رئيس التحرير
عصام كامل

الأصول المجمدة.. أحدث بنود الصراع بين روسيا والغرب

 الحرب الأوكرانية،فيتو
الحرب الأوكرانية،فيتو

يبدو أن تركة الصراع بين الروس والأوروبيين أصعب من مجرد تخيلها، إذ دخلت الحرب الأوكرانية فصلا جديدا من فصول الصراع بين روسيا من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين من الجهة الأخرى، ولكن هذه المرة يأخذ الصراع منحنى اقتصاديا أكثر منه عسكريا.

وبدأت الدول الأوروبية وعلى رأسها المملكة المتحدة فى دراسة مصادرة الأصول الروسية التى تم تجميدها كنوع من العقوبات على موسكو، وتحويلها كمساعدات عسكرية واقتصادية إلى كييف لمواجهة التقدم الروسى.

ولجأت الدول الغربية إلى التفكير فى هذه الخطوة بعد تراجع الدعم العسكرى الذى تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية إلى أوكرانيا بسبب الأزمات الاقتصادية التى تمر بها واشنطن، وأيضًا لمعاناة دول أوروبا من الارتفاع فى معدلات التضخم وتراجع معدلات النمو بالإضافة إلى النقص الحاد الذى تعانى منه ترسانتها العسكرية بسبب المساعدات التى حصلت عليها كييف.

وحقق الجيش الروسى تقدما كبيرا خلال الفترة الأخيرة وتراجعت القوات الأوكرانية، وذلك بسبب تناقص الدعم العسكرى الذى يقدمه الغرب لكييف، مما تسبب فى زيادة المخاوف لدى دول الغرب.

وفى إطار مصادرة الأموال والأصول الروسية صوت أعضاء مجلس الشيوخ السويسرى لصالح استخدام الحكومة السويسرية لنحو 8.5 مليار دولار من أموال البنك المركزى الروسى المجمدة لإعادة بناء أوكرانيا.

وجاء فى بيان نشر على موقع البرلمان: “من الممكن دفع أصول الدولة الروسية والمنظمات القريبة منها المجمدة كجزء من العقوبات، إلى أوكرانيا كتعويضات”.

وأرجعت سويسرا سبب مصادرة الأصول الروسية إلى أنها تريد استخدامها لتعويض أوكرانيا عن الدمار الذى لحق بها بسبب الحرب التى شنتها عليها موسكو.

وأيضًا بدأت ألمانيا وفرنسا والبنك المركزى الأوروبى فى اتخاذ خطوات محفوفة بالحذر بشأن المصادرة المحتملة للأصول الروسية المجمدة، فى الوقت الذى تسعى فيه برلين وباريس ولندن مناقشة مصادرة الأموال والأصول الروسية، إلا أنهم يخشون إجراءات روسيا الانتقامية ضد الأصول الأوروبية، فضلا عن التأثير على الاستقرار المالى ووضع اليورو كعملة احتياطية.

وتفرض الدول الغربية عقوبات على روسيا منذ فبراير 2022، ونتيجة لذلك تم تجميد الأصول السيادية وأموال المستثمرين من القطاع الخاص، وتم تجميد احتياطيات النقد الأجنبى فى البلاد بمبلغ 300 مليار دولار، وعلى الفور تقريبا، بدأت المحادثات حول مصادرة هذه الأصول من قبل دول أجنبية لأغراض مختلفة.

وفى أكتوبر 2022، أصدر قادة الاتحاد الأوروبى تعليمات للمفوضية الأوروبية بإعداد مقترحات بشأن استخدام الأصول المجمدة لتمويل إعادة إعمار أوكرانيا.

وعلى الرغم من الاتفاق بين دول الغرب على تشديد العقوبات على روسيا إلا أن هناك اختلافا حول مصادرات الأصول الروسية المجمدة، فهناك العديد من الأصوات المعارضة فى العواصم الأوروبية، وأمريكا حذرت من خطورة هذه الخطوة والعواقب الوخيمة المترتبة عليها، فمن المتوقع أن تتسبب فى انهيار النظام المالى العالمى وحدوث حالة من عدم الثقة.

وفى هذا السياق، قال عزت سعد، سفير مصر السابق فى روسيا، إن خطوة مصادرة الأصول والأموال الروسية المجمدة من قبل دول الغرب خطيرة وتنذر باتساع رقعة الصراع فى أوكرانيا، ليمتد إلى دول القارة العجوز، وربما يتحول إلى صراع عالمى مفتوح تستخدم فيه كل الوسائل والأدوات بما فيها الاقتصاد.

