لغز الميناء الأمريكي على ساحل غزة.. خبراء: جزء تكتيكي للحرب ويصب في مصلحة نتنياهو
أثار إعلان الرئيس الأمريكى جو بايدن بشأن بناء ميناء مؤقت لتسريع نقل المساعدات إلى قطاع غزة العديد من التكهنات، خاصة بعد ترحيب الجانب الإسرائيلى بهذه الخطوة بالرغم من تضييقه وعرقلته منذ بدء العدوان على غزة لشتى العمليات الرامية لإدخال المساعدات للمدنيين العزل والأطفال والنساء المحاصرين داخل القطاع فى ظل ظروف كارثية.
من جانبه، أكد الدكتور معتز سلامة، الخبير فى مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن السعى الأميركي لنقل المساعدات الإنسانية للقطاع عبر ميناء غزة هو جزء من الإدارة التكتيكية للحرب، وقد يكون الهدف هو إطالة أمدها بما ينسجم مع ما أعلنه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بشأن اعتزامه التواجد فى غزة لعشر سنوات مقبلة.
وأوضح الخبير فى مركز الأهرام للدراسات، أن استمرار النهج الأمريكي غير المتوازن حاليا بين الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى، محل انتقاد دولى وعربى متزايد، ومن ثم تسعى إدارة بايدن إلى وضع قدمها داخل الميناء إلى التلويح بقدر مزعوم من التوازن فى إدارتها للحرب.
أضاف: وقد تهدف الخطوة إلى الانتقال إلى قدر من «القتل الرحيم»، بدلا من «الاغتيال السافر»، وفى النهاية، فإن ذلك من شأنه أيضًا أن يضاعف أوراق النفوذ الأمريكية فى أى عملية تفاوض أو تسوية أو صفقة بشأن الحل النهائى للقضية الفلسطينية.
وأشار سلامة إلى أن طرح موضوع إنشاء الميناء يأتى تحت شعار المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وبالتالى شعاره يصعب الاعتراض عليه، ولكن فى ظل المقارنة مع الموقف الأمريكى العام من العدوان الإسرائيلى على غزة واستمرار موقف بايدن الداعم لإسرائيل، يطرح الملف شكوك وتساؤلات خاصة فى ظل هذا التوقيت.
وتساءل: هل من الممكن توظيف الميناء فى أغراض أخرى تتعلق بالحرب الراهنة فى قطاع غزة، وحماية مصالح إسرائيل وتكريس الوجود الأمريكى فى هذه المنطقة الحيوية بشرق المتوسط واكتساب نفوذ فى ظل ما تتمتع به من أهمية بالغة للأمن المائى العالمى، خصوصا مع الهجمات التى يشنها الحوثيين فى البحر الأحمر وتهديدهم للملاحة البحرية.
وأضاف: “المعانى والأهداف الأمريكية خلف إنشاء هذا الميناء لا يمكن التسليم بأنها قد تقتصر على موضوع المساعدات الإنسانية فقط لأهل غزة، خصوصا أن هناك العديد من الوسائل المتعددة لتقديم مثل هذه المساعدات، كما أن واشنطن كان باستطاعتها الضغط على تل أبيب من أجل السماح بعبور المساعدات من خلال المعابر الحدودية.
واستطرد: “سواء كان إنشاء الميناء يأتى من أجل تقديم المساعدات لسكان غزة فقط أم لأغراض أمنية وعسكرية أو أشياء أخرى، كلها أمور غير معلومة حتى الآن، مع الأخذ فى الاعتبار أيضًا المخاطر الأمنية المترتبة عن إنشاء هذا الميناء وموقف سكان غزة، وهل سيكون تحت إشراف أمريكى كامل أم إسرائيلى أم إشراف مشترك”.
وأكد الخبير فى مركز الأهرام: “كل الشكوك والهواجس مطروحة، ولكن المشكلة الأكبر أنه إذا كان إنشاء الميناء من أجل مساعدة الفلسطينيين، فلماذا لا توقف أمريكا اغتيال المدنيين فى غزة، مشددا على أن هناك مفارقة كبيرة للغاية بالنسبة للموقف الأمريكى سواء على المستوى الحقوقى أو السياسي”.
وتابع سلامة: “الترحيب الإسرائيلى بهذه الخطوة يدل على أنه كان هناك مشاورات عميقة بين واشنطن وتل أبيب قبل الإعلان عن هذه الخطوة، مضيفا: هناك العديد من علامات الاستفهام، حول إنشاء الميناء، وإن كان الغرض تكثيف الوجود الإسرائيلى على الحدود البحرية لغزة، أم سيتم تحويل الميناء فيما بعد لقاعدة للتنسيق أو قاعدة للتجسس على حماس أو قاعدة أمنية”.
وأضاف: “تقليل التواجد الأمريكى فى المنطقة هو قرار شامل واستراتيجى بدأ منذ إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما من أجل توجيه القوات الأمريكية صوب الشرق والمنافسين الجدد للهيمنة الأمريكية مثل الصين، لكن المشكلة أن هناك العديد من العراقيل فى التنفيذ.
