نهاية كابوس الدولار.. «فيتو» تكشف سيناريوهات أزمة الأسعار وتأثير وصول مليارات صفقة رأس الحكمة على الاقتصاد.. «صفقة الإنقاذ» تضرب معدلات التضخم المرتفعة
لا حديث فى الأوساط المالية وخبراء الاقتصاد، نهاية بالمواطن من مختلف الطبقات الاجتماعية، إلا عن تبعات تدفق مليارات صفقة الاستثمار فى رأس الحكمة، الاتفاقية غير المسبوقة التى وقعتها مصر لتنفيذ مشروع غرب الإسكندرية على الساحل الشمالي، بالشراكة بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وشركة أبوظبى التنموية القابضة المملوكة لحكومة أبوظبي. سبب الترقب أن المبلغ ضخم للغاية ويكفى احتياجات البلاد من العملة الصعبة فى هذه المرحلة؛ إذ يضخ نحو 35 مليار دولار من الاستثمار الأجنبى المباشر فى الاقتصاد خلال شهرين، وهو أكبر مبلغ من نوعه للاستثمار الأجنبى المباشر فى تاريخ البلاد، لاسيما أن أرباح المشروع لن تتوقف عند هذا الرقم بل تزيد إلى نحو 150 مليار دولار كحد أدنى، ربما لأن مدينة رأس الحكمة سيتم بناؤها على مساحة غير مسبوقة تبلغ أكثر من 40 ألف فدان.
كيف تتحرك الأسعار بعد وصول 10 مليارات دولار من الصفقة الجديدة؟، وانهيار سعر الدولار فى السوق الموازية إلى نحو ٤١ جنيها بعد وصوله إلى أكثر من ٧٠ جنيها قبل الصفقة، وماذا عن تراكمات الموانئ التى تسببت فى تراجع المعروض بشدة وارتفاع الأسعار بطريقة جنونية غير مسبوقة بجميع السلع سواء الغذائية أو المعمرة؟ وهل تؤثر الإفراجات الجمركية التى بدأت بالفعل على الأسعار بالأسواق؟، وهل سيحتفظ البنك المركزى المصرى بقيمة الاستثمارات المحولة بالعملة الأجنبية، أم سيضطر للتعامل مع النقص الحاد الحالى فى العملات الأجنبية لإعادة الحياة من جديد؟ «فيتو» فى هذا الملف تتناول تأثيرما بعد ضخ مليارات الصفقة على الأسعار والاقتصاد عموما، فإلى التفاصيل:
تعانى مصر من ارتفاع التضخم بمعدلات قياسية، نتيجة نقص حاد فى العملة الأجنبية، ما أدى إلى انتعاش السوق الموازية للصرف الأجنبى، خلال الأشهر الماضية ووسط تطلعات بأن تحقق صفقة رأس الحكمة الاستقرار النقدى والقضاء على السوق الموازية للدولار، بعد أن أصبحت الصفقة بمنزلة طوق إنقاذ للاقتصاد المصرى، وبداية لانفراجة خلال الفترة المقبلة، وحل لمواجهة الأزمة الدولارية وإحداث التوازن لسعر الصرف.
ولا أحد ينكر أن صفقة الشراكة المصرية الإماراتية فى استثمار أرض رأس الحكمة والتى تبلغ مساحاتها نحو 171 مليون متر مربع، هى أحد أهم الصفقات الاستثمارية العالمية على شاطئ البحر المتوسط، حيث يتعدى حجم الشراكة الأولية 35 مليار دولار بالإضافة إلى 150 مليار دولار ستضخ فى حجم الأعمال والإنشاءات المرتبطة بالمشروع.
ويتساءل الكثيرون: كيف سيكون لهذه الصفقة تأثير مباشر على الاقتصاد المصرى؟ وهل ستسهم فى خفض معدلات التضخم وتحسين وضع الجنيه المصرى ليس فقط أمام الدولار واليورو ولكن أمام جميع العملات فى منطقة الخليج العربى وخلافه؟
ومن يتابع الأحداث الاقتصادية أولا بأول يلاحظ انخفاض سعر الدولار فى السوق الموازية بشكل ملحوظ وسريع منذ الإعلان عن الصفقة، والأكثر من هذا توقف حالات الشراء المهووسة للدولار، بعد أن سيطر أباطرة السوق الموازى على تداول العملات الأجنبية بالسوق المحلية وتمكنهم من إحداث تأثير خطير على قيمة الجنيه المصرى بما انعكس على استقرار الاقتصاد المصرى.
ويبقى التساؤل المهم الذى يشغل الشارع المصرى ما موقف أسعار السلع والمنتجات؟ وهل يتراجع التضخم؟
ويجيب عن هذا التساؤل الدكتورة يمن الحماقى، خبيرة الاقتصاد، قائلة إنه من المؤكد أن وجود وفرة دولارية فى البنك المركزى أمر سيلقى بظلاله على الأسعار والظروف المعيشية للمواطنين، فضلًا عن فرص العمل التى ستنشأ نتيجة للمشروع، ومن المتوقع حدوث انخفاض بالتبعية فى أسعار السلع والمنتجات الغذائية.
وبالطبع فإن توافر ما يقرب من 24 مليار دولار بالبنك المركزى فى غضون شهرين سينعكس على معدلات التضخم بالضرورة خاصة أن أزمة نقص الدولار هى السبب الرئيسى للتضخم ومع اختفاء سبب الأزمة، سيشعر المواطن بانفراجة فى الأسعار والظروف المعيشية.
