجة لنا؛ لما ذكرنا، وإنما كره اعتكافهن في تلك الحال، حيث كثرت أبنيتهن، لما رأى من منافستهن، فكرهه منهن، خشية عليهن من فساد نيتهن، وسوء المقصد به، ولذلك قال: «أَلْبِرّ تُرِدْنَ» منكرًا لذلك، أي: لم تفعلن ذلك تبررًا، ولذلك ترك الاعتكاف؛ لظنه أنهن يتنافسن في الكون معه، ولو كان للمعنى الذي ذكروه، لأمرهن بالاعتكاف في بيوتهن، ولم يأذن لهن في المسجد] اهـ
مذهب الحنفية في مدى اشتراط المسجد لصحة اعتكاف المرأة
بينما يَرَى الحنفية أنَّه لا يشترط المسجد لصحة اعتكاف المرأة، فلها أن تعتكف في مسجد بيتها، وهو: المكان المُعَدُّ لصلاتها الذي يستحب لها اتخاذه.
قال كمال الدين ابن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (2/ 394، ط. دار الفكر): [قوله (أما المرأة فتعتكف في مسجد بيتها) أي: الأفضل ذلك، ولو اعتكفت في الجامع أو في مسجد حَيِّها وهو أفضل من الجامع في حقِّها جاز] اهـ.
وقد نُسب القول بذلك أيضًا إلى الإمام الشافعي في القديم، وأنكر المحققون من أصحابه نسبته إليه.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (2/ 265، ط. دار الكتب العلمية): [ولو اعتكفت المرأة في مسجد بيتها -وهو المُعتَزَلُ المهيأُ للصلاة- لم يصح على الجديد، ويصح على القديم... قلت: قد أنكر القاضي أبو الطيب وجماعة هذا القديم، وقالوا: لا يجوز في مسجد بيتها قولًا واحدًا، وغلَّطوا مَن قال: قولان] اهـ.
نقدم لكم من خلال موقع (فيتو) ، تغطية ورصد مستمر علي مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.