وأضاف أن واشنطن تريد ترك المنطقة، وهناك تطبيع شبه كامل بين الدول العربية ودولة الاحتلال لتوفير حالة من الاستقرار تساعد فى استمرار سير المصالح الأمريكية فى المنطقة، ولكن يبدو أن هذا الأمر لا يسير بسلاسة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وكل ما تفكر فى ترك المنطقة تظهر متغيرات تدفعها لإعادة الوجود والانخراط وفى النهاية هذا القرار استراتيجى وقائم”، معربا عن اعتقاده بأن أى إدارة أمريكية جديدة ستأتى ستستمر فى المضى بهذا الأمر.
واستكمل: “التهديد الأمريكى بالخروج من المنطقة يحقق لواشنطن فوائد أيضًا، فهى تفرض على الأطراف الإقليمية التى تحتاج مظلة الحماية الأمريكية دفع الأموال وتقديم التنازلات مقابل ضمانتها الأمنية، أو على الأقل تدفعهم للتطبيع مع دولة الاحتلال”، لافتا إلى أن مجرد التلميح الأمريكى بالخروج من المنطقة يحقق للولايات المتحدة العديد من الأهداف التكتيكية والاستراتيجية.
وأضاف: “الولايات المتحدة تخفف وجودها فى المنطقة، ولكنه ليس ضمانة شاملة للأمن، بل وجود ذكى يحقق المصالح بأقل مظاهر التواجد العسكرى، فهى تنشر قواتها فى مناطق معينة لها فاعليتها ومهامها وأهدافها المحددة التى قد تكون قصيرة الأجل أو طويلة الأجل، بينما التواجد بعشرات الآلاف من القوات لم يعد موجودا، إذ تقلص وجودها، ولكن ستحافظ على بقاء قوى وفعال من أجل المواجهة الأمريكية المحتملة مع الصين، مؤكدا أنه حتى الآن لم تستطع الإدارات الأمريكية توجيه كامل طاقتها صوب بكين وموسكو.
السفير جمال بيومى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، قال إنه يخشى أن تتحول فكرة إنشاء وتطوير ميناء إلى إنشاء رصيف ثم إنشاء جزيرة، مستشهدا بتصريحات الاحتلال فى وقت سابق بشأن نقل الفلسطينيين إلى جزيرة فى منتصف البحر ليصبح معتقلا جديدا على المستوى العالمى.
وأضاف: “كل هذه أفكار للهروب من الإجابة عن السؤال الحقيقى: هل أنت مستعد للقبول بدولة على أرض فلسطينية؟ مردفا: بالرغم من أن الفلسطينيين يأخذون أقل من المتفق عليه خلال الاتفاقات والمعاهدات التى تم إبرامها سابقا سواء سنة 47 أو حتى بحدود 67 لكن الصهاينة لا يعترفون بأى معاهدات، لذلك لا يعترفون بالحدود السورية ويريدون ضم الجولان”.
وتابع مساعد وزير الخارجية الأسبق: “الصمود هو السلاح الأقوى لمواجهة الاحتلال، فتعداد إسرائيل لن يسمح لها بالمواجهة لمدة طويلة على شتى الجبهات، تل أبيب تبنى المستوطنات لتصبح بيوت أشباح لا يسكنها أحد، حسب ما أظهرت الهجرة العكسية حيث بدأ السكان فى الهروب من دولة الاحتلال والسؤال: كيف تستطيع تقييم مستقبل دولة وكل حدودها معادية لها”.
وعن سر توقيت إعلان الولايات المتحدة إنشاء ميناء على ساحل غزة، أشار بيومى إلى أنه لا يوجد منطق فى تحركات أمريكا وإسرائيل، فهما دائمًا مترددتين، وليس لديهما موقف صريح معلن، مستكملا حديثه:
“الولايات المتحدة تسعى فقط لخيارين، أن تظل تل أبيب فى المنطقة لتمنع العالم العربى من التوحد، ثانيا ملف صناعة السلاح التى تحتاج إلى حروب. ستظل صناعة السلاح تقودنا إلى حروب لا لزوم لها، فهى صناعة بها تريليونات الدولات”.
وأكد مساعد وزير الخارجية الأسبق أنه لا يستبعد أن تستغل الولايات المتحدة موضوع الميناء لتحويله إلى قاعدة عسكرية أمريكية لحماية دولة الاحتلال، ولكنه أشار إلى أن واشنطن لا تحتاج هذا بطريقة كبيرة، فهى لديها بالفعل قوات خاصة ومستشارين داخل تل أبيب.
وعن التكهنات التى أثيرت حول إمكانية شروع واشنطن فى إنشاء الميناء فى إطار تعزيز خطة الممر الاقتصادى المزعوم، أكد بيومى أن هذا غير مرجح، موضحا أن فكرة هذا الممر بلا جدوى، فهو مكلف جدا، ولن يلجأ إليه أحد، وهناك طرق أقل تكلفة بكثير وأسرع، مثل قناة السويس التى لا يستطيع العالم الاستغناء عنها أبدا.
واختتم جمال بيومى حديثه قائلا: “الولايات المتحدة تحكمها 4 مؤسسات، وزارة الدفاع ووزارة الخارجية والكونجرس والبيت الأبيض.. الأخيران هما من تتضارب مواقفهما بين الحين والآخر، لأنهما خاضعان للانتخابات، كما أن هناك تضاربا بين الـ4 جهات التى تصنع القرارات فى الولايات المتحدة، ولكن أيًا كان ستظل الولايات المتحدة داعما رئيسيا لدولة الاحتلال فى مطلق الأحوال، ولن تتخلى عنها.