وأضافت الحماقى قائلة: انخفض سعر الدولار فى السوق السوداء بشكل كبير، ومع توافره فى البنك المركزى سيواصل الانخفاض، مما سيكون له أثر إيجابى على أسعار السلع والمنتجات فى السوق المصرى وبمجرد الإعلان عن الصفقة، تراجع سعر الدولار فى السوق الموازية بأكثر من 10 جنيهات مرة واحدة.
ومن المتوقع أن يستغرق انخفاض معدل التضخم من شهر إلى شهرين حتى تتحسن السيولة الدولارية وتوجيه الدولارات للإفراج عن جزء من الخامات والمستلزمات والسلع المتراكمة فى الموانئ.
وفيما يتعلق بالالتزامات الدولية قالت الحماقى إن الصفقة تسهم فى خفض الدين الخارجى لمصر بنحو 11 مليار دولار مسجلة لدى البنك المركزى المصرى كودائع للإمارات، حيث شمل الاتفاق أن يتم تحويل هذه الودائع إلى أموال بالجنيه المصرى يتم ضخُّها لتنفيذ المشروع، مشيرة إلى بنك جولدمان ساكس توقع أن تسهم التدفقات الاستثمارية البالغة نحو 24 مليار دولار التى سيتم ضخها كسيولة دولارية فى تغطية الفجوة التمويلية لمصر خلال الأربع سنوات المقبلة.
ونوهت الحماقى إلى أن توافر الدولار فى البنوك لسداد الالتزامات والتوصل لاتفاق مع صندوق النقد، سيسهم فى تخفيف أزمة تكدس شحنات البضائع فى الموانئ المصرية، ما ينتج عنه زيادة المعروض من السلع فى الأسواق، وكبح التضخم والسيطرة على ارتفاع الأسعار.
ومن جانبها تقول ماجى سليم، خبيرة الاقتصاد لــ”فيتو” أن انخفاض أسعار الدولار فى السوق السوداء، وهى أحد تداعيات صفقة رأس الحكمة، والحديث عن صفقات أخرى قادمة فى الطريق، ما جعل السوق الوداء ترتبك كليا وتشل حركة التعامل فيه الآن، وهذا سينعكس بعد فترة ليست ببعيدة من شهر إلى شهرين على انخفاض أسعار السلع والخدمات المستوردة، خاصة السلع الأساسية مثل الغذاء والأدوية والأعلاف والزيوت وقطع غيار الآلات الاستثمارية والسيارات والحديد وخلافه بنسب تصل إلى 30% على أقل تقدير وهو ما يتطلب من الحكومة متابعة هذا التخفيض وضرب المتلاعبين فى الأسواق بيد من حديد.
وأضافت ماجى قائلة: المصانع الغذائية الكبرى على سبيل المثال من مصلحتها انخفاض أسعار المكونات المستوردة لتخفض سعر المنتج النهائى ليكون متوافرا لجميع طوائف المجتمع بما يسمح بزيادة الإنتاج والمبيعات والانعكاس على الانتشار والتوزيع بدلا من المكسب المرتكز على فروق الأسعار المغالى فيها، وضعف القدرة الشرائية للمستهلكين مثلما حدث فى الأشهر القليلة الماضية من بداية 2024.
من ناحية أخرى قال الدكتور أحمد سعد، خبير الاقتصاد وأسواق المال لـ”فيتو”، إن المبالغ المتوقع دخولها مصر خلال السنوات الخمس المقبلة، وهى فترة إنشاء المشروع والتى تبلغ نحو 150 مليار دولار فى مزيد من الاستقرار بسعر صرف العملات الأجنبية فى المصارف المصرية والعربية والعالمية العاملة بمصر.
وتابع: توفر العملة الصعبة بالبنوك ستساهم فى انخفاض واختفاء دور السوق الموازية للعملات الأجنبية خاصة الدولار لاقتراب سعر السوق الخلفية من سعر صرف العملات بالبنك المركزى، مما سيوجه الأموال المستثمرة بالمشروع إلى البنوك، ولن يكون هناك تخوف من توقف انسياب العملات الأجنبية للمصارف المصرية من خلال هذه التدفقات الدائمة، وهو ما سيسهم فى زيادة حجم الاحتياطى بالبنك المركزى.
وأضاف سعد قائلا إن الحكومة أعلنت عن تحركات استثمارية وبناء منطقة صناعية لإيطاليا بمصر فى صناعة الحديد وكذلك استثمارات عالمية قد تصل إلى 40 مليار دولار فى مجال الطاقة والهيدروجين الأخضر وهى كلها ستسهم فى تقوية وضع الاقتصاد المصرى بعد الاتجاه إلى الاستثمار الصناعى، وهو ما طالبنا به فى الآونة الأخيرة بعد الاستثمار الكبير فى البنية الأساسية على مدى السنوات الماضية، ولكن هذا يتطلب من الحكومة ضرورة توفير المناخ الاستثمارى الجاذب للاستثمارات العالمية، وتشجيع مبادرة الرخص الذهبية لكل الصناعات الكبرى الواردة إلى مصر.
وأضاف خبير الاقتصاد الدكتور أحمد سعد قائلا: يجب على الحكومة وضع نصب عينيها المستثمر المصرى أولا ودعمه وتسهيل إجراءات شراء الأراضى الصناعية والإجراءات الروتينية المرتبطة بالمشروعات، لأنه الأساس فى جذب المستثمر العالمى حتى تصبح مصر دولة صناعية كبرى بالمنطقة العربية والشرق أوسطية، وهو ما يتوقع سعد حدوثه خلال السنوات المقبلة القادمة، حيث ستسهم جميع هذه الاستثمارات فى توفير فرص عمل وتشغيل الشباب وانضباط سعر المنتج المصرى والمستورد فى الأسواق المحلية وزيادة الصادرات المصرية وانسياب العملات الأجنبية إلى البنوك الوطنية والقضاء على السوق السوداء.