وأضاف عزت سعد أن مصادرة الأصول الروسية المجمدة فى الغرب، قد يكون بداية انهيار النظام المالى العالمى، وذلك لأن الدول ستفقد ثقتها فى هذا النظام الذى ما زال تحت هيمنة الدول الغربية.

وأوضح أن روسيا سيكون لها رد انتقامى على هذه الخطوة، فقد تصادر الأموال والأصول الغربية التى لديها، وبالتالى يحدث انقسام كبير فى النظام المالى العالمى.

وأضاف أن الغرب سيخسر أصولا واستثمارات بقيمة 288 مليار دولار على الأقل إذا صادر أصولا روسية مجمدة للمساعدة فى إعادة بناء أوكرانيا.

وأكد أن هناك بيانات أظهرت أن الاستثمار المباشر للاتحاد الأوروبى ومجموعة السبع وأستراليا وسويسرا فى الاقتصاد الروسى بلغ فى نهاية عام 2022 نحو 288 مليار دولار.

وتابع: “إن دول الاتحاد الأوروبى تمتلك 223.3 مليار دولار من الأصول، منها 98.3 مليار مملوكة رسميًا لقبرص، و50.1 مليار لهولندا، و17.3 مليار دولار لألمانيا”.

وقال عزت سعد إن بريطانيا هى الدولة الأكثر سعيا نحو مصادرة الأصول الروسية المجمدة وذلك على الرغم من أن لديها استثمارات كبيرة فى موسكو، مؤكدًا أن دول الغرب تعلم جيدا خطورة الخطوات القادمة التى تخطط لها إزاء الحرب فى أوكرانيا خاصة فيما يتعلق بمصادرة الأصول الروسية أو إرسال قوات إلى كييف، موضحا أن هاتين الخطوتين كفيلتين بإشعال حرب عالمية ثالثة تقضى على أوروبا والعالم.

وتوقع الدبلوماسى السابق عدم إقدام الدول الأوروبية على مصادرة الأصول الروسية أو حتى إرسال قوات إلى أوكرانيا والاكتفاء بإرسال المساعدات العسكرية المحدودة.

وفى السياق ذاته، قالت الدكتورة نورهان الشيخ، الخبيرة بالشأن الروسى، وأستاذة العلوم السياسية فى جامعة القاهرة، إن الصراع بين موسكو والغرب دخل مرحلة جديدة تتجاوز حدود أوكرانيا خاصة بعد التحذيرات التى أطلقها الرئيس الفرنسى وما تبعها من تهديدات روسية برد صارم بدون خطوط حمراء.

وأضافت نورهان الشيخ، أن هذه التصريحات سواء من قبل روسيا أو دول الغرب تكشف خطورة الموقف فى أوكرانيا، خاصة بعد انضمام السويد وفنلندا مؤخرا إلى حلف الناتو، فأصبحت روسيا شبه محاصرة، وهو ما يقرب من الاشتباك المباشر بين الجانبين.

وأكدت أنها لا تعتقد أن تقوم أوروبا أو الناتو بإرسال قوات إلى أوكرانيا، لأن ذلك سيسمح لروسيا باللجوء إلى السلاح النووى، وهو الأمر الذى يخشاه الجميع.

وأوضحت أن هناك معارضة شديدة فى العواصم الأوروبية خاصة فى باريس وبرلين من خطورة التورط فى الحرب الأوكرانية والدخول فى مواجهة مباشرة مع روسيا.

ونوهت الشيخ إلى أن لجوء دول الغرب إلى فكرة مصادرة الأصول الروسية المجمدة لديها ستضر بالاقتصاد الغربى بشكل بالغ، فى حين لن يكون لها تأثير مباشر على موسكو.

وقالت: “إن روسيا لديها أصول غربية تعادل أصولها المجمدة فى أوروبا وأمريكا، ولكن هذا القرار سيتسبب فى تدهور الاقتصاد الأوروبى الذى تربطه علاقات تبادل كبيرة مع موسكو”.

وأضافت: “قرار مصادرة الأصول الروسية سيتسبب فى فقدان الثقة فى الاقتصادات والدول الغربية، ويجعل الدول تتردد فى الاحتفاظ بأصول أو أى استثمارات فى القارة العجوز وهو ما يكون له تأثير مدمر على اقتصادات هذه الدول”.

وأشارت إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية ستستمر حتى نهاية عام 2024، ولن يكون هناك أى تغيير إلا بعد ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية، فإن فاز ترامب قد يتسبب ذلك فى وقف الحرب والدخول فى مفاوضات.

واستطردت بأن الاتحاد الأوروبى أدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تتراجع عن تمويل الحرب فى أوكرانيا، لذلك وضع الاتحاد ميزانية قدرها 50 مليار دولار كمساعدات لكييف فى حربها ضد روسيا.

 

 

الجريدة الرسمية